لليوم الثالث على التوالي، يبقى السودان غارقاً في الصراع العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع ارتفاع أعداد الضحايا، لا سيما من المدنيين الذين سقط منهم نحو 100 قتيل وفق أرقام سُجلت حتى صباح اليوم الاثنين، إضافة إلى مئات الجرحى، وذلك فيما تتفاقم الأوضاع الإنسانية، وتحديداً في العاصمة الخرطوم، التي تشهد معارك عنيفة تمنع حتى السكان من الخروج من منازلهم في بعض الأحياء.
وفي حين لا تؤشر المعطيات إلى وقف قريب للعمليات العسكرية، فإن الحراك السياسي الإقليمي والدولي يتصاعد، في محاولة للتدخل عبر وساطة تنهي النزاع القائم.
ويبرز خصوصاً المسعى الأفريقي المتمثل بقرار الاتحاد الأفريقي إرسال رئيس مفوضيته موسى فقي محمد إلى السودان، "للتحدث مع الطرفين بشأن وقف إطلاق النار"، إضافة إلى قرار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) إرسال رؤساء كينيا ويليام روتو، وجنوب السودان سيلفا كير، وجيبوتي إسماعيل عمر جيلي، إلى السودان "في أقرب وقت ممكن، للتوفيق بين الجماعات المتصارعة". كما كانت مصر وجنوب السودان قد عرضتا الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لحل الأزمة.
أمام هذا الواقع، تُطرح تساؤلات عن المخرج الممكن للصراع القائم، وهل سيكون عبر الحسم العسكري أم سيتطلب تسوية سياسية، وقدرة الأطراف السودانية على قيادة تسوية كهذه أو لا بد من ضغوط دولية على طرفي النزاع، إضافة إلى مصير التسوية السياسية المؤجلة منذ بداية الشهر الحالي وهل سقطت بشكل نهائي.
وإزاء هذه التساؤلات، تبرز انقسامات في الداخل السوداني وتباينات حول المسؤول عن إطلاق هذه المعركة، إضافة إلى وجهات نظر مختلفة حول القدرة على الخروج من المأزق بمبادرة داخلية سودانية، أو ضرورة التدخّل الخارجي للضغط على طرفي القتال لوقف إطلاق النار والدخول في مسار سياسي.
صراع سياسي بين البرهان وحميدتي
وعن ذلك، يقول القيادي في "قوى الحرية والتغيير" معز حضرة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الصراع القائم هو سياسي بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي).
ويشير إلى أن هذا الخلاف بدأ منذ سقوط الرئيس السابق عمر البشير، ثم تعاون الرجلين في قتل المتظاهرين وضد القوى المدنية، ثم في انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، مضيفاً أنهما وصلا إلى نتيجة أن "السلطة لا يمكن أن تتسع إلا لكرسي واحد، وبالتالي، فكل واحد منهما يريد التفرد بالسلطة، وخصوصاً البرهان الذي تعاون مع فلول النظام السابق وكان هدفه من 25 أكتوبر عودة هذه الفلول لتكون حاضنة سياسية له".
حضرة: الصراع بين البرهان وحميدتي سياسي وكل واحد منهما يريد التفرد بالسلطة
ويشدد حضرة على أن الأزمة الراهنة لن تُحل عسكرياً ولا بد من حل سياسي، معتبراً في المقابل أن "البرهان يرفض الحلول السلمية وهو يقوم باستخدام الطيران الحربي داخل المدن، وهذا مخالف للقوانين الدولية"، مؤكداً ضرورة تدخّل المجتمع الدولي لإلزام البرهان بالحل السلمي.
وعن المسؤول عن إشعال النزاع، يقول القيادي في "الحرية والتغيير" إن "هناك فلولاً للنظام السابق دفعت لإشعال الأزمة، وقامت بمهاجمة بعض معسكرات الدعم السريع قبل لقاء كان يُفترض أن يجمع البرهان وحميدتي صباح السبت الماضي". غير أنه يحمّل البرهان مسؤولية ما سينتج عن الصراع "طالما هو على رأس الدولة"، مشيراً إلى أن "الجيش هو من استخدم الأسلحة الثقيلة داخل المدن، وهو من يتحمّل مسؤولية الانتهاكات لحقوق المدنيين، ثم نأتي بعد ذلك على مسؤولية حميدتي".
ومع تصاعد الحراك الإقليمي والدولي لتدخّل السياسي، يعرب حضرة عن أمله أن تكون الحلول سودانية، لكنه يرى أن "البرهان لا يريد الحل السوداني الذي كان موجوداً عبر التوقيع على الاتفاق السياسي"، آملاً أن يجبر المجتمع الدولي البرهان وحميدتي على الحل السياسي الذي يتمثل أولاً بوقف إطلاق النار. ويحذر من أن استمرار المعارك والتوجه للحسم العسكري سيدفع ثمنه الشعب، فالقتلى من المدنيين أكثر من العسكريين.
وعن مصير الاتفاق الإطاري، يشدد حضرة على أنه "مهما حصل من قتل، فلن يكون من حل في البلاد سوى هذا الاتفاق"، مشدداً على أن "خيار الشعب هو الاتفاق السياسي، وعندما ثار السودانيون وطالبوا بعودة العسكر للثكنات، رفض البرهان ذلك، لكن يجب أن يعلم أن الشعب لن يرضى سوى بدولة مدنية".
رهان على الحسم العسكري؟
في المقابل، يرى القائد الأسبق لسلاح البحرية السوداني الفريق فتح الرحمن محي الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الوضع متجه نحو الحسم لصالح الجيش الذي يفرض سيطرته في الخرطوم ومعظم الولايات. وبالنسبة للدعم السريع، فيقول إنه "ستُسوّى أوضاع العناصر الذين يستسلمون وسيُضمون إلى القوات المسلحة، أما قيادات التمرد فلا تفاوض معهم، ولا مجال إلا للحسم العسكري".
وعن البادئ بهذه المعركة والمسؤول عن إطلاقها، يقول محي الدين إن قوات الدعم السريع كانت تتحضر للتحرك العسكري منذ أشهر، لكنها مضت في خطتها عندما وجدت من يدعمها من بعض قوى "الحرية والتغيير"، لأن هذه الأطراف تريد أن تكون الدعم السريع جيشاً موازياً للقوات المسلحة.
محي الدين: الوضع متجه نحو الحسم لصالح الجيش الذي يفرض سيطرته في الخرطوم ومعظم الولايات
ويتهم حميدتي بأنه أطلق الرصاصة الأولى للمعركة، قائلاً إن حميدتي كان يتصرف بخلاف تعليمات القيادة العامة، ويتمادى إلى أن وصل إلى ساعة الصفر، وتوقع أنه لو جلس مع البرهان في اللقاء الذي كان مقرراً السبت فإن خطته ستفشل.
وعن الاتهامات للنظام السابق بالوقوف وراء إشعال النزاع، يقول محي الدين إنه "لا توجد فلول للنظام السابق في هذا المشهد، وكل ما حدث أن بعض الأطراف أرادت تفكيك القوات المسلحة"، متهماً جزءاً من "الحرية والتغيير" وقوى أخرى بأنها تضمر الشر للقوات المسلحة. ويشدد على أن "القوات المسلحة ماضية في العملية العسكرية، والوقت مبكر حالياً للحديث السياسي، ويجب حسم التمرد أولاً".
إمكانية الحل السوداني
ومنذ بداية القتال يوم السبت الماضي، يتبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات ببدء كل منهما الهجوم على مقار تابعة للآخر، وفي ظل إعلانات متضاربة عن تقدّم ميداني. وبرز اليوم إعلان الجيش في بيان أنه يقترب "كثيراً من لحظة الحسم"، في حين طالب حميدتي المجتمع الدولي بالتدخل ضد "جرائم البرهان"، متعهداً بمواصلة ملاحقة البرهان وتقديمه للعدالة.
لكن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني كمال كرار يرى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الصراع العسكري الحالي هو صراع على النفوذ بين الرجلين، ولا يوجد منتصر فيه، بل إن الشعب السوداني هو الخاسر الأكبر.
ويشدد كرار على ضرورة توقف القتال لأن الخلافات السياسية لا يمكن حلها عبر القوة، معتبراً أن الحل يجب أن يكون سودانياً- سودانياً وأن يعود العسكر إلى الثكنات وأن تُحل المليشيات. وعن إمكان دخول وساطات خارجية على الخط لوقف النزاع، يقول كرار إن "التدخلات الأجنبية هي التي أوصلت البلاد إلى الوضع الحالي ولم تكن لصالح السودانيين، والشعب قادر على إدارة شؤونه بنفسه".
ويعتبر أن "التسوية السياسية منتهية أساساً وباتت خلفنا، وكانت مجرد محاولة للمساومة بين العسكر والقوى المدنية التي لها أجندة مع قوى خارجية".
كرار: الحل يجب أن يكون سودانياً- سودانياً وأن يعود العسكر للثكنات ويتم حل المليشيات
في السياق، يقول المحلل العسكري السوداني أمين مجذوب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الخلاف بين الفريقين سياسي ولا بد من وساطة لتسوية سياسية"، معتبراً أن "الحل العسكري لن يجدي، كما أن الخسائر من المدنيين جراء الاشتباكات والوضع الاقتصادي السيئ تضغط لوقف المعارك، إضافة إلى التدخل الخارجي".
لكنه يعتبر أن "الوساطة السودانية لا تصلح لحل الصراع القائم، لذلك لا بد من تدخّل طرف خارجي يقدم ضمانات ويمارس ضغوطاً على الطرفين"، مشيراً إلى أن التسوية السياسية السابقة كانت برعاية من الآلية الرباعية (السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة)، لذلك هي أفضل من يمكن أن يمارس ضغوطاً على البرهان وحميدتي للجلوس على طاولة التفاوض".
مجذوب: الوساطة السودانية لا تصلح لحل الصراع، ولا بد من تدخّل طرف خارجي يقدم ضمانات ويمارس ضغوطاً على الطرفين
وفي ظل التساؤلات القائمة عن المسؤول عن إطلاق الصراع، يشير مجذوب إلى أن "الشكوك كانت سائدة بين البرهان وحميدتي من فترة سابقة، كما أن بعض الأطراف كانت تؤجج الصراع"، معتبراً أن "لا أحد يستطيع أن يحدد من أطلق الشرارة الأولى للقتال، لأنه بدأ في أربع مناطق مختلفة"، معتبراً أن "الجيش يراهن على ضبط الموقف ومحاسبة من تسبب بهذه الأزمة".
وعن مصير التسوية السياسية، يقول إن "الاتفاق الإطاري كان جاهزاً للتوقيع عليه، وعندما تُحل معضلة دمج الدعم السريع في الجيش يمكن توقيعه".