بعد مرور ثلاثة أسابيع على إجراءات 25 يوليو/تموز، لم يفصح الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي منح نفسه صلاحيات شبه مطلقة، بعد، عن أي خريطة طريق للمرحلة المقبلة، وتتعدّد السيناريوهات المطروحة وتختلف الفرضيات حول مصير البلاد باقتراب نهاية المهلة الاستثنائية في 25 أغسطس/آب، وسط حيرة الأحزاب ودهشة المجتمع المدني أمام غموض مشروع سعيد وبرنامجه.
وبعد أن أقال سعيد رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، وعلّق أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، شرع الرئيس في تسيير الحكومة وتعيين أربعة من المكلفين تسيير الوزارات دون أن يكشف، حتى الساعة، عن اسم رئيس الحكومة الجديد وبرنامج الإنقاذ وطريقة عملها.
ورغم تأكيده في أكثر من مناسبة عن قرب تعيينه رئيساً للوزراء، فإن بطء اتخاذ القرارات عزّز من مخاوف التونسيين وقلق المنظمات والأحزاب التي تطالبه بشكل متواتر بالإفصاح عن برنامجه للفترة المقبلة.
ولا يقف الغموض عند الشأن الحكومي، بل يبدو الشأن البرلماني أكثر تعقيداً وصعوبة. فبعد تعليق أعمال مجلس نواب الشعب رسمياً في 29 يوليو الماضي، ورفع الحصانة عن جميع البرلمانيين بأمر رئاسي، شرع القضاء في ملاحقة عدد من النواب، ووضع اثنين منهم في السجن، و3 قيد الإقامة الجبرية، و10 أمام التحقيق، وهناك نائبان فاران من العدالة.
وإن كان سعيد قد بدأ في التشريع من خلال إصدار معاهدة تجارية بأمر رئاسي وإقراره صرف أجور النواب خلال شهر تعليق الأشغال، إلا أن طلبات رفع التجميد عن البرلمان في تزايد من أحزاب ومنظمات، ما دفع عدداً من البرلمانيين والشخصيات إلى مقاضاة سعيد أمام المحكمة الإدارية لإبطال هذه القرارات.
وتزيد الأمور غموضاً وإبهاماً بمرور الأيام مع بطء قرارات سعيد مع اقتراب عدد من الالتزامات المالية والاقتصادية التي تفترض انعقاد البرلمان ووجود حكومة لمجابهتها.
لم يبقَ أمام الرئيس سوى أسبوع واحد لتبديد الغموض بشأن مصير البرلمان الذي جمدت صلاحياته لمدة شهر تنتهي في 25 أغسطس/آب 2021. وعلى الرغم من قصر الحيّز الزمني الباقي، ما زال الرئيس يلتزم الصمت بهذا الشأن، باستثناء تأكيده المتكرر أنّ الأمور "لن تعود إلى الوراء".
وتتعدد السيناريوهات أمام سعيد الذي لا يزال يرفض الحوار ومقترحات الأحزاب والشخصيات وخرائط الطريق التي وجهت إليه.
وعلّق الخبير القانون والدستوري رابح الخرايفي، على الوضع، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "سياسة الرئيس تقوم على عاملين أساسيين، هما الغموض والمفاجأة، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع ما يمكن أن يقوم به رئيس الجمهورية بعد 25 أغسطس المقبل".
وبين الخرايفي أن "هناك سيناريوهات مطروحة بالعودة إلى الوضع الراهن والإمكانيات الدستورية والقانونية والفرضيات السياسية".
وأوضح أن "من الفرضيات المطروحة والممكنة استناداً للفصل 80 من الدستور يمكن للرئيس أن يمدد في الفترة الاستثنائية، وهو رأي يتفق فيه من قبل عدد من الخبراء، لأن الفصل لم يقيد الفترة الزمنية في شهر، بل ترك المجال أمام التأويل".
وبيّن أن الرئيس "اعتمد في استعمال الفصل الـ 80 على وجود خطر داهم، وهو من سيقدر انقضاء الخطر الداهم من عدمه. كما اعتمد في تسيير هذه الفترة على حالة الاستثناء المنصوص عليها في الدستور وحالة الطوارئ المنصوص عليها في أمر رئاسي، باعتبار أنهما مرتبطان بوجود خطر داهم وبالعودة إلى تمديد حالة الطوارئ لـ6 أشهر، أي حتى يناير/كانون الثاني 2022، ما يرجّح تمديد الحالة الاستثنائية بالتوازي إلى الفترة ذاتها".
وبحسب الخرايفي، فإن "الرئيس أمام وضعية صعبة في ما يتعلق بعمل البرلمان، نظراً للتحديات المقبلة، حيث يفترض الدستور أن تحيل الحكومة على البرلمان في 15 أكتوبر/تشرين الأول المقبل قانون المالية ومشروع موازنة عام 2022 وأن يصدّق عليها البرلمان قبل 10 ديسمبر، كانون الأول".
وأوضح أنه "إذا لم يُصدَر قانون المالية نهاية السنة، فسيُلجأ إلى صرف الموازنة بأوامر رئاسية على أقساط ثلاثية في ما يتعلق بنفقات التصرف فقط، ويتعطل بذلك نفقات التنمية".
في الشأن، رأى الخبير القانوني والدستوري أن من بين الفرضيات أيضاً أن "يعود البرلمان لمدة محدودة للنظر في قانون المالية والموازنة وإعداد قانون انتخابي جديد ويتعهد بحل نفسه بنفسه وتُوجّه الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة في 2022"، مشيراً إلى أن "هذا يشترط استقالة رئيس البرلمان راشد الغنوشي وتعويض النواب".
وأردف قائلاً: "يقوم البرلمان المقبل بانتخاب المحكمة الدستورية وبتعديل دستوري يشمل الباب الخاص بالسلطة التنفيذية لتحويله إلى نظام رئاسي صرف وفي باب سلطة تشريعية لسحب عدد من الاختصاصات ذات العلاقة بالنظام السياسي".
واعتبر الخرايفي "أنّ عودة البرلمان ستكلف سعيد الكثير من شعبيته التي اكتسبها، أخيراً"، موضحاً أنه "بمجرد استئناف أعمال البرلمان سيحبط الشارع بعد أن دعمه في حملة مكافحة الفساد، وتجرّؤه على فتح ملف القضاء وإسقاط الصفات التي كانت تخيف الناس".
ورأى أيضاً أنّ "عواقب الرجوع ستتبعها احتجاجات من جديد وربما أعمال عنف".
واستدرك قائلاً: "لكن الرئيس كرر في أكثر من مناسبة أنه لا مجال للعودة للوراء، وهذا يمكن اعتباره مؤشراً على نيّات سعيد المستقبلية"، معتبراً "أن سيناريو عدم عودة البرلمان بالتركيبة ذاتها هو الأسلم".
ورجّح الخبير أن "يلجأ سعيد إلى إعلان تعليق العمل بالدستور الحالي من خلال إصدار قانون منظم للسلطة العمومية بتغيير البندين المتعلقين بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ومنح صلاحيات أوسع في نظام رئاسي، مع الإبقاء على بقية الأبواب والفصول الخاصة بالحقوق والحريات والمبادئ العامة".
وتابع: "كذلك يمكن أن يُصدر قانوناً انتخابياً ينظم العملية الانتخابية المقبلة من أجل إجراء انتخابات مبكرة".
غير أنّ الخبير حذر من خطوة "تعليق دستور 2014 وإصدار نصوص منظمة للانتخابات وللنظام السياسي، إذ فيه مخاطرة كبيرة، وقد لا يكون محل قبول داخلي وخارجي، باعتبار أن سنّ هذه النصوص يجب أن يكون بشكل تشاركي ويحظى بإجماع غالبية الطيف السياسي والمجتمعي أو من قبل ممثلي الشعب".