بعد مرور شهرين على الاتفاق الإيراني السعودي في بكين في 10 مارس/ آذار الماضي لإنهاء القطيعة الدبلوماسية واستئناف العلاقات، تؤكد مواقف الرياض وطهران سير البلدين قدماً في تنفيذ بنوده، إذ اتخذت بالفعل خطوات عدة لتطبيق عدد منها، وإن كان هناك إقرار بأن بعضها الآخر يحتاج إلى وقت أطول.
في موازاة ذلك تطرح تساؤلات عمّا خفي من الاتفاق، لاستشراف تأثيره المستقبلي في مجمل العلاقات الإيرانية السعودية، والوضع الإقليمي المعقد وتوازناته وملفاته الساخنة، بالإضافة إلى الدور الصيني، الذي ينظر له كضامن لتنفيذ الاتفاق.
وسرعان ما برزت بعد الاتفاق، خلال الشهرين الماضيين، معطيات ساهمت في ترطيب الأجواء وجعلها مريحة، منها دعوات متبادلة بين كبار مسؤولي البلدين، وصدور مواقف إيجابية عنهما، تؤكد حرصهما على المضي قدماً في فتح صفحة جديدة، وإجلاء السعودية الرعايا الإيرانيين من السودان، و"الحفاوة البالغة" التي تلقاها هؤلاء في جدة من قبل مسؤولين سعوديين.
يبدو أنّ تفعيل الاتفاق الأمني مرتبط باستئناف عمل السفارات
وفي آخر المواقف الإيرانية، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أخيراً إنه "لن نقبل أن تعتبر السعودية عدواً لنا، أو أن نكون عدواً لها". يأتي الموقف فيما كانت السعودية تُصنف في إيران في خانة "الأعداء" حتى وقت قريب.
كذلك، أوقف الإعلام الإيراني الرسمي وشبه الرسمي مهاجمة السعودية، واختفت من تغطياته تلك المفردات التقليدية، ليروج للاتفاق و"الابتعاد" السعودي عن الولايات المتحدة.
خلا الاتفاق من أي إشارة إلى الملفات التي تشكل أساس التوتر والخلاف بين البلدين، في مقدمتها الملف اليمني. غير أن هذا الملف شهد عقب إعلان الاتفاق تطورات إيجابية باتجاه الهدنة وحل الأزمة، ما يربطه مراقبون باتفاق بكين.
تفاهمات عامة ومحددة
فضلاً عما سبق ذكره، فإن معرفة ما نفذ من الاتفاق، وما لم ينفذ، تتطلب العودة إلى تفاهمات معلنة توصل إليها الجانبان. يسمّي البيان الثلاثي المشترك، الصادر في 10 مارس/ آذار الماضي عن مباحثات بكين، جملة تفاهمات عامة وأخرى محددة في فقرة واحدة. فالتفاهمات العامة شملت عناوين "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية... وبذل الجهود كافة لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي".
والتفاهمات المحددة شملت الاتفاق على "إعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران"، فضلاً عن عقد وزيري الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك، وترتيب تبادل السفراء، ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما. واتفقا أيضاً على تفعيل اتفاق التعاون الأمني (2001)، والاتفاق العام للتعاون (1998) في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب.
والآن بعد مرور شهرين على الاتفاق، يبدو أن تحقيق تلك التفاهمات العامة بحاجة إلى مزيد من الوقت، لا إلى شهرين فقط لمعرفة ما إذا كانت ستنفذ أو لا. لكن في ما يتصل بالتفاهمات المحددة، التي جاء بعضها تحت سقف زمني محدد، يمكن القول إن ما لم ينفذ منها حتى الآن هو إعادة فتح السفارات والممثليات الدبلوماسية خلال الشهرين، إلا أن لقاء وزيري خارجيتي السعودية فيصل بن فرحان وإيران حسين أمير عبد اللهيان قد عُقد في بكين في السادس من الشهر الماضي.
وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في مؤتمر صحافي أول من أمس الاثنين، أن عملية إعادة فتح البعثات الدبلوماسية الإيرانية والسعودية تشهد "تقدماً جيداً"، مشيراً إلى أن إعادة فتح السفارة والقنصلية الإيرانيتين في السعودية "في مرحلتها الأخيرة".
تفعيل الاتفاق الأمني مرتبط بعمل السفارات
أما بالنسبة إلى اتفاقي التعاون الأمني والاتفاق العام للتعاون، فيبدو أن تفعيل الاتفاق الأمني مرتبط باستئناف عمل السفارات. غير أنه في ما يتصل بالاتفاق الاقتصادي، لم ينتظر البلدان إعادة فتح السفارات والقنصليات، إذ تبادلا رسائل اقتصادية، لتعلن طهران تلقيها رسالة من الخطوط الجوية السعودية بشأن استئناف نشاطها، مع إرسال غرفة التجارة الإيرانية رسالة إلى الرياض للمطالبة باستئناف العلاقات الاقتصادية، فضلاً عن تصريحات سعودية بشأن إمكانية الاستثمار في إيران.
محمد حسيني هاشمي: الحرب الباردة بين البلدين أصبحت متوقفة إلى حد كبير
ومن المقرر أيضاً أن يزور وفد تجاري سعودي إيران هذا الأسبوع، للمشاركة في معرض القدرات الإيرانية التصديرية، حسب ما قال مساعد وزير الخارجية الإيراني للدبلوماسية الاقتصادية، مهدي صفري، الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أن نائب وزير سعودي من بين أعضاء الوفد.
انتهاء الحرب الباردة
ورأى الدبلوماسي الإيراني السابق، محمد حسيني هاشمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاق الإيراني السعودي يحظى بـ"ضمان الصينيين"، مشيراً إلى أن الاتفاق ترك "آثاراً نفسية مهمة على مستوى المنطقة". واعتبر أن "الحرب الباردة بين البلدين على مدى ثماني سنوات أصبحت متوقفة إلى حد كبير، وهذا أهم إنجاز للاتفاق"، لافتاً إلى أن بقية القضايا "فنية وتنفيذية تجري متابعتها من قبل الطرفين".
وأكد الدبلوماسي الإيراني السابق أن التصريحات الإيرانية السعودية "الإيجابية" تشير إلى أن العلاقات ماضية إلى الأمام، مضيفاً أن تلك التصريحات والأجواء الراهنة "الطيبة" لا تشي بوجود ردة أو شكوك قد تكون انتابت أي من الطرفين حول الاستمرار في تنفيذ الاتفاق.
ملاحظات ثنائية
تؤكد إيران أن محاور المباحثات مع السعودية كانت ثنائية، ولم تتطرق إلى ملفات إقليمية، مثل اليمن أو لبنان، فيما شهد اليمن خلال الشهرين الماضيين، بعيد الاتفاق الإيراني السعودي، تطورات إيجابية باتجاه الهدنة، وزار وفد سعودي صنعاء وأجرى لقاءات مع جماعة "أنصار الله" (الحوثيين).
في السياق، قال رئيس تحرير موقع الدبلوماسية الإيرانية، علي موسوي خلخالي، لـ"العربي الجديد"، إن "أي اتفاق يتناول جميع القضايا الخلافية"، مشيراً إلى أن الخلاف الإيراني السعودي حول الملف اليمني "كان في ذروته، وكان أحد مطالب الجانب السعودي المساعدة الإيرانية في معالجة هذا الملف".
وبرأيه، إن اتفاق بكين مهّد الأجواء لحلحلة الملف اليمني، عازياً سبب التأكيد الإيراني لعدم تناول الملف في المباحثات والاتفاق إلى "وجود ملاحظات لدى الطرفين، وخصوصاً الجانب الإيراني".
وأوضح موسوي خلخالي أن "إيران لم تعلن قطّ أنها تتدخل في اليمن، أو لها وجود عسكري، أو ترسل أسلحة. كذلك فإن السعودية أيضاً سبق أن رفضت وجود دور لها في ملفات متعددة تضطلع بها". واعتبر أنه "لا حاجة لذكر تفاصيل وحيثيات الاتفاقات في وسائل الإعلام، والأصل هو النتيجة، وما إذا كانت إيجابية أو لا".
وبرأي رئيس تحرير موقع الدبلوماسية الإيرانية، فإن الاتفاق حقق "مكاسب تستفيد منها المنطقة والبلدان"، لافتاً إلى أن الأجواء ما زال يطغى عليها التفاؤل، وهناك زيارات متبادلة للوفود.
وأكد أن السفارات ستستأنف نشاطها خلال شهر، لافتاً إلى أن التعاون بين البلدين قد بدأ، وأن ثمة مؤشرات على أن الاتفاق يسري بـ"شكل جيد"، مثل إجلاء السعودية الرعايا الإيرانيين من السودان، والعمل المستمر لإطلاق الرحلات الجوية مجدداً، فضلاً عن تسهيلات قالت الرياض إنها ستقدمها إلى الحجيج الإيرانيين.