صفقة العبيدي و"الحشد": دعم سياسي مقابل إشراك المليشيات بالموصل

05 اغسطس 2016
تباطؤ العمليات بالموصل منح "داعش" فرصة الهجوم(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
يرتبط الملفان السياسي والأمني في العراق بشكل وثيق يكاد أن يجعل منهما ملفاً واحداً لا يُجزّأ، فعند كل أزمة أمنيّة واستعدادات لخوض معركة كبيرة، تولد أزمة سياسيّة يكون تأثيرها واضحاً على الساحة الميدانية، وآخر الأمثلة معركة الفلوجة وما رافقها من أزمة في البرلمان واقتحام للمنطقة الخضراء المحصّنة وإشغال الناس بأزمة سياسيّة خطيرة.
اليوم يتواصل الحديث عن معركة تحرير الموصل من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والاستعدادات التي تجرى لها والمعارك والتقدّم الذي أحرزته القوات العراقية أخيراً في مناطق وقرى جنوبي المحافظة، ما جعل من إطلاق المعركة قاب قوسين أو أدنى، حسب ما استشعره أهالي الموصل والشعب العراقي. لكن سرعان ما بدت تتباطأ تلك المعارك وتنحسر انحساراً شديداً، مقابل أزمة غير مسبوقة يشهدها البرلمان، تمثلت باتهامات وجّهها قائد المؤسسة العسكريّة، وزير الدفاع خالد العبيدي، ضدّ رئيس البرلمان سليم الجبوري وعدد من النواب.
ولا تبدو هذه الأزمة السياسية والتباطؤ الأمني، مجرّد مصادفة زمنية جمعت بينهما، وفق ما يرى مسؤولون ومراقبون، يعتبرون أنّ المساومات والصفقات بدأت تُعقد في الخفاء بين المسؤولين، خصوصاً أن الاتهامات بالفساد لم تصدر عن مسؤول عادي، بل عن وزير الدفاع الذي هو أرفع مسؤول عسكري لمؤسسة نظاميّة في البلاد.
وفي هذا السياق، يكشف مسؤول في وزارة الدفاع العراقية لـ"العربي الجديد"، أن "وزير الدفاع عقد خلال اليومين الأخيرين اجتماعات عدة مع قادة مليشيات الحشد الشعبي، ومنهم هادي العامري وقاسم الأعرجي فضلاً عن حاكم الزاملي"، موضحاً أنّ "الطرفين بحثا الأزمة السياسيّة وقضيّة تحرير الموصل".
ويشير المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن "العبيدي يسعى للحصول على جهة تسنده وسط هذه الأزمة السياسيّة التي قد تطيح بمستقبله السياسي، فلجأ إلى الحشد الشعبي"، مبيّناً أنّ "قادة الحشد لديهم مصالح مع العبيدي كونه قائد المؤسسة العسكريّة وهو من المكون السنّي ومن أهالي الموصل، ومع اقتراب معركة الموصل يتصاعد حجم المصلحة المشتركة".
ويلفت إلى أنّ "الطرفين يقتربان في وجهات النظر، وأنّ قادة الحشد وعدوا العبيدي بالدعم داخل البرلمان وفي القضاء، لما لديهم من إمكانيات وتأثير سياسي يستطيعون استغلاله في كافة مؤسسات الدولة، ومنها السلطة القضائية، ومقابل ذلك يحصل الحشد على دعم العبيدي بشكل رسمي من خلال خطاباته وتصريحاته، وطلبه الرسمي بمشاركة الحشد في معركة الموصل، وما يرافق ذلك من إجراءات ميدانيّة ورسم رؤيا مشتركة للتخطيط والتنفيذ العسكري".


وفي هذا الوقت، لم تسجّل القوات العراقيّة خلال الأيّام الأخيرة، أيّ تقدّم في معاركها التي تخوضها في جنوب الموصل، ما يؤشّر إلى تراجع في المعركة. ويقول ضابط في الجيش العراقي المتواجد في بلدة مخمور، جنوب الموصل، لـ"العربي الجديد"، إنّ القوات العراقية لم تشن خلال الأيام الأخيرة أيّ هجمات مهمّة في مناطق جنوب الموصل أو في الشرقاط، مشيراً إلى أنّ "التباطؤ بدا واضحاً بشكل كبير، وأنّ القوات العراقيّة شبه متوقفة عن أيّ تقدم".
ويضيف أنه "على ما يبدو، فإنّ هناك توجيهاً بعدم التحرك السريع في المعركة، مقابل الاكتفاء بالقصف البعيد"، مشيراً إلى أنّ "القوات العراقيّة بدأت تتحول إلى قوات دفاعيّة وليست هجوميّة"، لافتاً إلى أنّ "التأخير نفسه رُصد في قاطع الشرقاط المحاذي للموصل من جهة محافظة صلاح الدين"، مبيناً أنّ "القوات العراقيّة هناك تحاصر البلدة منذ عدّة أيّام لكنها لم تقتحمها".
ويقلل هذا التباطؤ والتأخير في حسم المعارك، من ثقة الأهالي بقدرة القوات العراقية على حسم المعركة، ويؤشّر إلى الحاجة للاستعانة بقوات أخرى قد تكون مليشيات "الحشد".
ويقول الخبير السياسي، عبد السلام محمد، إنّ "القاعدة الثابتة هي أن ضعف القوات العراقيّة يعني قوة الحشد الشعبي، والعكس صحيح". ويوضح محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحشد لا يحتاج من العبيدي سوى تأخير القوات العراقيّة ميدانياً، وعدم حسم المعارك، وعدم تسجيل هجمات مهمة، ما يعني اعترافاً بالحاجة للحشد الشعبي في أي معركة كانت"، مشيراً إلى أنّ "الحشد وإن أصبح ضمن المؤسسة العسكريّة، فهو لم يكتفِ بذلك، بل يطمح لأن يكون هو المؤسسة العسكريّة الرئيسة في العراق، الأقوى والأبرز، والتي تقود ولا تقاد". ويعتبر أنّ "وجود العبيدي بصف الحشد سيمنح المليشيات هذه الصورة التي تطمح لتحقيقها".
ومنح التباطؤ في سير العمليّات، فرصة لتنظيم "داعش" لشن هجمات على القطعات العراقيّة المتواجدة جنوب الموصل، ما يعني أنّ زمام المبادرة بدأ ينتقل من يد القوات العراقيّة إلى "داعش". واعترف قائد عمليات نينوى، اللواء نجم الجبوري، بتلك الهجمات، معلناً في تصريح صحافي، أنّ "التنظيم هاجم القوات الأمنية المتواجدة في المناطق والقرى المحرّرة ضمن ناحية القيّارة والحضر، جنوبي الموصل"، مؤكّداً أنّ "القوات العراقيّة اشتبكت مع عناصر داعش وقتلت العشرات منهم". وأشار إلى أنّ "داعش يحاول إعادة السيطرة على المناطق التي تم تحريرها، لكنّ قواتنا تتصدّى له بقوة".