مع حلول الذكرى الـ48 لنصر 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، أمس الأربعاء، تسود تساؤلات في سيناء حول مصير المنطقة، خصوصاً بعد ما مرّت به طيلة نحو ثماني سنوات من المعارك وإراقة الدماء والتهجير والإخلاء وسحب الأراضي والممتلكات وحظر التجول وتعطيل الأعمال وأزمات المرافق، بحجة "الحرب على الإرهاب". مع العلم أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يؤكد باستمرار أنه كان بإمكانه القضاء على "الإرهاب بسرعة فائقة، وفي بضع ساعات لولا حرصه على حياة أهل سيناء". ومع عودة البرلمان للانعقاد مطلع الأسبوع الحالي عرضت الحكومة عليه قراراً جمهورياً يفرض بعض التدابير على كل مناطق شبه جزيرة سيناء. وبدا الأمر خلال العرض وبعده في التعامل الإعلامي المحلي مع صدور القرار، وكأنه تجديد لتلك التدابير التي تتخذ بقرار من رئيس الوزراء كل ثلاثة أشهر في شمال شرقي سيناء، بناء على حالة الطوارئ التي يمددها السيسي على مستوى الجمهورية.
أصبح وزير الدفاع بمثابة الحاكم الأعلى لسيناء متجاوزاً صلاحيات الحكومة
لكن القرار عملياً هو الأول من نوعه الذي يفوّض فيه السيسي وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي فرض عشرة تدابير استثنائية وقتما يشاء، بناء على توجيهات الرئيس نفسه، على مستوى كل مناطق شبه جزيرة سيناء، وليس فقط في شمال شرقها، الذي يشهد ذروة المعارك الدائرة مع العناصر المسلحة بل وسيطرتهم على بعض المناطق العصية حتى الآن على تحكم الجيش. بالتالي يحوّل القرار شبه الجزيرة بالكامل لمنطقة أقرب إلى الطبيعة العسكرية، من الناحيتين القانونية والواقعية، فوزير الدفاع أصبح بمثابة الحاكم الأعلى لها، وله من السلطات والصلاحيات ما يفوق رئيس الوزراء والمحافظين. وسيترتب على تلك التدابير آثار أخرى، مثل تطبيق قانون حماية المنشآت العامة والحيوية على كل تلك المناطق، مما يسمح بإحالة المدنيين المخالفين للتعليمات للمحاكمات العسكرية بعيداً عن القضاء المدني، إلى جانب تحصين القرارات الصادرة بموجب تلك التدابير من رقابة القضاء.
وبموجب القرار أصبح من حق وزير الدفاع إصدار قرارات حظر التجول، وتحديد مواعيد فتح المحلات العامة وإغلاقها، وإخلاء بعض الأماكن أو المناطق، وحظر الإقامة أو الاقتراب أو التردد على أماكن معينة، وحظر استخدام وسائل اتصال معينة، أو غيرها من تقنيات البحث عن الأشخاص والمنشآت أو منع حيازتها. وبات أيضاً من حق الوزير حظر حيازة الأسلحة النارية المرخّصة، وحظر حيازة أجزاء الأسلحة النارية وكواتم أو مخفضات الصوت والتلسكوبات المعدة لتركيبها للأسلحة النارية، فضلاً عن حظر سير الدراجات البخارية ومركبات الدفع الرباعي أياً كان نوعها. ومن صلاحيات الوزير أيضاً حظر استخدام المواطنين والأجانب للطائرات المسيّرة "درون" سواء بتصريح أو من دونه، وحظر تداول المواد ثنائية الاستخدام والتي تستخدم في صناعة المواد المتفجرة.
وبدا لافتاً أن هذه الاختصاصات تفوق بكثير ما يملك رئيس الوزراء نفسه اتخاذه، كما أن تفويض وزير الدفاع لاتخاذها يعتبر التفافاً على المادة 53 من قانون "مكافحة الإرهاب" الذي أصدره السيسي نفسه عام 2015. وتجيز تلك المادة لرئيس الجمهورية حصراً اتخاذ مثل تلك التدابير حفاظاً على الأمن والنظام العام، ولكن من دون تفويض لأحد، بشرط الحصول على موافقة مجلس النواب، وهو ما لم يشر إليه القرار الجديد من قريب أو بعيد، الذي منح وزير الدفاع حق فرض حظر التجول في المناطق ومواعيده وحدوده حتى يرتئي رفع حالة الحظر، بقرار منه أيضاً، وبغض النظر عن قيام حالة الطوارئ أو عدمه.
وكذلك نص القرار على أن "تتولى القوات المسلحة معاونة هيئة الشرطة والتنسيق الكامل معها، ولها اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمواجهة إخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن، وحماية الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين، ولها اتخاذ إجراءات التحفظ والقبض والتفتيش وضبط الأشياء". وتعني هذه البنود إحالة جميع المضبوطين والمتهمين في تلك الوقائع إلى النيابة العسكرية فور ضبطها، وعدم اختصاص الشرطة والنيابة العامة بتلك الإجراءات.
ويعكس اتساع التفويض جغرافياً ليشمل سيناء بالكامل وقانونياً ليتضمن كل هذه الاختصاصات المسندة لوزير الدفاع، ما هو أكثر من مجرد تهيئة الأوضاع لشن حملة عسكرية واسعة ضد عناصر تنظيم "ولاية سيناء" في منطقة محدودة ومعروفة. ويُعدّ محطة إضافية في سلسلة القرارات المتتالية، مثل إعادة تخصيص المساحات المملوكة للدولة كملكية خاصة في كل مناطق سيناء، من رفح والشيخ زويد وبئر العبد إلى أقصى الغرب بمحاذاة قناة السويس، لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع مباشرة لوزير الدفاع، بدعوى الاستصلاح والاستزراع. كما أن القرار الجديد يتمّم مسار تنفيذ الجيش لمشاريع عدة أدّت لتهجير آلاف السكان من سيناء على مدار السنوات السبع الماضية، منذ الشروع في المنطقة العازلة برفح، ثم توسيع حرم مطار العريش وحرم ميناء العريش، بإخلاء كل تلك المناطق من المنازل والمصانع، ليصبح جزء كبير من مدن محافظة شمال سيناء خالياً من السكان، ومناطق عسكرية تابعة للجيش المصري بشكل مباشر.
يُخشى من وجود روابط بين تغيير طبيعة سيناء و"صفقة القرن"
وإلى جانب الغموض المفروض على أهداف تلك الأنشطة مع إطالة أمد "الحرب على الإرهاب" وغياب الشفافية في ما يتعلق بأسباب الفشل في القضاء على تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم "داعش"، يُخشى من وجود روابط بين إصرار النظام الحاكم على تغيير الهوية المجتمعية والتركيبة السكانية لسيناء وبين المخططات التي سبق وتضمنها الشق الاقتصادي من مشروع "صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) الذي روّجت له الإدارة الأميركية السابقة. وكان من بين المشروعات إقامة مجتمعات صناعية وزراعية لتشغيل الفلسطينيين في شمال سيناء، بدعم مالي مباشر للقاهرة.
كما ترتبط هذه الممارسات بالتوسع المستمر للجيش المصري في السيطرة على مشروعات الاستثمار الناجحة والمتعثرة في سيناء، في مختلف المجالات، لا سيما بعد عام من صدور القانون 127 لسنة 2020 بتعديل قانون التنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء والذي تضمن نقل تبعية جهاز تنمية سيناء بالكامل من رئاسة مجلس الوزراء إلى وزارة الدفاع. بالتالي يكون الوزير هو صاحب القرار الأول والأخير في كل مناطق التنمية بسيناء، لأنه يختار ويعين رئيس مجلس إدارة الجهاز ويحدّد أعضاءه.
وبموجب هذا القانون أصبحت لوزير الدفاع الكلمة الأخيرة في تحديد مناطق التنمية الشاملة المتكاملة بسيناء والتي تقام فيها المشروعات القومية، فضلاً عن سيطرته على القرارات المنفذة لما تم تحديده من هذه المناطق، بالتنسيق مع المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة. وتتضمن تلك القرارات القواعد والإجراءات الواجب إتباعها لإقامة تلك المشروعات، فضلاً عن حظر التملك أو الانتفاع أو الإيجار أو إجراء أي نوع من التصرفات في الأراضي والعقارات الواقعة في المناطق الإستراتيجية ذات الأهمية العسكرية، والمناطق المتاخمة للحدود، على أن يكون استغلالها طبقاً للضوابط والقواعد التي يصدر بموجبها قرار من وزير الدفاع، كما يُمنع التصرّف بالجزر الواقعة بالبحر الأحمر والمحميات الطبيعية والمناطق الأثرية وحرمها.