يقف حزب "الاستقلال"، المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، عند مفترق طرق مفصلي، جراء أزمة تنظيمية حادة بين تيار الأمين العام للحزب نزار بركة، وتيار الرجل القوي في الحزب حمدي ولد الرشيد، وسط مخاوف من تصدع داخلي، قد تمتد ارتداداته إلى الأغلبية الحكومية.
ومنذ 26 مايو/ أيار الماضي، تاريخ عقد اللجنة التنفيذية للحزب ما سمتها "خلوة تنظيمية" في منطقة الهرهورة بضواحي الرباط، يعيش "الاستقلال"، ثالث قوة سياسية في البلاد، على صفيح ساخن، جراء تباين مواقف هيئاته التنظيمية، بين مؤيد ورافض لمخرجات الخلوة، القاضية بعرض تعديلات على القانون الأساسي للحزب على المؤتمر الاستثنائي المقبل.
فجّرت "خلوة" اللجنة التنفيذية الهدوء الذي كان يخيم على الحزب
ومن أبرز التعديلات تقليص عدد أعضاء المجلس الوطني (برلمان الحزب) إلى 500 عضو بدل 1200، مع سحب العضوية بالصفة في المجلس من أعضاء مجلسي النواب والمستشارين والمفتشين. ويأتي تنظيم "الاستقلال"، أقدم وأشهر الأحزاب المغربية، لمؤتمر استثنائي (لم يتم إلى حد الساعة الإعلان عن تاريخ ومكان انعقاده)، في سياق إرجاء موعد المؤتمر العادي، الذي تأخر بفعل الأزمة الصحية المرتبطة بتفشي فيروس كورونا في المغرب، وذلك حتى لا يفقد الحزب الدعم الذي تمنحه الدولة للأحزاب السياسية، وكذلك تعديل النظام الأساسي.
خلوة اللجنة التنفيذية تفجر الهدوء داخل الحزب
وبينما وجد الاستقلاليون أنفسهم، وبشكل مفاجئ، في موقف لا يُحسدون عليه، بعد أن فجّرت "خلوة" اللجنة التنفيذية الهدوء الذي كان يخيم على الحزب، منذ سبتمبر/أيلول 2016، تاريخ إنهاء سيطرة الأمين العام السابق حميد شباط على الحزب، بفضل تحالف ولد الرشيد مع بركة، ألقت التعديلات المقترحة بظلالها على البيت الداخلي.
ووصل ذلك إلى حد إصدار 53 برلمانياً من أصل 91، هم عدد أعضاء كتلة الحزب في البرلمان المغربي، بياناً نارياً، بداية الأسبوع الحالي، أعلنوا فيه رفضهم الشديد "المس بالوضعية التنظيمية والاعتبارية للبرلمانيين، ومفتشي الحزب، وأعضاء اللجنة المركزية والتنظيمات والروابط المهنية، الذين يمثلون واجهات نضالية حقيقية وقوية للحزب".
واعتبر برلمانيو الحزب أن مجمل اقتراحات التعديلات، التي خلصت إليها خلوة اللجنة التنفيذية للحزب، "تُظهر أن الأمر غير مؤطر برؤية ديمقراطية واضحة، بل مجرد حسابات تنظيمية مسكونة بهاجس الضبط". وأكدوا ضرورة دعم مؤسسة الأمين العام حتى تبقى "مؤسسة محورية في البنية التنظيمية والهيكلية للحزب، فهو المؤتمن على وحدة الحزب والضامن لاحترام قوانين مؤسساته وحقوق مناضليه".
وبينما قرر الموقّعون على البيان توقيف أي استحقاق تنظيمي يهم الحزب إلى ما بعد الانتخابات الجزئية، المقرر إجراؤها في الحسيمة في 21 يوليو/ تموز المقبل، يبدو التوتر التنظيمي سيد الموقف، وأن خلوة الجهاز التنفيذي ستشكل لحظة فارقة في مسار شيخ الأحزاب المغربية.
معركة "كسر عظام" بين ولد الرشيد وبركة
فقد أظهرت المجريات أن الحزب يعيش على وقع معركة "كسر العظام" بين ولد الرشيد، الرجل الماسك بزمام الأمور التنظيمية للحزب، وخصومه بقيادة الأمين العام الحالي نزار بركة، الذي بات يواجه، بحسب مقربين منه، "مخططاً محبوكاً" قد ينتهي به إلى نفس المصير الذي آل إليه سلفه حميد شباط.
وفي وقت يسود فيه الترقب بشأن تحديد اللجنة التنفيذية لموعد عقد المؤتمر الاستثنائي، يرى متابعون أن الثابت وسط مرحلة الأزمة والتقاطب السياسي، هو أن التوتر التنظيمي الذي أحدثته التعديلات المقترحة على النظام الأساسي لن يتوقف، وأن تجنيب الحزب انعكاسات أزمة كبيرة، لن يكون بلا ثمن.
مواجهة تستخدم فيها كل الأسلحة
ووفق مصادر في "الاستقلال" تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن التعديلات المقترحة من قبل اللجنة التنفيذية "تقابل بموجة رفض واسعة، يرجح أن تتحول في الأيام المقبلة إلى مواجهة شاملة تستعمل فيها كل الأسلحة".
تيار ولد الرشيد يسارع لبسط نفوذه على كامل المؤسسات، بما فيها منصب الأمين العام
ولفتت إلى أن "الكثير من الاستقلاليين باتوا مقتنعين اليوم بأن المؤتمر المقبل سيكون مفترق طرق بالنسبة لحزبهم. فإما أن يستعيد هويته، وإما أنه سينتهي، كما انتهت الأحزاب التاريخية داخل المغرب وخارجه".
وقالت المصادر إن الحزب يعيش على صفيح ساخن منذ خروج نتائج الخلوة التي عقدتها اللجنة التنفيذية إلى العلن، جراء ما حملته من تغييرات جوهرية للنظام الأساسي، ولم تكن تعديلات بسيطة قد يعرفها أي حزب سياسي في لحظة المؤتمر الوطني، بل الأمر يتعدى ذلك إلى "كونها توضح إرادة السيطرة المطلقة على حزب الاستقلال من طرف ولد الرشيد، وتهيئة الأجواء لتنصيب صهره، رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، أميناً عاماً بدلاً من نزار بركة".
وأوضحت المصادر أن طرح تلك التعديلات "خطوة استباقية بتحريض من محيط ولد الرشيد، ممن يعرفون أن مصيرهم سيكون التهميش، بعد نهاية الرجل الذي تقدم في السن".
ولفتت إلى أن تيار ولد الرشيد يسارع اليوم لبسط نفوذه على كامل المؤسسات، بما فيها منصب الأمين العام. وأشارت إلى أنه "لفهم الأمر، لا بد من إعادة تركيب المشهد الداخلي للحزب، ما بعد المؤتمر السابق في العام 2016، حيث جعل ولد الرشيد ثمن دعمه للأمين العام الحالي هو هيمنته على اللجنة التنفيذية بأسماء ليس لها أي تأثير داخل الحزب، لكنها تمثل أدوات طيعة يمكن أن يفعل بها ما يشاء. والهدف من ذلك هو عزل الأمين العام، وإفراغ دوره ومسؤولياته باعتباره الشخصية الأولى في الحزب".
اللجنة التنفيذية صادقت بالإجماع على التعديلات
غير أن مصدراً مقرباً من ولد الرشيد قال لـ"العربي الجديد"، إن التعديلات على النظام الأساسي صادقت عليها اللجنة التنفيذية بالإجماع بهدف عقلنة عمل الحزب، ولا يتعلق الأمر بهيمنة تيار ولد الرشيد. وأشار إلى أن لجنة ضمت في عضويتها تمثيلية عن مسؤولين حزبيين من الجهات الـ12 للمملكة، انتهت إلى اقتراح 27 تعديلاً يهم النظام الأساسي للحزب.
وبيّن المصدر أنه عندما تم طرح مشروع التعديلات خلال اجتماع اللجنة التنفيذية في خلوتها لم يعارضها أحد من أعضائها، بمن فيهم الأمين العام. وأضاف: "اليوم هناك من يتفق مع هذه المقترحات، وهناك من يرفضها، وعندما سيتحدد موعد المؤتمر الاستثنائي سنتناقش، والقرار في نهاية المطاف بيد المؤتمر الذي يعتبر سيد نفسه".
عبد الحفيظ اليونسي: هناك محاولة لتقليص حضور وسطوة ولد الرشيد على الحزب
وبقدر ما كان الجدل الذي أثير حول التعديلات المرتقبة دليلاً على الانقسام الحاصل داخل البيت الداخلي، إلا أن ما طفا على السطح، يُعتبر بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأول بمدينة سطات، عبد الحفيظ اليونسي "عنواناً لأزمة عميقة يعيشها الحزب، بدأت مع القطع مع مرحلة الأمين العام السابق حميد شباط، وزادت استفحالاً مع تدبير استوزار بعض الأسماء غير الاستقلالية في حكومة عزيز أخنوش، المنبثقة من انتخابات الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي".
محاولة لتقليص سطوة ولد الرشيد على الحزب
ورأى اليونسي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك محاولة لتقليص حضور وسطوة ولد الرشيد على الحزب من جهة، وضبط المجلس الوطني، للتحكم في مخرجات المراحل المقبلة، خصوصاً التعديل الحكومي المرتقب وكذلك الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
من جهته، اعتبر الباحث في العلوم السياسية هشام عميري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الصراع الدائر يهدف للحد من سيطرة صلاحيات الأمين العام الحالي، خصوصاً بعد الانتقادات التي وجهت له عند التحاقه بالأغلبية الحكومية، كما أنه "صراع تنظيمي يهدف إلى إعادة تنظيم الحزب، وليس صراعاً شخصياً هدفه الإطاحة ببركة كما سبق أن وقع مع الأمين العام السابق". وخلص إلى أن "المرحلة التي يمر بها الحزب جد حساسة، وهو دفع ثمنها منذ انسحابه من حكومة عبد الإله بنكيران".