زلزال في المغرب، وطوفان في ليبيا، وحرائق في الجزائر، ومأساة اقتصادية واجتماعية في تونس، كأنما المحنة تركت كل خرائط العالم، واختارت أن تصب مرة واحدة في دول مغاربية، حيث الشعوب في وادٍ، والحكومات في وادٍ آخر.
هل كان على المغاربة انتظار حدوث الزلزال، ليشاهدوا مغرباً آخر غير الذي على الشاشات، وليعرفوا أن هناك بشراً يعيشون على ضفاف الفقر والعوز في الجبال، بلا ماء ولا طرق ولا صحة ولا مدارس؟
يحتاج أحدهم إلى كثير من الإيمان بالله والقدر، ومثله من الجرأة ليقول إن الزلزال كان خيراً، كقول امرأة مغربية بحرقة في قرية دمرها الزلزال: "الحمد لله، لولا الزلزال، لما رأينا كل هذا الخير الذي وصل إلينا، لأننا نشهد يوماً خيّراً في حياتنا. قبل اليوم لم نكن موجودين وما انتبه أحد إلى وجود بشر في هذه الجبال".
وهل كان على الليبيين أن ينتظروا إلى حين طوفان درنة، لينتبهوا إلى أن غياب الدولة في أبسط مستوى، مسألة بالغة الخطورة، تجرف حاضرهم كما فعلت السيول الجارية، وتنسف مستقبل الأجيال الليبية المقبلة، وليكتشفوا أن الشرق والغرب واحد، وأن الانقسام يدمّر البلد ويهدر المقدرات، وأن فوضى الحكومات والمؤسسات قصة سياسية رديئة يجب أن تنتهي، ولينظّموا مسيرة تطالب بالوحدة وإنهاء الانقسام القائم منذ سنوات في ليبيا؟
وهل كان على الحكومة في الجزائر، البلد النفطي، انتظار أن تخسر البلاد عشرات الضحايا وأكثر من 30 في المائة من غطائها النباتي بسبب الحرائق، بحسب بيانات قدمها رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن في المؤتمر الدولي للبيئة في ستوكهولم بالسويد، لتشتري طائرات الإطفاء وتشق المسالك في الغابات، وتعيد تهيئة مستلزمات مواجهة الكارثة الطبيعية التي تتجدد كل صيف، ولتكتشف أن هناك تكنولوجيات حديثة يمكن أن تساعد في حماية الأمن الغابي والبيئي وتنقذ الإنسان والحيوان؟
وفي تونس، كان على التونسيين انتظار عشر سنوات للانتباه إلى أن الخبز ضروري مثل الحرية، وأن الديمقراطية التي لا تنتج قيمة اقتصادية ولا تحسن من معيشة الناس ولا توفر الاستحقاقات الأساسية للثورة، شغل وحرية وعدالة اجتماعية، هي ديمقراطية عقيمة وحلقة مفرغة من كل معنى إلا من الثرثرة، بحيث لا يمكن صرفها وقوداً للسيارة ولا رغيف خبز.
ظهر أن هذه الدول والشعوب ليست مؤهلة لمواجهة قدرها، وأنه في الوقت الذي يستعد فيه العالم لمواجهة تحديات أكثر خطورة ناتجة في الغالب من التغير المناخي وأزمة المياه ونقص الموارد، ما زالت دول المنطقة المغاربية، على اختلاف منظومات الحكم فيها، تعيش في أزمات بدائية، كالطرق والماء والصحة والتعليم، والسكن والكهرباء والتعليم، وهي أزمات انتهت منها دول وشعوب قبل عقود من الزمن.
إذا كان من درس يمكن أن يُستقى من هذه المحن المتلاحقة والمتراصة جغرافياً، فهو أن نهايات العبث السياسي للأنظمة والحكومات، والفساد وسوء التدبير، وغياب الحكمة السياسية والتقدير الاقتصادي السليم، وضعف الاستشراف والعجز في توظيف المقدرات في مكانها الصحيح، هذه هي نتائجه الوخيمة الظاهرة، وهي نتائج لن تتغير طالما استمر العبث ذاته.