أكد سياسيون تونسيون أن زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى ليبيا كانت في مجملها إيجابية وجاءت في توقيت مناسب، ولكن هذه الزيارة، وعلى أهميتها، كانت جدواها ستكون أكبر لو كان البيت السياسي الداخلي في تونس في وضعية أفضل، وخاصة العلاقة بين الرئاسات الثلاث والفاعلين السياسيين، حيث كان بالإمكان ساعتها الإعلان عن قرارات تاريخية ومصيرية.
وأكد الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن من إيجابيات هذه الزيارة أنها تمت في ظروف طيبة، وأن الرئيس ركّز أخيراً على ملف مصيري، وكان أول رئيس دولة يزور ليبيا، وفي ذلك تدارك للنقائص التي حصلت في الملف الليبي، حيث كانت تونس هي الغائب الأبرز في التسويات التي حصلت مؤخراً في ليبيا، مشيراً إلى أن البلدين يمثلان امتداداً لبعضهما البعض أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وإقليمياً، والمستقبل بينهما مرتبط بتطور العلاقات.
وتابع الشابي أن زيارة سعيّد تأتي لربط العلاقات مجدداً مع ليبيا وتدعيمها، وليس منتظراً أن تكون هذه الزيارة زيارة عمل حقيقية، بل هي بمثابة تمهيد للحكومة التونسية لكي تبادر وتبحث في أفق التعاون وفي إعادة إعمار ليبيا، وبالتالي هي زيارة رمزية، والرئيس قام بما يتطلب منه وهي المبادرة، مؤكداً أن الزيارة هدفها ربط جسور التعاون، والأهم هو النأي بالملف الليبي عن التجاذبات الداخلية التونسية، فلا يمكن لأي طرف توتير هذه العلاقات، وليس من مصلحة أي طرف ذلك؛ لأن العلاقات الخارجية من مصلحة تونس وشعبها، وبالتالي هي لا تدخل في الرصيد الانتخابي ولا في المعركة بين الأطراف السياسية.
وقال الشابي إنه في ظل الأزمة الخانقة التي يشهدها الاقتصاد التونسي فإن ليبيا هي هبة السماء لتونس، واستقرار ليبيا جاء في توقيت حساس، فإما حسن استثماره بما فيه فائدة الشعبين أو العكس، مضيفاً أنه إذا تم إدخال العلاقات في حرب النفوذ السياسي فإنه ستتم إضاعة فرصة مهمة على الاقتصاد التونسي.
وأكد النائب عن حركة النهضة، محمد القوماني، أن زيارة سعيد إلى ليبيا رغم إعلانها بصورة مفاجئة وفي سياق عدم تنسيق بين مراكز السلطة خاصة، وأن رئيس الحكومة كان يستعد بدوره لترتيب زيارة إلى ليبيا؛ فإنه وبقطع النظر عن البيت الداخلي وشبح الأزمة السياسية، فإن الزيارة إيجابية في مجملها، فهي لتهنئة الأشقاء بما توصلوا إليه من اتفاق تاريخي ومن حل سياسي سلمي، سيفضي إلى انتخابات تنتج سلطة شرعية، وهو ما يسعد تونس بنهاية الحرب الأهلية التي كانت تهدد ليبيا، ولأن الديمقراطية في ليبيا تعزز الديمقراطية التونسية وتعزز المسار المشترك للشقيقتين.
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن سعيد هو أول رئيس جمهورية يصل إلى طرابلس ويهنئ الليبيين، وهذا مهم بحكم التقارب الجغرافي والتاريخي، ويحسب لصالح تونس من الناحية الرمزية والتاريخية، مبيناً أن الزيارة سياسية بامتياز رغم أنها كانت لبضع ساعات، ولكنها أدت وظيفتها وستفسح المجال لزيارة عمل رسمية لرئيس الحكومة والوفد المرافق له ولرجال الأعمال، للتعاون وإعطاء إشارة العمل وإعمار ليبيا وعودة النشاط البيني.
وبين القوماني أن الزيارة تلافت الضعف الذي عانت منه الدبلوماسية التونسية، حيث إنها لم تكن في الخطوط الأولى ولكنها كانت أول المهنئين رسمياً، مشيراً إلى أنه يؤمل ألا تفسد المناكفات السياسية أهمية هذا الحدث المهم.
من جهته، رأى المختص في الشأن الليبي، مصطفى عبد الكبير في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الزيارة ككل مهمة، وجاءت في توقيت مناسب وتضمنت رسائل للداخل والخارج، من بينها أن تونس تبارك الحل السلمي في ليبيا، والمسار السياسي الذي سينتهي بانتخابات، وهي رسالة للتونسيين أيضاً، مفادها أن تونس كانت سباقة لتهنئة الشعب الليبي بالحل الذي توصلت إليه الشقيقة، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن رسالة سعيّد كانت أيضاً لجميع الأطراف السياسية، بما معناه أنه مهّد الطريق، وما على المنظمات الوطنية سوى التعاون لأن المجال الآن مفتوح، وهي رسالة لرئيس الحكومة والمسؤولين بالانطلاق في شراكات مع الليبيين.
وأضاف عبد الكبير أن زيارة أعلى هرم للدولة إلى ليبيا رغم الظرف الدقيق؛ إيجابية. وأن تونس مع دولة مدنية وليس مع عسكرة ليبيا، مؤكداً أن الرئيس أشار إلى الجالية التونسية المفقودة في ليبيا، ومنها الصحافيان نذير وسفيان، إضافة إلى 23 مفقوداً من بينهم امرأة، وهذا مهم لأن هناك تونسيين في ليبيا، وبالتالي وضع سعيّد العناوين الكبيرة وأهم النقاط في هذه الزيارة التاريخية، ووضع حجر الأساس لانطلاق التعاون مع الحكومة الجديدة.
ولاحظ عبد الكبير أن الزيارة كانت لتكون أفضل لو ذهب رئيس الجمهورية إلى ليبيا، والوضع في الداخل أكثر توافقاً وانسجاماً مع الحكومة والبرلمان، وساعتئذٍ سيكون قادراً على اتخاذ قرارات وإعلان خطوات تاريخية، فالمتأمل في خطاب سعيّد يرى أن الكلمة عامة، واقتصرت على التهنئة، حيث لم يعد سعيّد الليبيين بأي قرار كتسهيل حركة العبور، أو إعفاءات ضريبية، أو تسهيل الإقامات، أو تشجيع المستثمرين في تونس؛ لأن هذا ليس من صلاحياته وهي من مشمولات وزارات تعود لرئاسة الحكومة، التي تعصف بعلاقاتها مع الرئيس أزمة حادة.