صربيا ـ كوسوفو: الحرب في أفق البلقان

12 ديسمبر 2022
صرب كوسوفو يقطعون الطريق في بلدة رودين، شمالي ميتروفيتشا، أمس (أوغنين تيوفيلوفسكي/رويترز)
+ الخط -

يتصاعد التوتر بين صربيا وكوسوفو، في تأكيد أن الخلاف الذي نشب بينهما في الأشهر القليلة الماضية حول لوحات السيارات الآتية من صربيا والتي تريد كوسوفو استبدالها بلوحات من إصدار كوسوفو، لم يكن سوى تفصيل أمام وقائع سياسية ـ جغرافية ـ إثنية، حوّلت منطقة البلقان في القرون الماضية إلى قنبلة موقوتة مؤهلة للانفجار في أي لحظة. وعلى الرغم من إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا في 2008، لا تعترف بلغراد بهذه الخطوة وتشجع الأغلبية الصربية في شمال كوسوفو على تحدي سلطات بريشتينا.

توترات كوسوفو

وأفادت شرطة كوسوفو ووسائل إعلام محلية، أمس الأحد، بوقوع انفجارات واشتباكات بالأسلحة ونصب حواجز على الطرق خلال الليل في مناطق شمال البلاد، التي تقطنها أكثرية صربية.

وأسفرت هذه الاشتباكات عن وقوع إصابات. كما أفادت بعثة الاتحاد الأوروبي المعنية بسيادة القانون، المعروفة باسم "إيوليكس"، بأن "قنبلة صوتية ألقيت على دورية استطلاع تابعة للبعثة الليلة الماضية (ليل السبت ـ الأحد)"، ولم تتسبب في وقوع إصابات ولا أضرار مادية. وطالبت "إيوليكس"، التي تضم نحو 134 جندياً من بولندا وإيطاليا وليتوانيا وتنتشر في مناطق الشمال، بتقديم الجناة "المسؤولين عن هذه الأعمال الاستفزازية إلى العدالة".

وشدّد مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في تغريدة له على "تويتر"، أمس الأحد، على أن "الاتحاد الأوروبي لن يتسامح مع الهجمات على إيوليكس، أو استخدام أعمال عنيفة وإجرامية في الشمال".

ودعا "مجموعات صرب كوسوفو إلى إزالة المتاريس على الفور". وقال إنه "علينا استعادة الهدوء. وستواصل بعثة الاتحاد الأوروبي التنسيق مع سلطات كوسوفو. ويجب على جميع الجهات الفاعلة تجنب التصعيد".


انفجارات واشتباكات ونصب حواجز وهجوم على دورية أوروبية في شمال كوسوفو الذي تقطنه أغلبية صربية

 

وأعلنت سلطات كوسوفو، في وقت متأخر من مساء أول من أمس السبت، عن ثلاثة حوادث جرى فيها إطلاق أعيرة نارية في مواقع مختلفة على وحدات للشرطة كانت في مهمة رسمية، شمالي البلاد.

وذكرت الشرطة الكوسوفية في بيان، أن "جماعات إجرامية قطعت عدة طرق شمالي البلاد، أطلقت أعيرة نارية من مواقع مختلفة على وحدات للشرطة، كانت في مهمة رسمية بالقرب من سد بحيرة غازيفود، في طريقها إلى معبر برنياك مع صربيا".

وأضافت أن "وحدات الشرطة اضطرت دفاعاً عن نفسها، للرد بالأسلحة النارية على الجماعات الإجرامية التي ابتعدت وتراجعت إلى وجهة غير معروفة". والخميس الماضي، بدأت كوسوفو نشر مزيدٍ من وحدات الشرطة في شمال البلاد، بعد يومين من سماع دوي انفجارات ودوي صفارات إنذار في المنطقة.

وفي المقابل، انتقدت السلطات الصربية خطوة حكومة كوسوفو معتبرة أنها "محاولة لغزو مناطق شمالي البلاد". ومساء السبت، أعلنت رئيسة كوسوفو فيوزا عثماني، تأجيل الانتخابات المحلية في 4 بلديات في الشمال (معقل الأقلية الصربية) وسط مخاوف أمنية، بعد أن كانت مقررة في 18 ديسمبر/ كانون الأول الحالي و25 منه، على الرغم من معارضة الصرب.

وكشفت أن الانتخابات ستُجرى في إبريل/نيسان المقبل. وأوضحت أن الانتخابات تم تأجيلها بعد تقارير من الشرطة ووكالات الاستخبارات واتفاق جميع الممثلين السياسيين على أن "الحياة الأكثر قداسة هي حياة مواطنينا، والتي يجب تأمينها وحمايتها بأي ثمن".

وتأججت التوترات مع إعلان الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، أول من أمس السبت، أن بلغراد ستطلب رسمياً من بعثة حلف شمال الأطلسي لحفظ السلام في كوسوفو المعروفة باسم "كفور"، نشر عناصر من الشرطة والجيش الصربي في كوسوفو وفقاً لقرار الأمم المتحدة 1244، الصادر في 10 يونيو/حزيران 1999.

وقرأ فوتشيتش جزءاً من القرار، الذي ينص على أن لصربيا الحق في نشر نحو ألف عنصر من قواتها الأمنية في كوسوفو. وأضاف: "تماشياً مع القرار 1244، سنرسل طلباً إلى قيادة بعثة كفور لضمان نشر عناصر من الجيش والشرطة في أراضي كوسوفو وميتوهيا (الجزء الجنوبي من كوسوفو، الذي يحدّ بجزء بسيط منه صربيا، فضلاً عن مونتينيغرو ومقدونيا الشمالية وألبانيا، وتبلغ مساحته نحو 35 في المائة من مساحة كوسوفو البالغة 10908 كيلومترات مربعة)".

وكشف أنه "سيتم اتخاذ القرار غداً الاثنين أو بعد غد الثلاثاء". ولفت الرئيس الصربي إلى أنه متأكد أن الطلب سيُرفض، لكن لصربيا الحق في إرسال القوات وفقاً لقرار الأمم المتحدة. وأوضح أن قرار الأمم المتحدة "ينص بشكل لا لبس فيه على وجوب قبول هذا الطلب"، و"يؤكد أن الجيش والشرطة الصربيين سيعودان إلى الأراضي الكوسوفية من أجل أداء مهام معينة".

ومضى قائلاً: "إنهم (كفور) سيجدون أسباباً لا حصر لها لإبلاغنا أن (إرسال قوات) ليس أمراً ضرورياً وأنهم يسيطرون بشكل كامل على الوضع، على الرغم من أنه ليس لهم الحق في فعل ذلك". وتابع: "سنسعى إلى اتخاذ خطوات قانونية جديدة من شأنها توجيه صربيا في المستقبل. معركتنا الرسمية والقانونية لم تأت بعد".

ويتعين على "كفور" أن تعطي الضوء الأخضر للقوات الصربية لدخول شمال كوسوفو، وهو أمر غير مرجح إلى حد بعيد لأنه سيعني تسليم الأمن في المناطق الشمالية التي يقطنها صرب كوسوفو إلى القوات الصربية، وهي خطوة يتوقع أن تؤجج التوترات في البلقان.

والقرار الأممي 1244، هو إحدى القرارات التي صدرت من مجلس الأمن في تسعينيات القرن الماضي، بعد اندلاع الحرب الأهلية في يوغوسلافيا (1991 ـ 2001)، وتفككها رسمياً في أوقات متفرقة إلى 6 دول: صربيا (وريثة يوغوسلافيا)، سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، مونتينيغرو، مقدونيا الشمالية. أما كوسوفو، فظلّ إقليماً مرتبطاً بصربيا، وفق القرار 1244، ويضمّ أكثرية ألبانية تصل نسبتها إلى نحو 92 في المائة من السكان (نحو 1.6 مليون من أصل 1.9 مليون)، في مقابل 6 في المائة من الصرب (نحو 120 ألف من أصل 1.9 مليون) يتمركزون في شمال البلاد.

ويتطلع ألبان كوسوفو مستقبلاً إلى الاتحاد مع ألبانيا المجاورة، ضمن دولة "ألبانيا الكبرى". وهو ما تسبّب بنزاع إثني ـ ديني، بين الصرب والألبان. والمثير للقلق في بريشتينا، هو طلب فوتشيتش نشر العناصر الأمنية لصربيا في شمال كوسوفو وجنوبها، في تصعيد للخلافات التي تمحورت سابقاً حول شمال كوسوفو فقط.

وهو ما دفع رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، للقول إن بلاده سترد على أي عدوان عليها. وأضاف: "لا نريد الصراع، بل نريد السلام والتقدم، لكننا سنرد على أي عدوان بكل ما أوتينا من قوة". وأوضح كورتي للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن عدم إدانة مثل هذا العنف، الذي اتهم بلغراد بتدبيره، "من شأنه التسبب في زعزعة استقرار كوسوفو".

وجاء في البند الرابع من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1244: "أنه سيُسمح، بعد الانسحاب (أي انسحاب القوات اليوغوسلافية بموجب البند الثالث من كوسوفو)، لعدد من الأفراد العسكريين وأفراد الشرطة اليوغوسلافيين والصرب بالعودة إلى كوسوفو لأداء المهام المتماشية مع المرفق 2".

وجاء في البند السادس من المرفق رقم 2: "وبعد الانسحاب، سيُسمح لعدد متفق عليه من الأفراد اليوغوسلافيين والصرب بالعودة للقيام بالوظائف التالية: الاتصال بالبعثة المدنية الدولية والوجود الأمني الدولي، وضع علامات على حقول الألغام وتطهيرها، الاحتفاظ بوجودٍ في مواقع مثوى الأجداد الصرب، الاحتفاظ بوجودٍ عند المعابر الرئيسية على الحدود".

وحول "أدوار ومهام الأفراد اليوغوسلافيين/الصرب في كوسوفو"، عدّد البند العاشر من المرفق رقم 2، في فقرة "الأفراد العائدون"، مهامهم كالتالي: "المعدات المرتبطة بالأفراد العائدين (أي تحديدها)، والصلاحيات المتعلقة بمسؤوليات مهمتهم، وتطبيق جدول زمني لعودتهم، ورسم حدود المناطق الجغرافية لعملهم، ونصّ القواعد التي تنظم صلتهم بالوجود الأمني والبعثة المدنية الدولية".

وفي حاشية من المرفق 2 تم التأكيد على أن عودة هؤلاء ستكون بغرض "أداء المهام الأربع المحددة تحت إشراف الوجود الأمني الدولي، وستكون في حدود عدد صغير متفق عليه (بالمئات، وليس بالآلاف)".

غير أن تطورات عدة طرأت في السنوات الـ23 الماضية، بدءاً من سقوط تسمية "يوغوسلافيا" عن دولة "صربيا ومونتينيغرو"، ثم استقلال مونتينيغرو في عام 2006، مع ما يعنيه من تغيير جغرافي أيضاً. والأمر الثاني هو إعلان كوسوفو الاستقلال عن صربيا في عام 2008، واعتراف 101 دولة في العالم بها، على الرغم من الرفض الصربي.

وأجّج هذا الإعلان الخلاف بين الطرفين، وجرت محاولات عدة لإدارته، بدءاً من اتفاقات بروكسل في عام 2013، والتي نصّت على تطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو، من دون اعتراف الأولى باستقلال الثانية. غير أن فوتشيتش نفسه اعتبر في 24 مارس/آذار الماضي، أن "الاتفاقات لم تعد موجودة"، وذلك بعد تعليق سلطات بريشتينا القضائية، عمل رئيسة محكمة ميتروفيتشا (عاصمة شمال كوسوفو)، لييليانا ستيفانوفيتش، فضلاً عن "إبعاد جميع القادة الصرب من شرطة كوسوفو".


بلغراد تعتزم الطلب من حلف شمال الأطلسي نشر قوات صربية في كوسوفو تماشياً مع القرار 1244

 

كذلك تحدثت رئيسة وزراء صربيا آنا برنابيتش، في مارس الماضي أيضاً، عن "عدم احترام حقوق الإنسان الأساسية للصرب في كوسوفو". وتصاعد التوتر في يوليو/ تموز الماضي بين الطرفين، عقب دخول قانون أعلنته حكومة كوسوفو حيز التنفيذ، قبل أن تتراجع وتؤجل سريانه لشهر بغية تهدئة الوضع.

ويلزم القانون الجميع، بمن فيهم الصرب الذين يعيشون في كوسوفو، بالحصول على بطاقة هوية من إصدار البلد واستبدال لوحات السيارات الآتية من صربيا المجاورة بلوحات من إصدار كوسوفو. ودفع القانون بالصرب في كوسوفو للانسحاب من جميع المؤسسات المحلية والمركزية، لكن تم التوصل الشهر الماضي إلى اتفاق لإنهاء الخلاف بوساطة أوروبية.

اتفاق 24 نوفمبر

وذكر مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن "صربيا وكوسوفو توصلتا إلى اتفاق على إجراءات لتجنب مزيد من التصعيد". وعقب اجتماعه مع فوتشيتش وكورتي في بروكسل، أعلن بوريل على "تويتر": "لدينا اتفاق. يسرني للغاية أن أعلن أن كبار المفاوضين في صربيا وكوسوفو قد اتفقوا، تحت إشراف الاتحاد الأوروبي، على إجراءات لتجنب المزيد من التصعيد والتركيز بشكل كامل على الاقتراح المتعلق بتطبيع علاقاتهما".

وتم الاتفاق على أن تتوقف صربيا عن إصدار لوحات ترخيص للسيارات الخاصة بمدن كوسوفو، وأن تتوقف الأخيرة عن اتخاذ مزيد من الإجراءات المتعلقة بإعادة تسجيل المركبات. كما وافق كورتي على مقترح أميركي بتأجيل فرض غرامات على الصرب في كوسوفو الذين لم يسجلوا سياراتهم في بريشتينا.

وتسعى سلطات كوسوفو إلى إنجاز عملية استبدال اللوحات بحلول شهر إبريل/نيسان المقبل، وتشمل الخطة التدريجية على تحذيرات وغرامات وفي نهاية المطاف منع عبور السيارات المخالفة للقرار.

وقال الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، رئيس الوزراء السويدي الأسبق كارل بيلدت في تغريدة على "تويتر"، أمس، إن "الأزمة تختمر في شمال كوسوفو مرة أخرى". وأضاف بيلدت، الذي كان مبعوثاً أوروبياً في الحرب اليوغوسلافية، إن "الأمور ستزداد سخونة مع نية كوسوفو تقديم طلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الأيام القليلة المقبلة".

وسبق أن حشدت صربيا جيشها على الحدود مع كوسوفو مرات عدة في العامين الماضيين، مهددة بالتدخل في كوسوفو، بوصفه "إقليماً تابعاً لسلطتها" لكنّ الاتحاد الأوروبي نجح مراراً في خفض التوتر.

(العربي الجديد، الأناضول، أسوشييتد برس)