استمع إلى الملخص
- الصراع المستمر: بدأت الحرب الكورية كصراع بين الشيوعية والرأسمالية، واستمرت التوترات بعد الهدنة، مع تطوير كوريا الشمالية لقدراتها النووية وتعزيز كوريا الجنوبية لتحالفاتها مع الولايات المتحدة.
- الدور الصيني والموقف الدولي: حاولت الصين التوسط في الأزمة النووية دون نتائج ملموسة، مع تباين رؤى الصين وكوريا الشمالية حول الأمن الاستراتيجي، مما يعقد الوضع في المنطقة.
جي وانغ، طالب كوري جنوبي يدرس في جامعة شينزن، جنوبي الصين، ينتمي إلى الجيل الثالث الذي ولد بعد الحرب في شبه الجزيرة الكورية (1950-1953)، وشاهد على مأساة عائلة فرّقت الحرب بين أفرادها طوال سبعة عقود. تحدث جي لـ"العربي الجديد"، عن أنه عندما اندلعت الحرب في عام 1950، كان جده يبلغ من العمر 15 عاماً، وكيف فرّ هارباً برفقة عدد من أقربائه من مقاطعة هوانغ هيه الكورية الشمالية باتجاه الجنوب، تاركاً وراءه والديه وشقيقة تكبره بعامين. كان الجد يعتقد أنه بمجرد انتهاء الحرب سيعود إلى بيته، لكن ذلك لم يحدث، ولم يلتق بأفراد أسرته بالرغم من محاولاته المتكررة للمشاركة في فعاليات "لم الشمل" التي تم تعليقها في عام 2018 بسبب استمرار بيونغ يانغ بتجاربها الصاروخية. وأوضح جي وانغ، أن جده توفي قبل ثلاث سنوات عن عمر ناهز 86 عاماً، وكانت آخر كلماته وهو على فراش الموت: "أحضروا لي أبي وأمي... أريد أن أرى شقيقتي". قصة جد جي وانغ تمثّل مأساة مئات الآلاف من العائلات التي تشتتت بين الكوريتين بفعل الحرب. وحسب إحصاءات حكومية في سيول (وزارة التوحيد)، فإن نحو ألفي شخص كوري جنوبي من أفراد الأسر المشتتة بين الكوريتين وافتهم المنية في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2024 من دون أن تتاح لهم فرصة لقاء أفراد أسرهم في كوريا الشمالية، بينما بلغ عدد من ظلوا على قيد الحياة 37 ألفاً، تجاوز عمر 66% منهم 80 عاماً.
جينغ وي: تأجيج الصراع في شبه الجزيرة الكورية يصب في مصلحة الطرفين
بدأت الحرب في شبه الجزيرة الكورية صراع بين قوتين: شيوعية تمثلها كوريا الشمالية بدعم من الاتحاد السوفييتي آنذاك والصين، ورأسمالية تمثلها كوريا الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة. وكانت شبه الجزيرة في منتصف أربعينيات القرن الماضي عبارة عن تركة استعمارية ومن مخلفات الإمبراطورية اليابانية التي سقطت مع نهاية الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، فاقتسمت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هذه التركة، فأقامت الأولى نظاماً رأسمالياً في الجنوب، بينما أسست الثانية نظاماً شيوعياً في الشمال، وخاض النظامان اشتباكات حدودية في إطار صراعات متكررة على بسط النفوذ والسلطة، قبل أن يعلن الزعيم الكوري الشمالي إيل سونغ كيم، في عام 1948 قيام جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وهي الخطوة التي تبعها انسحاب الحلفاء من شبه الجزيرة، ما دفع الزعيم الكوري الشمالي إلى شن هجوم مباغت على الجنوب تجاوزت فيه قوات الشمال خط العرض 38 (الفاصل بين الكوريتين) ووصلت إلى العاصمة سيول.
في أعقاب ذلك، تدخلت القوات الأميركية، ودحرت الجيش الكوري الشمالي إلى خلف خط العرض 38، ووصل الجيش الأميركي إلى أطراف نهر يالو الذي يُشكّل حداً فاصلاً بين حدود كوريا الشمالية والصين، الأمر الذي أثار قلق الزعيم الصيني آنذاك ماو تسي تونغ، فأرسل جيشه إلى الشمال، وانخرط في معارك أدت إلى تراجع القوات الأميركية المدعومة من قوات دولية إلى خلف خط العرض الفاصل بين الكوريتين. وبعد حرب طاحنة بين الكوريتين استمرت ثلاث سنوات وتسببت في مقتل خمسة ملايين شخص، وقّع الطرفان على هدنة في عام 1953 لم تتوج بمعاهد سلام، الأمر الذي أبقى شبه الجزيرة الكورية في حالة حرب ممتدة منذ سبعة عقود.
مستقبل شبه الجزيرة الكورية
شهدت العقود الماضية محاولات خجولة لتوطيد العلاقات بين الشمال والجنوب، كان آخرها عام 2018 عندما تم إنشاء مكتب اتصال في المنطقة منزوعة السلاح (بانمونجوم) قبل أن تنسفه بيونغ يانغ بعد عامين فقط. وخلال نفس الفترة تقريباً، حاولت كوريا الشمالية تحسين علاقتها مع الولايات المتحدة عبر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، من أجل حل مشاكلها الأمنية، لكن ذلك انتهى بالفشل أيضاً.
ويبدو أن الزعيم كيم جونغ أون، قد توصل إلى قناعة بأنه من المستحيل حل مشكلة كوريا الشمالية الأمنية من خلال المفاوضات أو الرهان على الموقف الأميركي، ولضمان عدم تمكن أي من القوى العظمى من الإضرار بسيادة البلاد ومصالحها، فإنها تحتاج إلى وسيلة أخرى، تطوير قدراتها النووية، مستفيدة من انشغال الولايات المتحدة بالمنافسة الاستراتيجية مع الصين، الأمر الذي أدخلها في معادلة أو هيكل دولي يضم اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة مقابل كوريا الشمالية والصين وروسيا. في إطار هذه المعادلة، تبنت كل من كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية استراتيجيات مختلفة لتصعيد الصراع بما يخدم مصالحهما الخاصة على المستويين الداخلي والخارجي. على سبيل المثال أرسلت بيونغ يانغ قوات من جيشها للمشاركة إلى جانب موسكو في حربها على كييف، بينما عززت سيول من تحالفاتها العسكرية واستقبلت المزيد من القوات الأميركية على أرضها ضمن مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة، وقد أثار ذلك مخاوف من أن شبه الجزيرة الكورية تقترب من أسوأ صراع عسكري تشهده منذ اندلاع الحرب الكورية.
في قراءته لمستقبل الجزيرة، قال المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ العربي الجديد"، يبدو أن تأجيج الصراع في شبه الجزيرة الكورية يصب في مصلحة الطرفين، فمن ناحية، حاولت إدارة الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول، استعداء بيونغ يانغ، للتملص من المساءلة القانونية وانخفاض معدلات التأييد الشعبي والتي أطاحت بالرئيس في نهاية المطاف. ومن ناحية أخرى سعت كوريا الشمالية إلى صب الزيت على النار من خلال تكرار تهديداتها لجارتها الجنوبية في محاولة لتجاوز الاستياء الشعبي بسبب الأزمات الاقتصادية المتراكمة.
كما أن إرسال بيونغ يانع قوات عسكرية للقتال إلى جانب الجيش الروسي في سابقة تاريخية، يعكس مقاربة كيم جونغ أون، لأزمة شبه الجزيرة الكورية إذ يعتقد أن تعزيز التحالف مع موسكو يمثل ضمانة أمنية حتى ولو كان ذلك على حساب علاقته ببكين. ولفت إلى أنه بفضل هذا التقارب الروسي الكوري الشمالي، وقّعت بيونغ يانغ، على معاهدة للدفاع المشترك مع روسيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كما حصلت على الطاقة والمعادن والتكنولوجيا التي تحتاجها في صناعاتها العسكرية. وتابع جنيغ، ما تقدم يشير إلى أننا أمام كيانيْن يعمل كل منهما على تأجيج الصراع في إطار معادلة بسيطة تقول إن استمرار الأزمة يعني ازدياد فرص الحصول على الدعم السياسي أو العوائد الاقتصادية. وبهذا المعنى، يصبح الوضع أكثر قابلية للاشتعال في ظل الانشغال الأميركي بأزمات إقليمية ودولية أخرى، وكذلك تراجع الزخم الصيني مع بروز خلافات على السطح بين بكين وبيونغ يانغ بشأن رؤية كل منهما لمستقبل المنطقة.
جيانغ لي: هناك خلافات بين الصين وكوريا الشمالية بشأن أزمة في شبه الجزيرة الكورية
مقاربة الصين
لطالما أرادت الإدارة الأميركية تحميل الصين، التي تتمتع بنفوذ واسع على بيونغ يانغ، أكبر قدر ممكن من المسؤولية عن قضية كوريا الشمالية. ولم يكن الأمر مرفوضاً بالنسبة لبكين، لأن القضية كانت تشكل أهمية بالغة في الحفاظ على العلاقات مع واشنطن. وبالفعل استضافت العاصمة الصينية عدة جولات من المحادثات السداسية التي تضم كلاً من: الصين، كوريا الجنوبية، كوريا الشمالية، الولايات المتحدة، روسيا، واليابان. وتهدف إلى إيجاد حلول سلمية للمخاوف الأمنية التي يثيرها البرنامج النووي لكوريا الشمالية بعد انسحابها من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في سنة 2003. ولكن جميع هذه المحادثات التي عُقدت ست مرات وكان آخرها عام 2007، لم تثمر عن أي نتائج إيجابية. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن الصين لم تبذل جهداً كافياً في هذا الاتجاه لأسباب تتعلق بالمنافسة الاستراتيجية بينهما. ولكن أيضاً ترى الأوساط الإعلامية الصينية أن الإدارة الأميركية نفسها أصبحت أقل اهتماماً بكوريا الشمالية، مقارنة باستراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بالإضافة إلى انشغالها في أزمات داخلية وخارجية مثل الأزمة الأوكرانية والحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يشير إلى أن شبه الجزيرة الكورية تتجه لأن تصبح منطقة منسية قابعة فوق رماد حرب لم تخبُ نيرانها منذ 71 عاماً.
حول الموقف الصيني، رأى أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية جيانغ لي، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن هناك خلافات جوهرية بشأن مقاربة كل دولة (يقصد الصين وكوريا الشمالية) للأزمة في شبه الجزيرة الكورية، فالصين دولة مسؤولة وعضو دائم في مجلس الأمن، بالطبع لا تريد أن تظهر دولةً منبوذة خارجة عن الإجماع الدولي، لذلك وبالرغم من دعمها لنظام بيونغ يانغ، لكنها ترفض ممارسات كوريا الشمالية المتعلقة بالتجارب الصاروخية وتهديدها لجيرانها، كما أنها كانت منزعجة من إرسال قوات كورية إلى روسيا. وأضاف أن ما يهم بكين في المقام الأول هو الحفاظ على الأمن الاستراتيجي في المنطقة بشكل عام ضمن رؤية واسعة النطاق تراعي الضوابط والقوانين والقواعد الدولية، في حين أن بيونغ يانغ لديها نظرة محدودة قائمة على تحقيق مصالحها الخاصة من خلال تعزيز استراتيجية الردع حتى لو كان الثمن استعداء المجتمع الدولي.