شعر الرأس... مهدد أمني في السودان

27 سبتمبر 2022
الشباب هم العمود الفقري للحراك المناهض للسلطة الانقلابية (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، ومنذ فترة طويلة، تفلّتات أمنية ازدادت في خضمها وتيرة أعمال النهب والسلب والقتل والاختفاء الغامض، بالتوازي مع التوتر الأمني الذي تحدثه التظاهرات شبه اليومية ضد الطغمة العسكرية الحاكمة بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان. كذلك، فإن تلك التفلّتات لا تُقرأ بمعزل عن التدهور الاقتصادي والمعيشي في البلاد، ولا عن الاحتقان السياسي، وهو النتيجة الحتمية للانقلاب.

السلطة العسكرية تغمض عينيها تماماً عن كل تلك الثغرات الأمنية وتنشغل بسعيها الدؤوب نحو توطين أركان سلطتها المتهالكة، وتشتري الوقت في كل يوم بمبادرات معلومة نواياها، نوايا البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، ولا يهمها بعد ذلك حياة المواطنين وأمنهم.

من العجب العجاب أن سلطة البرهان التي غضّت الطرف عن كل المهددات الأمنية والاحتقان السياسي والتدهور المعيشي، وجدت في إطالة الشاب السوداني شعر رأسه، وطريقة تصفيفه وتسريحته، مهدداً أمنياً خطيراً يتجاوز غيره من المهددات. لذا، استنفرت شرطتها وأمدتها بالسلاح والعصي و"المقصات" لمطاردة الشباب في الأسواق والطرقات والقبض عليهم وحلاقة شعرهم بطريقة مشوّهة وبائسة ومذلة، ومن ثم إطلاق سراحهم. هذا ما حدث في الأسابيع الماضية في الخرطوم، وحدث قبل ذلك في مدن أخرى مثل الأبيض، غرب السودان.

تفعل السلطة الانقلابية ذلك، ربما اعتقاداً منها أنها ستكسر روح الشباب السوداني، العمود الفقري للحراك الثوري المناهض لها. وتفعل ذلك أيضاً ظنّاً منها أنها تضع رسالة في بريد الجماعات الدينية والمحافظة في المجتمع بأنها حامية حمى الدين والعادات والقيم السودانية، لتحصل على تأييد تلك الجماعات، بعدما انكشفت عنها كل الغطاءات الشعبية.

لكن ولأن الطغاة لا يطالعون التاريخ، ولو كان قريباً، فقد فات العسكر أن نظام المخلوع عمر البشير جرّب السلوك الطالباني هذا، عبر قانون النظام العام سيئ الذكر، والذي سُلّط على الشباب لنحو 30 عاماً، بالسجن والجلد والغرامات الباهظة، فلم يزحزحهم عن الاجتهاد والعمل من أجل التحرر من قيود النظام ككل والثورة عليه. حصل ذلك لدرجة أن البشير وفي وقت ما، وبعدما شعر برفض الشباب لنظامه، غازلهم بالهجوم على قانون النظام العام ووعدهم بإلغائه أو تعديله، لكن وعوده تلك أتت بعد فوات الأوان، وهذا ما سيحدث، بمنطق التاريخ، لنظام البرهان - حميدتي.

المساهمون