تواجه عراقيلُ عدّة الخطوات التركية الهادفة إلى تأمين الطريق الدولي "أم 4"، الذي يربط بين الساحل السوري، غربي البلاد، ومدينة حلب، ويعبر من محافظة إدلب، شمالي سورية. وبرزت العقبات بعد لجوء الجيش التركي إلى تركيب كاميرات مراقبة على هذا الطريق، تمهيداً كما يبدو لفتحه أمام حركة المرور. وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن مسلحين مجهولين استهدفوا بقذيفة، مساء أول من أمس الإثنين، مقرّاً عسكرياً لـ"فرقة السلطان مراد"، التابعة لـ"الجيش الوطني السوري" (قوات المعارضة السورية)، يقع في بلدة التوامة في ريف حلب الغربي، على بعد مئات الأمتار من نقطة مراقبة تركية. وكان جنديان تركيان قد أُصيبا الأحد الماضي، في نقطة حراسة على طريق "أم 4" في ريف إدلب الغربي، نتيجة استهداف النقطة من قبل مجهولين كانوا يستقلون درّاجة نارية. وأكدت المصادر أن الجيش التركي شرع منذ أيام في تركيب كاميرات مراقبة على طول الطريق، مشيرة إلى أن الكاميرات وضعت بالقرب من نقاط الحراسة في محيط مدينتي أريحا وجسر الشغور وبلدتي الكفير وأورم الجوز، موضحة أن نحو ثلاثة كيلومترات تفصل بين كلّ كاميرتين. وكان الجيش التركي قد نشر في بداية العام الحالي نقاط حراسة إسمنتية على طول الطريق، لحمايته من التفجيرات التي يُعتقد أن مجموعات متطرفة تعارض التفاهمات التركية - الروسية في شمال غربي سورية تقف وراءها.
وضع الجيش التركي أخيراً كاميرات مراقبة على طريق "أم 4"
وحول ذلك، أشار العقيد مصطفى البكور، القيادي في فصائل المعارضة السورية في الشمال الغربي من سورية، إلى "وجود قوى غير راضية عن الاتفاق الروسي التركي، وعن وجود الأتراك في الشمال السوري". وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "من هذه القوى نظام بشار الأسد، لذلك فمن الطبيعي أن تقوم بالتعبير عن عدم رضاها باستهداف النقاط والدوريات التركية". وأعرب البكور عن اعتقاده بأن عمليات الاستهداف يمكن أن تستمر "في ظلّ شعور الناس بالنقمة والإحباط بسبب استمرار النزوح والتهجير والمأساة، وعدم وجود أفق حقيقي للحلّ في سورية".
وكانت قوات النظام، وتحت غطاء جوي روسي، قد عمدت إلى تهجير أكثر من مليون مدني من أرياف إدلب وحلب، وذلك في أواخر العام 2019، وبدايات العام الماضي، إثر سيطرتها على مدن وبلدات كبرى في الشمال السوري، أبرزها خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب، وغيرها. وتوزع هؤلاء المدنيون في مخيمات في ريف إدلب الشمالي، وفي منطقة عفرين الواقعة في ريف حلب الشمالي الغربي، وفي منطقة "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي، وهم يعيشون في ظروف معيشية تكاد تصل إلى حدود الكارثة وسط انعدام الأمل بعودة قريبة لهم إلى ديارهم. كما أن التفاهمات الروسية - التركية لم تبد أيّ اهتمام بمأساتهم.
وفي السياق، رأى الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية عرابي عبد الحي عرابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لم تُعرف حتى اللحظة الجهات التي تقف وراء استهداف الأتراك في الشمال الغربي من سورية". ولفت عرابي إلى "وجود خلايا متطرفة تعلن أحياناً عن مسؤوليتها، مثل خلية أبو بكر الصديق، أو كتائب خطاب الشيشاني، التي أعلنت مسؤوليتها عن عمليتين سابقاً ثم اختفت". وأعرب الباحث عن اعتقاده بأنه "من الممكن أن يكون النظام هو الذي يقف خلف هذه العمليات، لخلط الأوراق والضغط على الجانب التركي للتنازل في ملفات أخرى". وأشار إلى أن "جهات متطرفة ربما تهدف إلى بعث رسائل للجانب التركي، لتخفيف الضغط عنها في الشمال الغربي من سورية".
ويحكم اتفاق موسكو المبرم بين الروس والأتراك، الوضع في الشمال الغربي من سورية، وذلك منذ مارس/ آذار الماضي. وأرسى هذا الاتفاق دعائم وقف لإطلاق النار، وقد تعرض مرّات عدة لخرق من قبل النظام والجانب الروسي، من دون أن ينهار، وسط حرص أنقرة وموسكو على استمراره. ورسم الاتفاق، الذي كان الطرفان قد توصلا إليه إثر معارك طاحنة شهدها الشمال الغربي من سورية أوائل عام 2020، خطوط السيطرة بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية التي لا تزال تحتفظ بمناطق عدة في جنوب الطريق الدولي "أم 4".
قوى عديدة مستاءة من الاتفاق التركي الروسي وتحاول عرقلته
وكان الجيش التركي قد استكمل، أواخر الشهر الماضي، إنشاء نقاط تمركز على خطوط التماس مع قوات النظام في محافظة إدلب، حيث نشر نقاطاً في منطقة قسطون، في سهل الغاب، في ريف حماة الشمالي الغربي، وفي كدورة ورويحة، القريبتين من مدينة معرة النعمان، ودير سمبل، وفي قرية البارة القريبة من بلدة كفرنبل، إضافة إلى نقاط بيلون وتل بدران وكنصفرة، التي تكشف جزءاً من سهل الغاب. وينشر الجيش التركي آلاف الجنود في أكثر من 50 نقطة تمركز وقاعدة في عموم محافظة إدلب.
وكانت دوريات ونقاط مراقبة تركية قد تعرضت لهجمات عدة خلال العام الماضي من مجموعات متشددة تنتشر في مناطق متفرقة من محافظة إدلب، وخصوصاً في ريفها الغربي، وهو ما أعاق إلى حد بعيد تنفيذ بنود اتفاق موسكو، خصوصاً لجهة استعادة الحركة على طريق "أم 4"، والذي كان الجانب الروسي يعوّل عليه في تنشيط اقتصاد النظام المتهالك. وتسيطر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، على جلّ محافظة إدلب، بينما تنتشر فصائل المعارضة السورية المنضوية في "الجبهة الوطنية للتحرير" في بعض المناطق وعلى خطوط التماس مع قوات النظام، والمليشيات المحلية والإيرانية تساندها.