استمع إلى الملخص
- رسائل سياسية وعسكرية من روسيا: التصعيد يُعتبر رسالة للمعارضة السورية وتركيا بأن أي تغيير في خرائط السيطرة سيُواجه بالقوة، مؤكداً أن الملف السوري تحت سيطرة موسكو.
- التوترات السياسية والمفاوضات الدولية: يأتي التصعيد قبيل محادثات أستانة، حيث تسعى روسيا لتحقيق مكاسب سياسية، متجاوزة وقف إطلاق النار باستخدام سيطرة "هيئة تحرير الشام" كذريعة.
ارتكبت روسيا، مساء الأربعاء، مجزرة جديدة في شمال غربي سورية بمنطقة إدلب، في سياق توجيه الرسائل كما يبدو لفصائل المعارضة السورية كي لا تقدم على أي عمل عسكري من شأنه تغيير خرائط السيطرة في المنطقة. وأعلن الدفاع المدني السوري التابع للمعارضة السورية، مساء الأربعاء، أن الطائرات الحربية الروسية ارتكبت مجزرة بحق المدنيين، باستهدافها ورشة للمفروشات الخشبية، ومعصرةً للزيتون على أطراف مدينة إدلب، مؤكداً مقتل 10 مدنيين، وإصابة 32 شخصاً، حالة معظمهم خطرة.
وشنّت طائرات روسية غارات على منشرة للحجارة في قرية الهباط بالقرب من مدينة معرة مصرين شماليّ إدلب، وأخرى على أطراف قرية البارة، وأراضٍ زراعية في قرية الأسدية، بالقرب من بلدة معترم، ووادٍ بالقرب من قرية الحسينية، في ريفي إدلب الجنوبي والغربي، وعلى منطقة حرجية على أطراف مدينة إدلب. ونشر الدفاع المدني صوراً ومقاطع فيديو تُظهر حجم الدمار الكبير الذي خلّفته الغارات الروسية في مناطق الاستهداف، مشيراً على معرفاته الرسمية إلى أن "الدمار كبير وأعداد الضحايا والمصابين كبير. حاولنا بكل طاقتنا إنقاذ أكبر عدد من العمّال والمدنيين من تحت الأنقاض"، مضيفاً أن "التصعيد العسكري على شمال غرب سورية ينذر بكارثة إنسانية جديدة".
أحمد القربي: التصعيد تذكير للجانب التركي بأن التصعيد سيؤدي إلى موجة تهجير جديدة
المدنيون ضحايا في شمال غرب سورية
وفي السياق، واصلت قوات النظام استهداف المدنيين في ريف إدلب، حيث قتلت الأربعاء طفلة بقصفٍ مدفعي استهدف المنازل السكنية بين قريتي معربليت ومعرزاف، فيما أُصيب رجل يعمل في رعي الأغنام بغارة جوية روسية استهدفت حرج قرية جوزف في ريف إدلب.
وكثّفت روسيا وقوات النظام من الهجمات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي أخيراً، على شمال غربي سورية، ما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين وتدمير ممتلكات على نطاق واسع. ويُنظر إلى هذه الهجمات على أنها رسائل لفصائل المعارضة السورية، و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، مفادها أن الجانب الروسي لن يسمح لها بتغيير خرائط السيطرة في شمال غرب سورية والمحكومة بتفاهم موسكو مع أنقرة والمبرم في مارس/آذار 2020.
وكانت مصادر إعلامية مقربة من "هيئة تحرير الشام"، سلطة الأمر الواقع في إدلب ومحيطها، قد روّجت قبل أيام لمعركة محتملة ضد قوات النظام وحزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي لاستعادة مدن مهمة مثل: معرة النعمان، سراقب، وخان شيخون، لإعادة مليون مهجر إلى منازلهم، يعيشون اليوم في مخيمات وفق ظروف إنسانية ومعيشية بالغة السوء، في ظلّ تراجع المساعدات الدولية. ويبدو أن "تحرير الشام" وفصائل المعارضة السورية، اعتبرت الضربات التي يتلقاها حزب الله اللبناني في سورية ولبنان من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فرصة للتقدم على الأرض، إلا أن الهجمات الروسية كانت رسائل واضحة بأن أي تقدم برّي سيُقابل بالنار من قبل الطائرات الحربية.
ويساند حزب الله ومليشيات إيرانية، قوات النظام السوري، على طول خطوط التماس في أرياف إدلب وحماة وحلب. ولطالما تطلّع النظام إلى التقدم أكثر في ريفي إدلب الجنوبي والغربي وإحكام السيطرة على كامل الطريق الأهم في شمال غرب سورية والمعروف بـأم 4، إلا أن الجانب الروسي يعارض هذا التوجه بسبب تفاهماته مع الجانب التركي التي تهدف إلى الإبقاء على حالة التهدئة.
رسائل دامية للتذكير بالتفوق الجوي
ورأى الباحث أحمد القربي أن التصعيد الروسي بمثابة رسائل إلى جهات متعددة، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "هو رسالة إلى فصائل المعارضة السورية، في وقت جرى الحديث فيه عن تحضيرات تجريها لاستعادة مناطق من النظام. مضمون الرسالة أن التفوق الجوي الروسي سيواجه أي محاولة للتقدم على الأرض". وتابع: "التصعيد تذكير للجانب التركي في حال دعمه لأي تحرك فصائلي، بأن التصعيد سيؤدي إلى موجة تهجير جديدة في شمال غرب سورية، وستتأثر أنقرة بهذه الموجة، فضلاً عن أن التصعيد تذكير للمجتمع الدولي بأن الملف السوري ما زال في يد موسكو، وأنها ممسكة بخيوط اللعبة في سورية".
يوسف حمود: روسيا تلجأ إلى التصعيد العسكري قبيل كل جولة من جولات أستانة
من جهته، رأى المحلل العسكري يوسف حمود في حديث مع "العربي الجديد"، أن القصف الروسي على شمال غرب سورية "يعكس عادة خلافات سياسية بين الدول المعنية بمنطقة خفض التصعيد في إدلب ومحيطها"، مضيفاً أن "روسيا تلجأ إلى التصعيد العسكري قبيل كل جولة من جولات أستانة للحصول على مكاسب سياسية في المفاوضات مع الجانب التركي ضمن هذا المسار". بيد أن حمود اعتبر أن التصعيد "سيقتصر على الهجمات الجوية ولن يصل في المدى المنظور إلى مرحلة الصدام البرّي".
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، يوم الثلاثاء الماضي، إن الجولة المقبلة من محادثات مسار أستانة السوري (الجولة الـ 22) بشأن سورية ستعقد قبل نهاية العام الحالي. وعقدت الجولة الـ 21 مطلع العام الحالي في العاصمة الكازاخية، وثبّتت وقف إطلاق النار في شمال غرب سورية، وهي المنطقة الأقرب للتوتر والتصعيد في حال انهيار التفاهمات التركية الروسية حول مجمل الأوضاع في الشمال السوري.
ولم يحقق هذا المسار أي اختراق في الملفات التي قرّر التعامل معها ما خلا تثبيت وقف إطلاق النار الهشّ في شمال غرب سورية الذي تتجاوزه روسيا والنظام بشكل دائم. وتتخذ روسيا من سيطرة "هيئة تحرير الشام" ذريعة لشنّ هجمات تطاول المدنيين وتنسف الاستقرار النسبي الموجود في منطقة تضم الملايين من البشر جلّهم نازحون أو مهجرون من كل المناطق السورية. ووجد هؤلاء المواطنون في الشمال السوري ملاذاً لهم بعد التهجير الممنهج الذي مورس بحقهم بمباركة موسكو، التي لا تتردد في قصف منشآت مدنية حيوية، غير مكترثة بسقوط قتلى ومصابين من المدنيين.