شهر على بدء اشتباكات السودان: معارك وانفجارات وجوع

15 مايو 2023
هزّ القصف الجوي والانفجارات السودان مجدداً الاثنين (Getty)
+ الخط -

هزّ القصف الجوي والانفجارات السودان مجدداً الاثنين، بعد شهر من بدء معارك بين قوات الجنرالين المتصارعين على السلطة تهدد بدفع البلاد إلى حافة الانهيار، ما يثير قلق دول الجوار التي تعاني هي نفسها من أزمات.

وأوقعت الحرب بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد "قوات الدعم السريع" الفريق أول محمد حمدان دقلو أكثر من 750 قتيلا وآلاف الجرحى، إضافة الى قرابة مليون نازح ولاجئ.

وفي جميع أنحاء السودان، أحد أفقر بلدان العالم، يعيش 45 مليون مواطن في الخوف ويعانون من أزمات غذائية تصل الى حد الجوع.

والاثنين، أفاد شاهد عيان في العاصمة وكالة فرانس برس بتعرض منطقة "شرق النيل في شرق الخرطوم لقصف جوي"، فيما أكد آخر في جنوب العاصمة، يبلغ 37 عاما، أن "قصف الطيران وضرب المضادات له يجري منذ الثامنة والنصف صباحاً.. لم يتغير شيء منذ بداية النزاع".

وأضاف: "الأوضاع تتجه إلى الأسوأ رغم الحديث عن الهدنة، لكن عنف الطرفين ومخاوف الناس تتزايد كل يوم". وأفاد شاهد عيان آخر بوقوع "اشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة" في مدينة أم درمان. وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية، في بيان الاثنين، أن مبنى السفارة الأردنية في الخرطوم تعرض "للاقتحام والتخريب".

وأعربت الوزارة عن "إدانتها واستنكارها للاعتداء" ولـ"كافة أشكال العنف والتخريب، وخاصة تلك التي تستهدف المباني الدبلوماسية وتنتهك حرمتها".

إلى ذلك، دانت وزارة الخارجية السودانية "النهج الإرهابي لمليشيا "الدعم السريع" المتمردة وهجومها على البعثات الدبلوماسية وانتهاكها للأعراف الدولية". وأشار البيان إلى اعتداءات لـ"قوات الدعم السريع" استهدفت، الأحد، سفارات الأردن وجنوب السودان والصومال وأوغندا والملحقيتين العسكريتين السعودية والكويتية.

وقبل الحرب، كان ثلث سكان البلاد يعتمدون على المساعدة الغذائية الدولية، واليوم أصبحوا محرومين منها، فمخازن المنظمات الإنسانية نهبت، كما علقت الكثير من هذه المنظمات عملها بعد مقتل 18 من موظفيها.

 ارتفاع حادّ في الأسعار

وأصبحت السيولة نادرة، فالبنوك، التي تعرض بعضها للنهب، لم تفتح أبوابها منذ الخامس عشر من إبريل/نيسان، فيما سجلت الأسعار ارتفاعاً حاداً وصل إلى أربعة أضعاف بالنسبة للمواد الغذائية و20 ضعفا بالنسبة للوقود.

ويعيش سكان الخرطوم الخمسة ملايين مختبئين في منازلهم في انتظار وقف لإطلاق نار لم يتحقق حتى الآن، فيما تستمر الغارات الجوية والمعارك بالأسلحة الثقيلة ونيران المدفعية التي تطاول حتى المستشفيات والمنازل.

وبحسب الأمم المتحدة، تخطّت حصيلة النازحين داخلياً هرباً من المعارك 700 ألف شخص، واللاجئين إلى بلدان مجاورة 200 ألف شخص.

وبالإضافة إلى الخرطوم ودارفور، اتّسع نطاق الاشتباكات إلى مناطق أخرى. وأسفرت أعمال عنف عرقية في ولايتي غرب كردفان والنيل الأبيض عن مقتل أكثر من خمسين شخصا، بحسب الأمم المتحدة. وتثير الاشتبكات في السودان مخاوف على الاستقرار في المنطقة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

واشتكى حمدان محمد، الذي فر من المعارك الدائرة في الخرطوم إلى بورتسودان: "نحن متروكون في الطريق تحت الشمس"، مضيفا: "نطالب المنظمات بإجلائنا من السودان لأن البلد مدمّر بالكامل. ليس هناك طعام ولا عمل... لا شيء هناك".

وفي جدة بالسعودية، يجري الطرفان محادثات حول وقف إطلاق نار "إنساني" للسماح للمدنيين بالخروج وإتاحة المجال لدخول المساعدات، لكنهما لم يتفقا حتى الآن سوى على قواعد إنسانية بشأن إجلاء المدنيين من مناطق القتال وتوفير ممرات آمنة لنقل المساعدات.

ويقول الباحث علي فرجي: "إذا لم يغير الطرفان طريقة تفكيرهما، فمن الصعب تصور ترجمة حقيقية على الأرض للالتزامات التي يوقعان عليها على الورق".

ويكرر الخبراء والدبلوماسيون أن كلّا من الجنرالين مقتنع بأنه يستطيع حسم الأمر عسكرياً.

ولكل منهما عدد كبير من العناصر ودعم كبير من الخارج، إذ إن دقلو حليف كبير للإمارات، ويحظى بمساندة مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية، في حين تلقي مصر المجاورة بثقلها خلف البرهان.

وبعد شهر على المعارك، أعلن البرهان تجميد أصول "قوات الدعم السريع"، التي يقول محللون إن اهتماماتها تشمل مناجم الذهب في السودان.

 

 

 إفلات من المحاسبة

وهذا ما يجعل الجنرالين يفضلان خوض نزاع طويل الأمد على تقديم تنازلات حول طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية. والواقع أنه في كل مرة يتعهدان بوقف إطلاق نار، يخرقانه منذ الدقائق الأولى.

ويقول ممثل الاتحاد الأوروبي السابق للقرن الأفريقي أليكس روندوس إن "الجيش وقوات الدعم السريع يخرقان الهدن بانتظام، ما يدل على درجة غير مسبوقة من الإفلات من المحاسبة، حتى بالمعايير السودانية للنزاع".

وعرف السودان الكثير من النزاعات. في دارفور، أسفر قمع أقليات عرقية مطلع الألفية في عهد عمر البشير (1989-2019)، من قبل قوات الجيش وقوات دقلو المتحالفة آنذاك، عن سقوط 300 ألف قتيل ونزوح ما يزيد على 2,5 مليون شخص.

ولا تزال المنطقة إلى اليوم غير مستقرة. ومع اندلاع الحرب بين الجنرالين في الخرطوم، بات الجميع يقاتل في الإقليم الغربي في السودان، الجيش و"قوات الدعم السريع" والمقاتلون القبليون ومدنيون مسلحون.

وقال محمد عثمان، من هيومن رايتس ووتش، لوكالة فرانس برس: "نتلقى تقارير بأن قناصة يطلقون النار على أي شخص يخرج من بيته". وأضاف أن "أشخاصا جرحوا في المعارك قبل أسبوعين يموتون في منازلهم"، لأنهم لا يستطيعون الخروج منها.

وفي مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، أكدت نقابة الأطباء في السودان أنه خلال يومي الجمعة والسبت "تمكنا، من مصادر طبية وقانونية بالمدينة، حصر 280 قتيلا وأكثر من 160 جريحا".

وفي السياق نفسه، أفاد المجلس النرويجي للاجئين بأن الوضع في الجنينة ألقى "بنحو مئة ألف نازح داخليا تحت رحمة العنف المستمر، مع تحول المخيمات إلى رماد".

وبحسب مدير المجلس النرويجي للاجئين في السودان وليام كارتر، "بالكاد كان وقّع الطرفان المتحاربان اتفاق جدة ليل الخميس، حتى سادت الفوضى مجددا في الجنينة".

وتقول منظمة أطباء بلا حدود إن نازحي دارفور في المخيمات "باتوا يأكلون وجبة واحدة يوميا بدلا من ثلاث وجبات".

وحذرت الأمم المتحدة من أن الجوع سيطاول 19 مليون سوداني في غضون ستة أشهر، إذا استمرت الحرب.

هجرة وانحسار التصنيع

وكل يوم، يدخل آلاف اللاجئين الى مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، وهي الدول الحدودية مع السودان، ما يثير قلق القاهرة التي تعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، فيما تخشى الدول الأخرى أن تنتقل عدوى الحرب الى حركات التمرد فيها.

ولم يعد هناك في الخرطوم لا مطار ولا أجانب بعدما جرى إجلاؤهم جميعاً على عجل في الأيام الأولى للقتال، ولا مراكز تجارية إذ تعرضت كلها للنهب.

كذلك، أغلقت الإدارات الحكومية "حتى إشعار آخر"، ولم يتحدث الجنرالان إلا لتبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام.

وانتقلت بقية إدارات الدولة الى بورتسودان، على بعد 850 كيلومتر شرقا على ساحل البحر الأحمر. وهناك، يسعى فريق مصغر من الأمم المتحدة للتفاوض على مرور المساعدات الإنسانية، ويعقد بعض الوزراء وكبار المسؤولين مؤتمرات صحافية يومية يحرصون فيها على توجيه رسائل طمأنة.

(فرانس برس)

المساهمون