شهداء هبة القدس والأقصى قتلوا برعاية المؤسسة الإسرائيلية

01 أكتوبر 2020
من إحياء ذكرى هبة القدس والأقصى العام الماضي (العربي الجديد)
+ الخط -

يحيي فلسطينيو الداخل في الأراضي المحتلة عام 1948، في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الموافق اليوم الخميس، ذكرى مرور عشرين عاماً على هبة القدس والأقصى، التي انفجرت في الداخل الفلسطيني غداة اقتحام آرييل شارون، زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك، في 28 سبتمبر/ أيلول من العام 2000، المسجد الأقصى، في خطوة استفزازية فجّرت مواجهات في باحات المسجد أدت لسقوط عدد من الشهداء فيه، فضلاً عن تظاهرات في كافة أراضي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.

وتجاوب الداخل الفلسطيني مع الغضب بإعلان إضراب عام وشامل في الداخل المحتل. واندلعت تظاهرات شعبية أطلق عليها اسم "هبة القدس والأقصى"، سرعان ما تطورت إلى مواجهات دامية مع الشرطة الإسرائيلية. فقد ردت الأخيرة، وبأوامر مباشرة من رئيس الحكومة آنذاك إيهود باراك، باستخدام الرصاص الحي لفتح مفترقات الطرق الرئيسية التي أغلقها المتظاهرون، وقمع الاحتجاجات بالقوة. وأدى ذلك على مدار أيام إلى سقوط 13 شهيداً من الداخل الفلسطيني، إلى جانب مئات الجرحى والمعتقلين.

وعلى الرغم من اضطرار حكومة الاحتلال إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية، برئاسة القاضي ثيودور أور، إلا أنّ اللجنة اختارت في النهاية إنهاء عمل بعض قادة الشرطة من دون فتح قضايا ضدهم، كما برأت ساحة رئيس الحكومة، واكتفت بانتقاده لأنه "لم يمنع استخدام الشرطة للقوة المفرطة ويعمل على تهدئة الأوضاع". في المقابل، حمّلت اللجنة ثلاث قيادات فلسطينية في الداخل مسؤولية ما سمته "تأجيج الخواطر وإلهاب المشاعر" في المجتمع الفلسطيني في الداخل، وهم المفكر العربي عزمي بشارة، ورئيس "الحركة الإسلامية الشمالية" الشيخ رائد صلاح، والنائب عن "الحركة الإسلامية الجنوبية" عبد المالك دهامشة.


وليد غنايم: الشرطة الإسرائيلية مجرمة في حق المواطنين العرب

وبعد عشرين عاماً على الهبة، عادت "العربي الجديد" إلى عدد من ذوي الشهداء الذين سقطوا وقتها، ليتضح حجم خيبة الأمل لديهم عقب هذه السنوات، جراء خسارة أولادهم الذين قتلوا برصاص إسرائيل وتحت رعايتها وبتشجيع من قادتها، فيما لم يتم إنصافهم.

وفي السياق، قال حسن عاصلة، والد الشهيد أسيل عاصلة، الذي كان يبلغ من العمر يومها 17 عاماً، لـ"العربي الجديد": "بالنسبة لي، 20 عاماً كانت كلها حنين وفقدان وغضب وخيبة أمل ورجاء. ما مررنا به أعرف أنه استحقاق، أنا أدعم وأتبنى كل ما قام به أسيل، ولكن هناك غضباً على قيادة شعبنا أولاً وغضباً على العدو، ولكن أفهم هذا الأخير وأعرف إلى أين يريد أن يصل".

وتابع عاصلة، من مدينة عرابة: "استشهد أسيل في 2 أكتوبر عام 2000 في الساعة الثانية والربع بعد الظهر. وسنقوم كما في كل عام، بزيارة ضريح الشهيد، فلم يبق لنا سوى هذا المشوار من البيت إلى الضريح".

مشاعر الألم والمرارة نفسها عبّر عنها وليد غنايم، شقيق الشهيد عماد غنايم، من سخنين، وقال في حديث مع "العربي الجديد": "استشهد عماد في عمر الـ23 بتاريخ 2 أكتوبر من عام 2000 في الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر. عشرون عاماً من المرارة والعذاب لعائلات الشهداء. نحن نسمع ونشاهد الأشخاص الذين قاموا بقتل أبنائنا في وسائل الإعلام، من إليك رون، قائد منطقة الشمال في الشرطة الإسرائيلية وقتها، إلى شلومو بن عامي، الذي كان يشغل منصب وزير الأمن الداخلي، إلى إيهود بارك، علماً أنّ هؤلاء مجرمو حرب والشرطة مجرمة في حق المواطنين العرب".

واستذكر وليد حادثة إصابة شقيقه واستشهاده، قائلاً: "كنت مع شقيقي عماد عندما نقل في الإسعاف. في أكتوبر 2000 كانت سخنين ساحة حرب. فرقة من القناصين كانت تطلق النار، وقائد محطة شرطة بلدة مسجاف في حينه، جاي رايف، هو الذي أطلق الرصاص وقنص شقيقي الشهيد عماد، وكذلك الشهيد وليد أبو صالح بسخنين. كان شقيقي يبعد عنه 108 أمتار عندما أطلق النار عليه، علماً أنه لم يكن يشكل أي خطر على الشرطة. كان ومن معه عزّل، حتى ولو حمل حجراً، بهذا البعد لم يكن يشكل خطراً على الشرطة".


اعتذار إيهود باراك قبل سنة كان سياسياً بحتاً

وأضاف غنايم: "لديّ بركان غضب في داخلي جراء سياسة الظلم والقهر. 13 شهيداً لهم عوائل وحياة أعدموهم ميدانياً. هذا عمل إجرامي ارتكبته الشرطة الإسرائيلية بتغطية ورعاية من الحكومة. أخي أثار غضبه مشهد قتل الطفل محمد الدرة بحضن والده وأيضاً دخول شارون إلى الأقصى. واعتذار إيهود باراك قبل سنة هو اعتذار وقح بالنسبة لذوي الشهداء. كان اعتذاراً سياسياً بحتاً ولا يمكن الرد عليه".

من جهته، لا يزال حلمي بشناق يحمل ألم فقدان شقيقه الشهيد رامز بشناق، وقال لـ"العربي الجديد": "عشرون عاماً كأنها كانت بالأمس. كأنه حلم من حيث تطور الأحداث. خلال المواجهات ظننا أنّ الظلم سينتهي، ولكن للأسف الشديد الظلم عاد وبشكل أشد بعد أحداث أكتوبر". وأضاف: "كنت أشارك في كل التظاهرات يومها، وأحداث أكتوبر أثرت سلباً على الداخل الفلسطيني، فقد عمدت المؤسسة الإسرائيلية إلى اتخاذ إجراءات بهدف معاقبة المجتمع الفلسطيني في الداخل بملاحقات سياسية وحتى اقتصادية". وأوضح بشناق أنّ إسرائيل "أدخلت قواتها الشرطية منذ ذلك الوقت، عبر فتح مراكز رسمية في البلدات العربية في الداخل، تحت مسميات مختلفة، مثل مراكز الشرطة الجماهيرية"، مضيفاً أنّ "هناك محاولة ترهيب وتخويف في ظلّ غياب القيادة".

وبحسب بشناق، فإنّ هبة القدس والأقصى شكّلت "نقطة مفصلية، فإسرائيل رأت بنا الخطر الأكبر على الدولة وحاولت تطويق هذا الخطر بعد أكتوبر 2000. ومنذ الهبة ولغاية اليوم، قُتل أكثر من 50 شاباً عربياً في الداخل على يد الشرطة الإسرائيلية، ولم تكن هناك ردة فعل مثل تظاهرات أكتوبر".

واستذكر بشناق أنّ قريته، كفر مندا، "شهدت ثلاثة أيام من المعارك أشبه بحرب على مدنيين عزل. وقد دخلت قوات الشرطة لوقف الغول المتمثّل بالتظاهرات، التي تطورت بسرعة كبيرة جداً لم تتوقعها". وأوضح: "استشهد شقيقي رامز يوم 3 أكتوبر عام 2000 في الساعة السابعة مساءً، كان يقف على بعد 200 متر من الشرطة، وكان قنصه متعمداً. استشهد بينما كانت الشرطة تتحدث مع القيادة المحلية لوقف التظاهرات. فقد قام عشرة عناصر من الشرطة بالركض باتجاهنا، وأطلقوا قرابة ألف رصاصة علينا، وعندها ركضنا للبحث عن مكان نختبئ فيه من الرصاص، إلا أنّ رامز لم ينجُ وسقط شهيداً".

بدوره، قال إبراهيم صيام، والد الشهيد أحمد صيام، من قرية معاوية، لـ"العربي الجديد": "استشهد ابني في 1 أكتوبر عام 2000، على مدخل مدينة أم الفحم في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً". وأضاف: "الذكرى طيبة على قلوبنا نَذكُر ونُذَكّر بأن استشهاد ابننا كان فداءً للمسجد الأقصى المبارك وللوطن فلسطين".


إبراهيم صيام: لو أرادت المخابرات الإسرائيلية أن تجد القتلة لأخرجتهم من تحت الأرض

وتابع: "نحن تابعنا القضية من جميع الاتجاهات، ولكن نعيش في دولة ظالمة، تظلم مواطنيها. فبعد 7 سنوات من التداول في القضية، وتحقيقات لجنة أور لم يجدوا من قتلوا أبناءنا. قدمنا شكوى إلى قسم التحقيقات في الشرطة ضدّ إيهود باراك وبن عامي وإليك رون، فكان الرد بأنه لا يوجد إثبات لتحديد هوية قاتلي أبنائنا. لا بل طلبوا منا أن نخرج رفات أبنائنا بعد سبع سنوات، للتحقيق مجدداً في القضية والبحث عن القتلة، ولكن عندما سألناهم عن مدى نسبة النجاح في إيجاد هؤلاء القتلة التابعين لوحدات الشرطة، كان ردهم 5 في المائة فقط".

وأوضح صيام: "بعدها فقدنا الأمل، فمعروف أنّ أبناءنا استشهدوا على أيدي الشرطة الإسرائيلية، ونعرف أنّ لجنة التحقيق قامت بالتغطية على القتلة، وكذلك الشرطة والحكومة". وأكد صيام أنه "بعد عشرين عاماً، حقي الشخصي أن أعرف من قتل ابني. كان عندي أمل أن أراه مثل أبناء جيله، ولكن هذا جرح بقي يحز في القلب". واختتم صيام كلامه بالقول: "لو أرادت المخابرات الإسرائيلية أن تجد القتلة لأخرجتهم من تحت الأرض. لا أمل في دولة تقتل وتستنكر، وماذا فعلت الحكومة الإسرائيلية في النهاية، اتهمت قياداتنا بأنهم هم الذين قتلوا الشهداء".