تجددت التظاهرات العراقية، اليوم الأحد، بالرغم من المخاوف من عودة القمع والممارسات العنيفة لقوات الأمن والفصائل المسلحة المساندة لها، والتي انتشرت على جسري الجمهورية والسنك الرابطين بين الرصافة والكرخ، ومنطقتي الصالحية والعلاوي ومداخل المنطقة الخضراء في بغداد.
وشهدت المنطقتان توافداً كبيراً من متظاهري وناشطي محافظات وسط وجنوب البلاد، إلى حين توافد أهالي العاصمة إلى ساحة التحرير الذين كثيراً ما يتأخرون في الوصول إلى الميدان، ضمن استراتيجية عملت بها تنسيقيات الاحتجاج في مدن الجنوب بالتنسيق مع المعتصمين في بغداد.
وعلى عكس العام الماضي، حين اندلعت التظاهرات في العراق بعفوية وبدون تخطيط مسبق، يتحدث المحتجون اليوم في ساحة التحرير في الذكرى السنوية الأولى لـ "ثورة تشرين"، عن خطط وسيناريوهات مستقبلية تقود الحراك الشعبي، بعد أن اتفق عدد من الناشطين عليها آملين أن تسرّع من تحقيق المطالب. وكان من أولى الخطط هو اعتماد استراتيجية "نشر الأمل"، التي تتلخص في تفرق المتظاهرين في أكثر من منطقة ببغداد ونفس الأمر في المدن المنتفضة، كي لا يتم السيطرة على المتظاهرين وحصرهم في مكان واحد، وهي الاستراتيجية التي سيعمل على تحقيقها المتظاهرين خلال الأيام المقبلة.
وجرّاء ذلك، أصدرت قيادة عمليات بغداد، وهي الجهة العليا المسؤولية عن أمن العاصمة أوامر إلى الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية التظاهرات، بمنع حمل السلاح. وقالت القيادة في بيان إنها "أصدرت أوامر واضحة وملزمة لجميع القيادات والقطعات وبدون استثناء بمنع حمل أو استخدام الأسلحة والعتاد الحي بكافة أنواعه، في مناطق ساحات التظاهرات أو المحيطة بها، أو على المقتربات المؤدية لهذه الساحات".
وشددت على "أهمية ووجوب التعامل بأعلى درجات الحكمة والصبر والمهنية والوطنية واحترام المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة"، داعية المتظاهرين إلى "التمسك بسلمية التظاهرات والتي أثمرت وخلال سنة كاملة نتائج كبيرة ومهمة". وأكدت "أهمية المحافظة على المال العام والخاص ومنع المندسين من تغيير أو حرف مسار التظاهرات السلمية، وأهمية تعاون المتظاهرين مع القطعات الأمنية أينما وجدت، والتي تنتشر في عموم القواطع لواجبات حماية المتظاهرين والأهداف الحيوية والمال العام والخاص".
إضافة إلى ذلك، يبدو الموقف من "التنظيم" مقبولاً لدى غالبية المحتجين، بعد سلسلة الاستهدافات التي طاولت المحتجين خلال الأشهر المقبلة، بسبب غياب القيادة والخلافات على ممثلي المحتجين، وفق ما أفادت مصادر من قلب ساحة التحرير لـ"العربي الجديد".
وقالت المصادر ذاتها إن "الظروف المعقدة في المشهد الاحتجاجي تدعو المتظاهرين إلى تفويت الفرصة على المرتزقة والمتاجرين بدم الشهداء الذين قادوا الاحتجاجات إلى التيه والتبعثر"، مضيفة أنه "من خلال ذلك، تمكنت القوى الجماهيرية بتشخيص الأخطاء، ولذلك بات من الضروري التوجه نحو اختيار لجنة تنسيقية تشمل المحافظات المنتفضة". وذكرت أن هناك توافقاً أولياً على اختيار ضرغام ماجد، وهو من أهالي كربلاء، ليكون رئيساً للجنة، التي تتكفل بإدارة الحراك الشعبي، إضافة إلى توحيد الخطاب عبر تأسيس غرفة موحدة لإصدار بيانات المتظاهرين.
ولفتت إلى أنه "بضمن الخطط التي يدرسها المحتجون، اختيار أشخاص مساندين لتدعيم القرار وتوزيع المسؤوليات فيما بينهم، ثم اختيار ناطق رسمي يمثل ثورة تشرين سيتم تحديده فيما بعد، كونه موضع خلاف بين كثيرٍ من الساحات"، مؤكدة أن "هذه الخطة تهدف إلى توحيد الجهود ورصّ الصفوف، وتدعيم مطلب الكشف عن قتلة المتظاهرين، كما أنها تأتي بعد أن عصفت الفوضى في كثيرٍ من خيم المعتصمين وساحات المتظاهرين".
من جانبه، قال الناشط المدني من بغداد، علي المكدام، إنه بعد عام من القتل والقمع والاغتيال والاختطاف والتصفيات، يتوجب على المحتجين اللجوء إلى رسم سيناريوهات تحدد خطواتهم المستقبلية. ومن هذه الخطط، بحسبه، الاتجاه للتغيير من خلال صناديق الاقتراع، قائلا لـ "العربي الجديد" إن "هناك من يتحدث عن اللجوء إلى خيار العنف للتعامل مع السلطة، وهو خيار بعيد، لأن العقل الاحتجاجي في العراق، يفكر حالياً بالتنظيم والخيارات السلمية والتثقيفية". وأوضح أن "هناك جهات بدأت تعمل على التوعية بشأن العملية الانتخابية من خلال ساحات الاحتجاج".
وأردف قائلاً إن "المتظاهرين ينظرون إلى الحكومة والبرلمان، وينتظرون من هاتين المؤسستين المزيد من التقدم في إطار تحقيق المطالب الأساسية للمحتجين، وهناك من يدفع المحتجين إلى السلوك العنفي، ليستفيد سياسياً على حساب المنتفضين"، مستدركاً بالقول إن "الوعي يسيطر على الساحة حالياً، وإن المحتجين ليسوا مشاريع استشهادية أو انتحارية، كما أن أساليب الإعلام الموالي للجهات الخارجية التي تريد النيل من العراق والعراقيين باتت مكشوفة مفضوحة".
إلى ذلك، قال سكرتير اللجنة المركزية في "الحزب الشيوعي العراقي" رائد فهمي، إن "أعضاء الحزب يشاركون حالياً في احتجاجات ساحة التحرير بتوجيه حزبي وإعلان صريح، كون الحزب لا يخشى من أن يُعلن مساندته لثورة تشرين التي تمثل الإرادة الشعبية الحقيقية في وجه طغمة الفساد الحاكمة، إلا أن تنظيم المحتجين بات أمراً ضرورياً"، مبيناً في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أن "الاستعراض والمطالب والشعارات التي يرفعها المتظاهرون، تؤكد أن الجو العام للمتظاهرين لا يزال ينتظر تحقق المطالب، وأنها لا تزال ماثلة أمام الحكومة، وما تحقق منها لا يرضي المنتفضين ولا هو بمستوى حاجات البلد".
وأشار إلى أن "الإصرار في المحافظات العراقية والانكفاء واليأس الذي يشعر به المتظاهرون من أهم العوامل التي أدت إلى العام الماضي إلى اندلاع الاحتجاجات، وتؤدي اليوم إلى الاحتجاج أيضاً"، مؤكداً أن "استمرار الاعتماد على العفوية في إدارة الاحتجاج في العراق، هو أمر يؤدي إلى سقوط ضحايا وضياع في استحصال الحقوق".
وختم بالقول "لا بد من تنظيم المتظاهرين لأنفسهم، لأن الانتفاضة العراقية تمثل معركة ضد قوى الفساد الحاكمة، وتحتاج إلى تكتيك في الحركة".