يعيش عدد من مناطق سيطرة النظام السوري في ظل فوضى أمنية كبيرة نتيجة انتشار المجموعات والعصابات المسلحة المتنافسة في ما بينها، والتي يتبع بعضها لأجهزة النظام الأمنية، وتكاد تغيب الأخيرة عن المشهد في كثير من الأحيان، إذ يرى ناشطون أنه غياب ناتج عن عجز وتقصير كما هو الحال في الساحل السوري، أو متعمد بهدف تعميق الفوضى، مثل الوضع في الجنوب السوري.
وذكر مصدر محلي في محافظة اللاذقية، لـ"العربي الجديد"، أن مدينة القرداحة، مسقط رأس عائلة الأسد الحاكمة في سورية، تشهد توترات بعد إقدام مجموعة مسلحة تتبع لسليمان هلال الأسد، على قتل عنصر في دورية أمنية ينتمي أيضاً لمجموعة أخرى منافسة تتبع لبديع الأسد.
وأعلن سليمان الأسد عبر حسابه في "فيسبوك"، أنه موجود حالياً في لبنان، ولا يُعرف إن كان هرب من سورية بعد مقتل العنصر المذكور، أم بات مطلوبا من جانب النظام، حيث بث قبل 3 أيام تسجيلاً مصوراً على حسابه في "فيسبوك" وهو في طريقه إلى لبنان.
وسليمان هو ابن هلال الأسد، ابن عم بشار الأسد، مؤسس مليشيا "الدفاع الوطني" في اللاذقية، الذي قُتل في مارس/ آذار 2014 وسط ظروف غامضة.
وبحسب صفحات محلية موالية، فإن الأحداث بدأت قبل 4 أيام، حين حاولت مجموعة من الأمن الجنائي محسوبة على آل الأسد، فض اشتباكات، بين مجموعتين إحداهما تابعة لسليمان الأسد وشقيقه محمد، وأخرى تابعة لابن عمهما باسل غياث الأسد، في قرية قروصو بريف القرداحة، وذلك على خلفية محاولة اعتقال محمد شقيق سليمان قبل أيام، وسط منافسة بين أفراد عائلة الأسد للسيطرة على عمليات التهريب وتجارة السلاح.
وذكر موقع "ويكيليكس سوريا" أن سليمان الأسد هاجم الدورية الأمنية بعدد من الأسلحة، منها صواريخ "لاو" ورشاشات متوسطة، ما خلف عدداً من الجرحى، ثم هاجم منزل قريبه بديع الأسد، الواقع بالقرب من "ضريح حافظ الأسد"، لأنه اعتبره مسؤولاً عن اعتقال أخيه محمد، ما أسفر عن مقتل جعفر سلهب (25 عاما)، وهو ينتمي إلى جماعة بديع الأسد، وغادر بعدها سليمان سورية متوجها إلى لبنان مهدداً بعودة قريبة وتصفية بعض الحسابات مع ضباط من فرع الأمن الجنائي وغيرهم في مدينة القرداحة، وفق الموقع.
وكتب سليمان في منشوره على "فيسبوك" عبارة: "نحنا رجال ولاد رجال لا نخشى شيئاً في الأرض".
وكانت سلطات النظام قد أفرجت عن سليمان الأسد أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بعد اعتقاله مطلع آب/أغسطس 2015، على خلفية قيامه بقتل ضابط كبير في قوات النظام بسبب خلاف مروري في شوارع مدينة اللاذقية آنذاك.
فوضى أمنية في السويداء
كما تعيش محافظة السويداء جنوبي سورية فوضى أمنية عارمة نتيجة الغياب المتعمد لسلطات النظام الأمنية، حيث تنتشر مجموعات مسلحة تتولى تطبيق القانون بيدها بعيدا عن النظام وأجهزته الأمنية والقضائية، فيما وصف ناشطون في السويداء ما يجري بأنه أشبه بشريعة الغاب، حيث يأكل القوي حق الضعيف.
ورصدت شبكة "السويداء 24" المحلية قيام مجموعات مسلحة في السويداء بملاحقة "المطلوبين" مثل سارقي السيارات، ومروجي المخدرات الصغار، حيث أخذت تلك المجموعات "دور القاضي والجلّاد، وتبث يوميا مقاطع فيديو لأشخاص مُنهكين من الضرب والتعذيب، يُدلون باعترافات عن سرقة سيارة، أو بيع المخدرات".
وأوضحت الشبكة أن بعض المعتقلين تسلمهم تلك المجموعات لفرع الأمن الجنائي التابع للنظام بعد "التحقيق معهم"، ما يشير إلى "تنسيق عالي المستوى مع الأجهزة الأمنية"، والقسم الآخر يتم الإفراج عنه بعد إعلان "توبته"، مشيرة إلى أن المشاهد التي تبثها تلك المجموعات المدعومة من شعبة المخابرات العسكرية، و"رغم كل ما تحمله من إمعان في الإذلال والتعذيب والإهانة، إلا أنها تلقى رواجاً وتفاعلاً وحتى تأييداً، من شريحة كبيرة ممن ضاقوا ذرعاً بحالة الانفلات الأمني، في حين تبدو الأصوات المناهضة لممارسات تلك المجموعات ضعيفة في ظل صمت وذهول من غالبية الزعامات الاجتماعية والجماعات الأهلية، حتى صفحات الإعلام المحلية التي تخشى انتقام تلك المجموعات".
ولفتت "السويداء 24"، إلى أنه حتى قائد الشرطة ورئيس فرع الأمن الجنائي وهما أكبر ممثلين لوزارة داخلية النظام في السويداء، "لم يسلما من الخطف والتركيع والتصوير".
"السويداء 24": حتى قائد الشرطة ورئيس فرع الأمن الجنائي، وهما أكبر ممثلين لوزارة داخلية النظام في السويداء، "لم يسلما من الخطف والتركيع والتصوير"
واعتبرت أن ما يحصل هو "رسالة واضحة وصريحة من السلطة الأمنية، مفادها إعادة المجتمع إلى قفص الرعب الأمني، والتلذذ بالانتهاكات بطريقة غير مباشرة. وكل من يدّعي أن تلك السلطة عاجزة عن إيجاد حلول واهم".
ولفتت إلى أن النظام أرسل أكثر من ألفي عنصر أمن إلى السويداء عندما خرجت مظاهرات تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية في فبراير/ شباط الماضي، إضافة إلى العملية الأمنية التي نفذتها السلطة ضد إحدى المجموعات المسلحة في قرية خازمة، مطلع الشهر الجاري، حيث قتلت قائد المهام الخاصة في فصيل "قوة مكافحة الإرهاب" سامر الحكيم.
وعلى خلفية الحادثة، حمّل الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين (الدروز) رؤساء الأفرع الأمنية في السويداء مسؤولية ما يجري في المحافظة، متهماً إياهم بـ"زرع الشقاق داخل البيت الواحد"، وطالب بعزلهم من مناصبهم، بينما لم يصدر أي تعليق من النظام حول الحادثة، إلا أنها تعكس مساعيه في استئصال القوى المعارضة له أو التي تعمل خارج إطار التنسيق مع أجهزته الأمنية.
فوضى "متعمدة"
ورأى الناشط سامر محيثاوي في حديث مع "العربي الجديد"، أن حالة الفوضى الأمنية التي تعيشها المحافظة متعمدة من جانب النظام، الذي تعامل مع الاحتجاجات في السويداء بطريقة مختلفة عن بقية المحافظات، فلم يلجأ إلى القمع الأمني بسبب الحساسية الطائفية، وعمد إلى ترسيخ حالة الفوضى والانفلات الأمني من خلال تحييد دور القضاء وإطلاق يد الأجهزة الأمنية، ودعم مليشيات مسلحة متورطة في الانتهاكات وعمليات الخطف والقتل.
واتهم محيثاوي الأجهزة الأمنية وإيران بتغذية الفوضى في السويداء، حيث جميع المجموعات المسلحة تحمل بطاقات أمنية من شعبة المخابرات العسكرية وتحصل على المال والحماية منها.
كما تعيش محافظة درعا المجاورة فوضى أمنية مشابهة، حيث لا يكاد يمر يوم دون حصول عملية اغتيال أو خطف، يعتقد أيضا أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري تقف خلف معظمها.