شعوب في قاع البئر

09 فبراير 2022
قضية ريان تلخص ظروف الشعوب المغاربية (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

في الثامن من فبراير/شباط، تحل ذكرى الدم المشترك بين الجزائر وتونس في واقعة القصف الفرنسي لقرية ساقية سيدي يوسف الحدودية (1958). محطة بالغة الرمزية في النضال المشترك، لكن الحكومات لم تنهل بالشكل الصحيح من بئر التاريخ لصناعة مستقبل مشترك، وكان الطموح الوحدوي غامراً منذ المؤتمر المغاربي في مراكش عام 1989، لكنها أنجزت "خيبة" موحدة، بحيث باتت شعوب المنطقة المغاربية موحدة تحت يافطة "كلنا في البئر سواء".

ريان في المغرب، وعياش في الجزائر، وهيثم في ليبيا، ومريم في تونس، أربعة سقطوا في بئر وحفرة في فترات متباينة، من دون أن يُنتشلوا أحياء. يقول قائل، هل الأنظمة والحكومات التي عجزت عن توفير الحياة الكريمة فوق الأرض لعياش في الجزائر، والكهرباء لبيت ريان في قرية ريفية في المغرب، وكتاب مدرسي لهيثم في ليبيا المتخمة بالنفط، وطريق آمن للشابة مريم التونسية (ابتلعتها قناة صرف صحي في سوسة)، كانت لتستطيع انتشالهم أحياء؟

الشعوب المغاربية المتشاركة في سياقات تاريخية متناسقة في ملابساتها الاجتماعية وظروفها الاقتصادية، وفي أوضاعها السياسية المتهالكة، وجدت في قصة الطفل ريان المغربي قصتها الكاملة، وفي حكاية الشاب عياش الجزائري مستقبلها الغامض، وفي واقعة هيثم الليبي خيبتها الكبيرة في بلد ضاق بأهله، وفي حادثة مريم قمة الفزع من غياب قيم الحكامة والرشد في إدارة الشأن العام والحد الأدنى من موجبات التنمية.

هل يوجد بئر أكثر عمقاً من تلك التي يوجد فيها سكان الريف المغربي الذين ما زالوا يبحثون عن طريق معبد وماء وكهرباء، بينما يتم إنفاق الملايين على عشرات القصور الملكية التي لا تُستخدم إلا نادراً في المراسيم؟

هل هناك بئر أكثر قسوة من تلك التي يقبع فيها أشقاؤهم الجزائريون، إذ يبحثون لهفاً عن الزيت تارة وعن الحليب تارة أخرى، في بلد يهرب من أوضاعه البائسة الأطباء والمهندسون إلى الخارج (عشرات الأطباء تم قبولهم للعمل في المستشفيات الفرنسية هذا الأسبوع)؟ وكم عمق البئر التي وقع فيها الليبيون منذ عقود، وهم شعب يقارب تعداده الستة ملايين في بلد يفيض بالنفط، حتى تحوّلت حياتهم إلى جحيم بسبب الاستبداد ثم الصراعات السياسية والحرب العبثية؟

وهل توجد بئر أعمق من تلك التي هوى فيها التونسيون، بعد ثورة كانت طافحة بالآمال والطموحات والتطلعات السياسية، حتى وجد التونسيون أنفسهم قد انحدروا إلى حكم سلطاني يقفل الشارع ويسد بدبابة باب البرلمان ويعتقل باب مجلس القضاء الأعلى بقفل حديدي على هوى من الرئيس؟

من ينقذ الشعوب غير الشعوب نفسها من "بئر" البؤس السياسي الذي أحاط بها، ومن القمع المسلط على كل رأي معارض، ومن الديمقراطيات الصورية التي أفرغت من أدواتها الحقيقية، حيث لا صحافة حرة ولا مجتمع مدني مستقل ولا مؤسسات تشريعية تؤدي وظيفتها الرقابية.

ومن ينقذ هذه الشعوب والمستقبل يداهمها، من بئر "ملوثة" تتشرب منها الحكومات سياساتها القائمة على استزراع الأزمات وإهدار الفرص وتهريب الكفاءات. ومن ينقذ الشعوب من "بئر" فساد الحكم والحكومات التي تقتني أحدث التكنولوجيات للتنصت على المعارضين وتحرص على تجهيز الشرطة والبوليس بأحدث وسائل القمع، أكثر بكثير مما تنفق على تجهيز المدارس والمستشفيات وتطوير الزارعة والبنى التحتية.