- الخبراء والمؤسسات الدولية تحذر من الأثر السلبي للقنابل غير المنفجرة على السكان والاقتصاد، مؤكدين أن تنظيف غزة من هذه القنابل سيستغرق عقودًا وسيعقد جهود إعادة البناء والتعافي.
- يُطالب بتدخل دولي عاجل لمساعدة في تنظيف غزة من القنابل غير المنفجرة، التي تشكل تهديدًا مستمرًا للسكان وتعيق التعافي وإعادة الإعمار، مع تحذيرات من تأثيرات طويلة المدى على الحياة اليومية والاقتصاد.
ركزت صحيفة إنفورماسيون الدنماركية في عددها الصادر، اليوم الجمعة، على ما اعتبرته "التحدي الهائل في اليوم التالي لحرب غزة". وقدمت الصحيفة تقريراً شاملاً حول تقديرات عدد آلاف القنابل والصواريخ التي لم تنفجر في القطاع، حيث أظهرت هذه التقديرات أن عدد هذه القنابل "يفوق بكثير الـ6 آلاف و300، التي قدرتها منظمة إتش آي (HI) غير الحكومية في الأشهر الثلاثة الأولى للحرب".
وأشارت الصحيفة إلى أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى فقط، تم إلقاء نحو 45 ألف قنبلة على غزة، مما يعادل حوالي 500 قنبلة يومياً أو 21 قنبلة في الساعة. وهذا الهجوم الهائل أسفر عن تدمير أو تضرر بين 50 إلى 62 في المائة من جميع المباني في قطاع غزة، وفقاً لدراسة أجرتها جامعة نيويورك بالتعاون مع جامعة أوريغون. وأكدت الصحيفة أن حوالي 45 في المائة من المباني السكنية دمرت بشكل لا يمكن إصلاحه، وهو ما أدى إلى تشريد نصف سكان قطاع غزة وجعلهم بلا مأوى. وحذرت صحيفة إنفورماسيون من عواقب وخيمة ستطاول آلاف القنابل غير المنفجرة في قطاع غزة. وقدرت الصحيفة أنها ستكون لها تأثيرات طويلة المدى على السكان المدنيين وعلى جهود تعافيهم بعد انتهاء الحرب.
واستندت الصحيفة في تقديراتها إلى خبير نزع القنابل التي لا تنفجر وتأثيراتها الإنسانية، يبي روبرت لوستسن، الذي أكد أن "هذه القنابل ستُعاني منها البشرية لسنوات طويلة". وأضاف أن "تنظيف قطاع غزة من هذه القنابل سيكون مهمة صعبة وستحتاج إلى عقود من الزمن، وليس أشهراً". وأشار إلى أن "القصف الهائل وكميات القنابل التي لم تنفجر ستؤثر بشكل كبير في جهود إعادة إعمار غزة".
من جانبه، أوضح مدير مؤسسة العون الكنسي الدنماركية في فلسطين، مادس فريلاندر، أن "القنابل غير المنفجرة ستشكل تحديًا ضخمًا على الجانب الآخر من الحرب"، مشيراً إلى أنها ستعقّد جهود إعادة البناء والتعافي في القطاع. وأكدت صحيفة إنفورماسيون بشدة أن مشكلة الآلاف من الصواريخ والقنابل غير المنفجرة "ستشكل تحدياً كبيراً للاقتصاد ومستقبل الفلسطينيين في غزة". وقد أشار مادس فريلاندر، مدير مؤسسة العون الكنسي الدنماركية في فلسطين، إلى أن "هذه المشكلة ستكون عائقًا لكل جهود التعافي، بما في ذلك جهود المساعدات الإنسانية وأعمال إعادة الإعمار". وأضاف أن "عملية إزالة القنابل ستكون واسعة النطاق وستستغرق سنوات، وربما عقوداً".
واستندت الصحيفة في تقديراتها إلى منظمة "إتش آي"، التي أفادت بأن حوالي 14 في المائة من القنابل التي ألقاها الاحتلال على القطاع لم تنفجر، مما يعني أن عدد القنابل الفعلي يتجاوز بكثير التقديرات السابقة التي بلغت نحو 6 آلاف و300 قنبلة/صاروخ في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب. وأوضح خبير نزع القنابل التي لم تنفجر، لوستسن، أن "حوالي 20 في المائة من جميع المتفجرات لا تنفجر على النحو المنشود".
وقدم خبير نزع القنابل التي لم تنفجر، لوستسن، عدة أمثلة في هذا المجال، حيث أشار إلى أن "قنابل الطائرات التي تزن عادة 250 كيلوغراماً وتتكون من قذيفة من الحديد الزهر (المقاوم للتآكل) توضع فيها المتفجرات، لتفجيرها حسب نظام التوقيت أو بالارتطام، ومع ذلك يمكن أن يؤدي الاصطدام الخاطئ إلى عدم انفجارها". وأشار إلى سهولة انفجارها "إذا جرى مثلاً القفز قربها أو الطرق عليها، بل حتى إذا نظرت نظرة خاطئة إلى تموضعها".
وبين أن "هناك أسباباً كثيرة تتعلق بالأمان، مما يجعل عملية التنظيف بعد إلقاء آلاف القنابل مهمة معقدة في غزة، وحتى جنونية". وأوضح أن "قطاع غزة يتكون من مجمعات سكنية على مساحة صغيرة مكتظة بالسكان تبلغ مساحتها 360 كيلومتراً مربعًا، مما يجعل التخلص من القنابل غير المنفجرة أمراً معقداً". وقارن هنا بين صعوبة نقل سكان مناطق أوكرانية لم تنفجر فيها قنابل كبيرة والتي ليست متاحة في غزة، والتي تعاني من دمار كبير.
وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن وجود عمارات من عدة طبقات في قطاع غزة، وبفعل الركام الكبير، يمكن أن يخفي العديد من القنابل التي لم تنفجر، مما يتطلب عملاً محفوفاً بالمخاطر. وفي استكمال لتقريرها الموسع عن غزة اليوم، أشارت إنفورماسيون إلى أن "وجود آلاف القنابل غير المنفجرة سيُجبر الناس على العيش وكأن الحرب مستمرة، حتى بعد خروجهم من مرحلة الصدمات الأولية".
وقدرت الصحيفة بأن ذلك ستكون له عواقب وخيمة على عديد القطاعات الحيوية لإعادة الحياة إلى قطاع غزة. بعد أن تعرض القطاع لتجريف للأراضي الزراعية وضرب للبنى التحتية، ستُزيد مسألة القنابل التي لم تنفجر من معاناة استخدام الناس للأراضي المتبقية. كما ستكون مهمة صعبة أيضًا الحفاظ على سلامة الأطفال واليافعين وعدم تعرضهم لهذه القنابل التي خلفها الاحتلال.
وأشارت الصحيفة إلى الوضع المزري على مستوى الحياة في غزة، مع حصار وتضييق من الاحتلال على مستوى المعدات المطلوبة وكل نواحي إعادة الحياة. كما أوضحت أن السكان عادة ما يتعلمون التعايش مع تهديدات الألغام والقنابل والصواريخ التي لم تنفجر، لكن يحدث شيء ما للذاكرة الجماعية للناس بعد فترة وجيزة، ما يجعل الخطر قائمًا ما لم يتم تنظيف القطاع من هذه الأخطار.
بناءً على آراء خبراء في مجال القنابل غير المنفجرة، استخلصت صحيفة إنفورماسيون أن هذه القنابل ستزيد معاناة الفلسطينيين في غزة. بجانب التأثير السلبي على الاقتصاد وقطاع إعادة الإعمار، يرى هؤلاء الخبراء أن مشكلة نقل المساعدات والمواد الضرورية والسلع ستواجه عقبات ناتجة من دمار البنية التحتية وتكدس القنابل والصواريخ التي لم تنفجر. كما تعتبر الصحيفة أن صدمة الحرب على المستوى النفسي ستتفاقم مع تأثير تدمير البنية التحتية على عودة الحياة إلى وضع مقبول.
وفي هذا السياق، أكد الخبير لوستسن أنه لا ينبغي التهاون بتأثير ما لم ينفجر على الوضع الاقتصادي العام للناس في غزة، مُشيرًا إلى تداعياته على المؤسسات الاقتصادية مثل المخابز المدمرة والأراضي المجرفة والبقاليات والشركات. وأضاف أن "القنبلة التي لم تنفجر ستؤثر على اقتصاد قطاع غزة وستعرقل قدرته على النهوض لسنوات عديدة بعد انتهاء الحرب". وفي الختام، طالب الخبراء بضرورة التدخل الدولي لمساعدة الفلسطينيين في غزة على تنظيف القطاع من هذه القنابل الموقوتة التي تركها القصف الإسرائيلي خلال أشهر الحرب على غزة.