نقلت شبكة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية، اليوم الثلاثاء، عن مصدرين مطلعين قولهما إن الاحتلال الإسرائيلي اقترح أن يغادر قادة حركة حماس قطاع غزة كجزء من اتفاق واسع لوقف إطلاق النار.
وربطت "سي أن أن" ذلك بفشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق هدفه المعلن بالقضاء على حماس، مشيرة إلى أنه بعد نحو أربعة أشهر من الحرب على غزة، لم تتمكن إسرائيل من إلقاء القبض على أي واحد من كبار قادة حماس أو اغتيال أي أحد منهم في القطاع، بينما تشير تقديرات جيش الاحتلال إلى أن حماس لم تفقد سوى نحو 30 بالمائة من قدراتها القتالية.
وفي التفاصيل، قال التقرير إن مقترح السماح لقادة حماس بمغادرة غزة نوقش خلال محادثات أوسع تشمل وقف إطلاق النار مرتين على الأقل خلال الأسابيع الأخيرة.
ووفق الشبكة الأميركية، فإن هذا العرض طرحه رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ديفيد برنيع لأول مرة بوارسو في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حين التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بيل بيرنز، ورئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مضيفة أن مصدرها، المسؤول المطلع على المناقشات التي جرت خلال اللقاءات، قال إن بلينكن طرح المقترح مرة أخرى حينما زار العاصمة القطرية في أوائل الشهر الجاري.
وأشار المسؤول ذاته إلى أن وزير الخارجية القطري أخبر نظيره الأميركي بأن هذه الفكرة الإسرائيلية "لن تنجح أبداً".
وكشف الموقع أيضاً نقلاً عن مسؤولين أميركيين ودوليين مطلعين على جهود الوساطة أنّ انخراط الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس في المحادثات يبدو مشجعاً، لكنهم أكدوا أنّ التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى "ما زال بعيد المنال".
من جهة أخرى، لفت تقرير "سي أن أن" إلى أن الضغوط تتزايد على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لجهة إنجاز شيء ما، بعدما تأكد أن هدفه "تحقيق النصر الكامل" على حماس لم يتحقق، لا من قريب ولا من بعيد، وبسبب عدم قدرة حكومته على استعادة الأسرى المحتجزين في غزة.
وبحسب تعليق للباحث في معهد "كارنيجي" آرون دايفيد ميلر، فإن إسرائيل "لا تحقق أهدافها العسكرية"، مشيراً إلى أن الضغط على نتنياهو وحكومته من أجل استعادة المحتجزين خلق وضعاً جعل الاحتلال مستعداً لقبول مغادرة قادة حماس لقطاع غزة.
هدنة لشهرين مقابل الإفراج عن جميع الأسرى
من جانبه، أفاد موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي بأن الاحتلال اقترح على حماس، عبر الوسيطين، القطري والمصري، هدنة لشهرين في الحرب، وذلك مقابل إطلاق الحركة سراح جميع الأسرى والمحتجزين لديها.
ولا يعني هذا الاقتراح نهاية الحرب على غزة، بل هدنة ثانية بعد تلك التي استمرّت أسبوعاً وأتاحت إطلاق سراح حوالى مئة من الأسرى والمحتجزين.
وبحسب "أكسيوس"، ينصّ الاقتراح الإسرائيلي على الإفراج عن جميع المحتجزين في غزة على مراحل، تشمل في البداية النساء المدنيات، والرجال الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً.
أما المراحل اللاحقة، فيُفرَج فيها عن المجندات ثم عن الرجال المدنيّين الذين تقلّ أعمارهم عن 60 عاماً، ثم عن الجنود، وأخيراً عن جثامين الأسرى.
وفي إطار الخطة، يتعيّن على إسرائيل وحماس الاتّفاق مسبقاً على عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرَج عنهم مقابل المحتجزين الإسرائيليين.
ولا تلحظ هذه الخطة نهاية للحرب على غزة أو حتى حلاً سياسياً طويل الأمد، بل إعادة انتشار لقوات الاحتلال الإسرائيلي خارج المدن الرئيسية في القطاع الفلسطيني وعودة تدريجية لمئات آلاف الفلسطينيين الذين نزحوا من شمال القطاع إلى جنوبه.
غزة ليست بيروت
واستطلع "العربي الجديد" آراء عدد من الباحثين في الشأن السياسي حول دلالات المقترح الإسرائيلي وإمكانية تحقيقه عملياً.
ففي حديثه لـ"العربي الجديد"، أشار الكاتب والمحلل السياسي أمير مخول، إلى أن إسرائيل تعتقد أن مقترحها بالسماح لقادة حماس بمغادرة غزة مقابل وقف الحرب ممكن "من خلال مفهومها السائد عن حماس بأنها ليست منظومة شبه دولانية سياسية وعسكرية، بل قائمة على أفراد إن تم تغييبهم فستفنى الحركة، وبأن الضغط العسكري يقود إلى فرض معادلة مفادها ليس (الكل مقابل الكل) في صفقة تبادل أسرى تنهي الحرب، بل الظن بأن حماس والقسام في غزة تفضلان الرحيل مقابل الإبقاء عليهم أحياء، والمعبر عنه إسرائيلياً بصيغة (المخطوفون مقابل الإبقاء على قادة المنظمة أحياءً) خارج فلسطين".
وأضاف، مع ذلك فإن "حكومة إسرائيل قاصرة عن إنجازه، لكونها في مأزق تجاه كل الأهداف التي وضعتها والتي تتناقض مع الأولويات، في غياب تصور لمخرج من الحرب قابل للتحقيق".
ويرى أن ما يرشح من تصريحات بصدد المفاوضات حول الصفقة الشاملة ووقف طويل لإطلاق النار "هو للاستهلاك السياسي الداخلي ولتحسين وضعية المفاوضات الحقيقية، وهي سرية للغاية أو لإطالة أمد حكومة نتنياهو. هناك تأكيد واسع النطاق من القيادات العسكرية السابقة التي تؤكد أن إسرائيل قد خسرت معركة 7 أكتوبر ولا بد من دفع استحقاقات ذلك، وإنقاذ الرهائن في غزة وعودتهم أحياء".
ولفت إلى أن "حكومة نتنياهو لا تستطيع وقف الحرب لأنها ستفقد الحكم مباشرة، ولن تناقش (اليوم التالي) الذي يعني حلّها في غياب أي أفق سياسي".
أما مهند مصطفى، المتخصص في العلوم السياسية، ومدير مركز مدى الكرمل - المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، فيقول: "طرح هذا الخيار إسرائيلياً يأتي في سياق فشل إسرائيل في تحقيق هدفها المتمثل بالقضاء على حركة حماس، وهو الهدف الذي أصبح غير واقعي بالنسبة إلى قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، وهو مقترح يجسر الفجوة إسرائيلياً بين هدف الحرب والواقع. ويستوحي منطقه من حرب لبنان 1982 حين طالبت إسرائيل بخروج قوات منظمة التحرير من بيروت كشرط للانسحاب من المدينة".
وأضاف لـ"العربي الجديد": "لن يكون تطبيق هذا الخيار سهلاً، أولاً لأن غزة هي أرض الوطن ولأجلها حاربت الفصائل فيها، وفي بيروت كانت لبنان منطلقاً للعمليات ولم يكن العمل الفدائي من أجلها".
وأوضح أن "حماس" "لن تقبل هذا الخيار، لأن معناه التهجير أو يمثل التهجير، في بيروت كان ترك البلد محطة أخرى تنقل الفلسطينيين خارج فلسطين. في حالة غزة سيكون تهجير من الوطن، في بيروت كان الخروج من أجل الوطن. أعتقد أن هذا الخيار الإسرائيلي يهدف إلى تعويض الفشل في غزة. وهو خيار لن تقبله حماس".