صفقة طائرات مسيّرة أميركية للهند.. والهدف الصين

23 يونيو 2023
بايدن ومودي خلال لقائهما في واشنطن أمس (Getty)
+ الخط -

حتى الماضي القريب، كانت الهند تعتمد بدرجة كبيرة على الدوريات البشرية لمراقبة الحدود المشتركة مع جارتها الصين؛ هناك في المناطق النائية لسلسلة جبال الهملايا. لكن هذا كان في زمن مختلف، شهد على دفء العلاقات بين البلدين، قبل أن تدخل القوات الأمنية المنتشرة على الحدود في احتكاك مباشر عام 2020، أعاد إذكاء نزاعات حدودية، ظلّت خامدة منذ الحرب الهندية الصينية في ستينيات القرن الماضي، وشهدت فترات متقطعة من التصعيد.

لكن حاجة الهند إلى نشر عناصرها في تلك البقعة الحدودية، حيث الدهاليز الوعرة الواسعة التي يصعب على أي بلد في العالم مراقبتها، آخذة بالتقلص، لا سيما بعدما وقّعت على صفقة مع الولايات المتحدة لشراء طائرات مسيّرة من طراز "أم كيو-9 بي"، أو "بريداتور"، ستبلغ قيمتها نحو 3 مليارات دولار، خلال الزيارة الأولى من نوعها التي يجريها رئيس الوزراء الهندي، راريندرا مودي، إلى واشنطن هذه الأيام.

ماذا تضيف "بريداتور" للجيش الهندي؟

بموجب الصفقة، فمن المتوقع أن تحصل الهند على حوالي 30 طائرة بدون طيار من هذا الطراز الذي يطير على ارتفاعات عالية، وستتوزع ما بين صنفي "SkyGuardian" و"SeaGuardian"، وستكون مسلّحة، وفقاً لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين هنود.

وبحسب الصحيفة، فإن هذه الصفقة تبرهن على جهود الهند المتنامية لمراقبة الحدود عن كثب، حيث تواجه خصماً ضخماً ومجهّزاً تجهيزاً جيّداً، ببنية تحتية معززة على مدار عقود، ما أعطى جنوده أفضلية كبيرة.

وبحسب ما تكتب شركة general atomics aeronautical، المصنّعة للطائرة، على موقعها، فإن الصنف الأول من هذه المسيّرات (SkyGuardian) يمثّل الجيل الثاني من أنظمة الطائرات الموجهة عن بعد، ويوفّر استخبارات واستطلاعاً مستمرّين حول الكوكب. صمّمت الطائرة، بحسب الشركة، للتحليق فوق الغلاف الجوي، والتوجيه عبر الأقمار الاصطناعية، لما يزيد عن 40 ساعة بشكل متواصل، وهذا في مختلف أحوال الطقس. كذلك، فالطائرة مؤهلة للاندماج بأمان في المجال الجوي المدني، ليلاً أو نهاراً.

ومن مزايا هذه المسيّرات أيضاً أنها تحمل راداراً يعمل بالأشعة تحت الحمراء، وقادرة على الإقلاع والهبوط بشكل تلقائي، عدا عن "قابليتها التحمل والاستمرارية المتصدّرة في مجال صناعة الطائرات المسيّرة، وكذلك قدرات المراقبة الفائقة".

أما نظيرتها البحرية، فتركز على الملاحة فوق وتحت سطح البحار، رغم أنها مؤهلة كذلك للتحليق فوق الغلاف الجوي، لكن باستمرارية أقل، تناهز نحو 30 ساعة. وتصف الشركة هذه الطائرة بأنها "الأولى من نوعها من حيث مقدرتها على تمكين البحث والمراقبة الدورية في الوقت الفعلي، فوق وتحت سطح المحيطات".

لكن الميزة الأهم لهذه المسيّرة البحرية، في سياق المواجهة مع الصين، هو قدرتها على إدارة حرب مضادة للغواصات، بشكل مستقل تماماً، وعن بعد، دون الحاجة إلى الطائرات المأهولة، ذلك أن الطائرة تحمل مستشعرات بحريّة ترصد الأصوات والحركة تحت سطح الماء، ضمن نصف قطر قدره 2000 كيلومتر بحري. علاوة على ذلك، فهي مزوّدة بوسائل لمكافحة الألغام المحمولة جوّاً، واستهداف الأجسام المرصودة من فوق الغلاف الجوي.

أي أثر للمسيّرات في معادلات النزاع الحدودي؟

تنقل "وول ستريت" عن مسؤولين أمنيين هنود أن جارتهم الصينية بدأت تتخذ، في السنوات الأخيرة، موقفاً "أكثر عدوانية" حيال النزاع الإقليمي مع الهند، وأخذت تحاول التعدي شيئاً فشيئاً على الأراضي التي تدعي الهند تبعيتها لها. ترصد الهند بشكل مستمر عبور عناصر الجيش الصيني إلى عمق الأراضي المتنازع عليها، وتأسيس معسكرات وطرق عسكرية هناك، بهدف احتلالها بشكل كامل، وقطع قدرة الهند على حراستها، حتى بات وصول القوات الهندية الحر إلى تلك المناطق شيئاً من الماضي.

تبعاً لذلك، وأمام محدودية العمل على الأرض، باتت الهند أمام "مهمة صعبة" متمثلة في مراقبة الحدود عن كثب، عبر الجوّ، "لتجنّب السقوط فجأة وعلى حين غرّة، في خضمّ التحركات الصينية التدريجية الخفية"، كما يقول مسؤول أمني هندي، مستطرداً بأن الطائرات بدون طيّار أصبحت، نتيجة لذلك، ضرورة ملحّة.

وخلال الفترة الماضية، كانت الهند تشغّل عشرات الطائرات بدون طيار، من الصناعة المحلية وأيضاً الإسرائيلية، وكثير منها مزوّد بأجهزة استشعار وكاميرات متطورة، كما تستخدم صور الأقمار الصناعية لتتبع الأنشطة الصينية في المناطق الحدودية.

يضم أسطول المسيّرات الهندية، في معظمه، طائرات إسرائيلية الصنع، وتحديداً 25 طائرة من طراز "سيرتشر مارك 2"، والتي يمكنها العمل لساعات طويلة على ارتفاعات تبلغ نحو خمسة كيلومترات، وأيضاً 90 طائرة من طراز "حيرون"، والتي تطير على ارتفاعات أعلى، تبلغ نحو 10.5 كيلومترات، وقابلة للتحليق على امتداد 52 ساعة.

بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الهند أيضاً طائرة مراقبة من طراز "بوينج بي-81"، كما أنها زادت من الطلعات الجوية لطائراتها المقاتلة على الحدود.

لكن مع إضافة مسيّرات "بريداتور" إلى طائرات (بي-81) الأميركية، وأيضاً مروحيات روميو، وكذلك المسيّرات الإسرائيلية، "ستتعزّز سلسلة القتل الخاصة (بالجيش الهندي) بشكل كبير ضد الأعداء"، كما تنقل الصحيفة عن مسؤول بحري هندي سابق.

ويقول الجنرال أم. أم. نارافاني، الذي تقاعد من الجيش الهندي قبل عام، للصحيفة، إن "هدفنا هو الوصول إلى مراقبة على مدار 24 ساعة للمناطق محلّ الاهتمام، باستخدام جميع الوسائل، وضمن جميع الظروف الجوية"، مردفاً أنه بعدما صارت صفقة الطائرات الأميركية مؤمّنة "صار بوسعنا توقّع تحرّكات جيش التحرير الشعبي (الصيني) وتمركز قواتنا بشكل مسبق لإحباط أي حدث قد يأتي بنتائج سلبية".

استدارة نحو المعسكر الغربي

تلك الأزمة الحدودية دفعت الهند إلى تحييد نهجها الحذر مع الولايات المتحدة، والذي كان مردّه، منذ عقود، إلى دعم واشنطن خصمها الرئيسي، باكستان؛ وبدأت تنخرط بشكل أكبر، بعد عقود تصدّرت فيها مبادرة "عدم الانحياز" في زمن الثنائية القطبية، في المعسكر الغربي، وتحديداً ضمن تعاون رباعي يجمعها باليابان وأستراليا والولايات المتحدة.

وقبل الزيارة، كان مودي قد وصف، في مقابلة مع "وول ستريت جورنال"، العلاقات بين نيودلهي وواشنطن بأنها قد "وصلت إلى مستوى غير مسبوق من الثقة"، معتبراً أن التعاون الدفاعي "ركيزة أساسية للشراكة".

في المقابل، حدد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، "التحدي الصيني" بوصفه واحداً من الدوافع الرئيسية لزيادة التقارب مع الهند، واستبق زيارة مودي بالقول إنها "ستمثّل لحظة تحوّل في العلاقة ما بين البلدين".

وثمّة شواهد مختلفة على تعميق هذا التعاون بين البلدين، لا سيما في الجهد الحربي. ففي العام الماضي، شاركت القوات الهندية والأميركية في مناورة عسكرية على ارتفاعات شاهقة، وعلى بعد نحو 90 كيلومتراً من البر الصيني الرئيسي، في ولاية أوتاراخاند الشمالية. علاوة على ذلك، فقد وطّدت الدولتان تعاونهما البحري، في المحيط الهندي تحديداً، حيث تعزز الصين وجودها من خلال نشر الغواصات واستثمارات الموانئ.

لكن رغم ذلك، تستدرك "وول ستريت جورنال" بالإشارة إلى أن تلك العلاقات لا ترتقي بعد إلى مستوى التحالف، وتسير ضمن قيود معيّنة. على سبيل المثال، يرى خبراء أمنيون أنه من غير المرجّح أن تنضم الهند إلى الولايات المتحدة في أي مواجهة محتملة مع الصين بشأن تايوان. علاوة على ذلك، لا تزال روسيا نقطة افتراق رئيسية، وهي التي تمثّل شريكاً أوثق لنيودلهي، وتعد أكبر مورّد سلاح لها، بما يشمل الطائرات العسكرية، والمروحيات، ونظام الدفاع الصاروخي الشهير "أس-400".

المساهمون