تستمرّ حملة الاعتقالات الدّاخليّة في صفوف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) والتي بدأت في صفوفها تحت تهمة "التجسس والعمالة لصالح النظام السوري وروسيا"، في حملة موسعة في شهر يوليو/ تموز.
آخر عمليات الاعتقال جرت يوم السبت، بعدما أكّد مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" أنّه جرى اعتقال قيادي مقرّب من المسؤول الاقتصادي في الهيئة المدعو المغيرة بنش وهو شقيق القيادي في الهيئة المدعو أبو حفص بنّش، ويأتي هذا الاعتقال بعد ثلاثة أيام على اعتقال القيادي المدعو أبو مسلم آفس.
ماذا وراء الصراع في "هيئة تحرير الشام"؟
وللصراع في "هيئة تحرير الشام" دوافع عدّة، منها اقتصادية ومنها سياسية، إضافة للصراع على السلطة ضمن الهيئة، ومصلحة متزعم الهيئة أبو محمد الجولاني تقتضي إضعاف المنافسين من شركائه في تأسيسها.
وبخصوص هذا الصراع، يوضح الباحث السياسي محمد المصطفى لـ"العربي الجديد" أنّ "الصراع هو صراع على السلطة بين القيادات والمؤسسين في الهيئة، وجاء هذا الصراع بعد الرخاء والاستقرار الأمني والسياسي للهيئة في المنطقة شمال غربي سورية، وتوجه القيادات لتحصيل مكاسب مالية واقتصادية وربما سياسية من خلال بناء علاقات مع قوى إقليمية أو دولية".
وأضاف المصطفى "كل طرف دخل في مخاوف من تمكن أو تغول الطرف الآخر عليه، وبالتالي كان ذلك من أسباب الانشقاق ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، وكل طرف يحمي نفسه تحت غطاء العمالة، كما في قضية اعتقال القيادي المدعو أبو ماريا القحطاني ومجموعته، وقضية الفساد كما وجه القيادي المدعو أبو أحمد زكور للجولاني وجماعته".
وتابع "بالتالي، هي صراعات على السلطة، وخشية كل طرف من تمكن الطرف الآخر أو تعزيز مواقعه إن كانت الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية، وبالتالي عدم تمكن الطرف الآخر من ضبطه، من قبل الجولاني مثلاً لباقي المجموعات والتحكم بهم، خشية فقدان السيطرة، وبالتالي يستقوي بمجموعات أخرى على شركائه في إنشاء الجبهة، وهذا شكل الصراع".
وأردف المصطفى "يمكن القول إن الصراع هو صراع بين مجموعة شركاء وأطراف، لشعور كل طرف بأن الطرف الآخر يقوم بتعزيز مواقعه المالية والسياسية والأمنية من خلال التواصل مع الدول وتقديم خدمات استخباراتية لها، وكل طرف لديه قناعة بأن الطرف الآخر يمكر به لإسقاطه".
وقال كذلك إن "طبيعة الجولاني تقوم على الأحادية، لا يقبل بمفهوم الشراكة الحقيقة والنزاع في السلطة وعنده خشية من المنازعة على السلطة وبالتالي تقوية موقفه مع مجموعات أخرى خاصة جماعة مقربة منه لم تكن من المؤسسين وتجريد المنافسين المحتملين من إمكاناتهم العسكرية والاقتصادية والأمنية وهذا الشكل العام لما يجري".
وتعرضت "جبهة النصرة" لضغوط شعبية كبيرة لتغيير اسمها ومسارها وخطابها السياسي، وهو ما تحقق في يوليو/ تموز 2016، مع إعلان زعيمها أبو محمد الجولاني فكّ ارتباطها بتنظيم "القاعدة" وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام". ولاحقاً أعلنت "جبهة فتح الشام" عن حل نفسها في يناير/ كانون الثاني 2017 وحل حركات عدة ودمجها تحت اسم "هيئة تحرير الشام".
وخلال السنوات الثلاث الماضية بعد توقف العمليات العسكرية، عقب الهجوم الأخير للنظام السوري بدعم كل من روسيا وإيران على منطقة خفض التصعيد والتوصل لإطلاق النار في مارس/ آذار 2020، أقصت "هيئة تحرير الشام" الكثير من المنافسين العسكريين لها في المنطقة، وسيطرت على الموارد الاقتصادية فيها، وتوجهت لاستخدام القبضة الأمنية في إقصاء أي أصوات معارضة لها.