سنة أولى حرب: فشل روسي وعدم انتصار أوكراني

28 فبراير 2023
جندي أوكراني في باخموت، السبت الماضي (سيرغي نوجنينكو/رويترز)
+ الخط -

مرّ العام الأول من الحرب الروسية على أوكرانيا من دون نتائج ذات قيمة سياسية أو ميدانية، ولم تحقق موسكو حتى الحد الأدنى من الأهداف التي طرحتها، بل فشلت في ذلك بفضل الدعم الغربي الذي تلقته كييف.

وجاءت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى العاصمة الأوكرانية في 20 فبراير/ شباط الحالي، كي تجدد التزام واشنطن وحلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي بمواصلة الوقوف إلى جانب أوكرانيا في حربها الدفاعية لصد الهجوم الروسي، الذي تصاعد في الأيام الماضية من خلال سبعة خطوط في الشرق.

ولا يبدو أن موسكو في وارد التراجع عن مواصلة الحرب، وكان خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالذكرى السنوية للحرب، الثلاثاء الماضي، صريحاً لجهة استمرار المواجهة مع الغرب في أوكرانيا، لمنعه من تحقيق هدف "تدمير روسيا إلى الأبد"، على حد تعبيره. في هذا الوقت، لم تعد الحرب، على الرغم من شراستها، وهي تدخل عامها الثاني، بالزخم نفسه الذي بدأت به.

وعلى الرغم من عدم اعتراف الطرفين بالحجم الفعلي لما لحق بهما من أضرار، فإن أطرافاً محايدة تؤكد أن الخسائر كبيرة في البلدين، على مستوى الأرواح والماديات. راوحت الحرب في الشهرين الأخيرين على جبهة دونباس (تضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك) وفي منطقة باخموت في الشرق، ولم تسفر الهجمات الروسية والأوكرانية المضادة عن تحقيق إنجازات مهمة لأي من الطرفين، على الرغم من أن روسيا حشدت عدداً كبيراً من الجنود وزجت مليشيات "فاغنر" بقوة كبيرة تراوح بين 40 و50 ألف مقاتل.

استعداد أوكرانيا لهجوم نوعي

الطرف الأوكراني استطاع حتى الآن احتواء الهجمات الروسية الكبيرة، وهو يستعد لهجوم نوعي خلال الفترة القريبة المقبلة، ولذلك يجهز لهذا الأمر منذ عدة أشهر وحصل على أسلحة جديدة، وأنهت بعض القطعات تدريبات على يد خبراء أميركيين في ألمانيا.

يوحي البطء الغربي في تسليم أوكرانيا دبابات "ليوبارد" الألمانية بأن هناك حالة فتور غربية في تسليح هذا البلد، من أجل خوض معارك تحقق انتصارات تؤثر على مجريات الحرب، ولكن التعهدات الأميركية والأوروبية والأطلسية تنفي ذلك، وتقر بوجود صعوبات كثيرة.

أولى الصعوبات تكمن في الفارق بين تعداد كل من الجيشين الروسي والأوكراني، ففي حين زجت روسيا بأكثر من 100 ألف جندي في البداية على الجبهة الأساسية من جهة الشمال، كان عدد أفراد الجيش الأوكراني لا يتجاوز هذا الرقم، وقد تزايد حجم الجيش الروسي بفضل عمليات التعبئة ليتجاوز ضعفي نظيره الأوكراني.


طلب الغرب من أوكرنيا عدم القتال للمحافظة على مناطق ساقطة عسكرياً

ويشكل التعداد سلاحاً ذا حدين، فهو يعطي نتيجة إيجابية، إذا كانت القوات مدربة بشكل جيد، وينعكس سلباً في حال كان سيئ التدريب. وهذا ينطبق إلى حد ما على الجيش الروسي، الذي بدأ يتحسن وضعه منذ ثلاثة أشهر بفضل عاملي إعادة الهيكلة، والاستعانة بمليشيات "فاغنر"، التي زجت بفرق من المرتزقة نصفهم من الروس، والنصف الآخر من جنسيات أجنبية.

تم إدخال "فاغنر" إلى المعركة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وتسلمت جبهة باخموت لتشكل رأس حربة للجيش النظامي، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة في صفوفها، فإن النتائج التي تحققت متواضعة ميدانياً، فقد استطاعت فتح طريق في عمق الجبهة، ولكن الطرق الالتفافية بقيت بيد القوات الأوكرانية.

التصريحات التي أطلقها مؤسس "فاغنر" يفغيني بريغوجين ضد وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسموف ذات مغزى أبعد من ذريعة نقص القذائف، إلى التنافس بين جيش المرتزقة الذي يقوده والجيش النظامي، لأن نقص الذخيرة ينسحب على جميع القوات، وهذا ما تحاول روسيا أن تعوضه من الصين وإيران.

كلاهما لم يحقق تقدماً مهماً، ولكن الفشل الذي لحق بالجيش الرسمي كبير، والدليل على ذلك هو أنه غيّر قيادة العمليات خمس مرات خلال عام. والبداية كانت مع رئيس الأركان، ومن ثم تم نقل المهمة وتكليف أربعة جنرالات آخرين، قبل العودة من جديد إلى رئيس الأركان في الشهر الماضي.

تقوم العقيدة القتالية الروسية على تحقيق الهدف بغض النظر عن الخسائر، ولذلك تعتمد القوات الروسية سياسة "الموجات المتتالية". يخسر الروس الكثير من الأفراد من أجل السيطرة على تلة صغيرة. وتبين أن هناك تدنياً في كفاءة الجيش الروسي لا يقتصر على الجنرالات الكبار فقط، وهذا يفسر سر اللجوء إلى "فاغنر" التي جندت مجرمين من السجون بعقد مدته ستة أشهر من بعده تنتهي مدة محكوميتهم.

الصعوبة الثانية تتعلق بنوعية الأسلحة والذخائر وأنظمة القتال التي يعتمدها الجيش الأوكراني، ويصل عددها إلى 12 نظاماً بسبب تنوع الأسلحة بين شرقية وغربية من جهة، وغربية مختلفة من جهة أخرى، مثل الأميركي والألماني والبريطاني والفرنسي. ولم يكن استيعاب هذه المسألة سهلاً، وتحتاج القوات الأوكرانية إلى تدريب وممارسة حتى يمكنها استعمالها.

والمسألة الثالثة التي أثرت سلباً على أداء الجيش الأوكراني هي الحسابات غير المبنية على دراسات دقيقة، بل على تقديرات وتوقعات، وهذا أمر كان له ضرره لأنه قاد إلى فتح جبهات لم تكن لها الأولوية، واستنفدت جهداً كان يمكن صرفه في مواقع أشد أهمية.

وعلى هذا الأساس جرى التحذير من استمرار القتال للاحتفاظ بمنطقة باخموت، التي يدور القتال حولها منذ حوالي شهرين، ومن المرجح أن الجيش الأوكراني سينسحب منها من دون تحقيق أي فائدة، في ظلّ الحديث عن هجوم مرتقب يجري التحضير له ليتم قريباً.

تتركز نصائح الخبراء العسكريين الغربيين للجيش الأوكراني على عدم القتال من أجل الاحتفاظ بمناطق ساقطة عسكرياً، وعدم شن هجمات تتطلب الكثير من العتاد والأعداد والذخائر، والتركيز على استراتيجية استنزاف الجيش الروسي، وبذلك يخسر أكثر على المدى البعيد.

وفي جميع الأحوال، يبدو أن أخطاء العام الأول غير قابلة للتكرار في العام الثاني في ظل تطورات حاسمة ستشهدها الحرب، ولهذا السبب تجري استعدادات عسكرية وسياسية، وهذا ما يفسر زيارة بايدن لكييف ووارسو وبوخارست، وخطاب بوتين الذي جاء في صيغة تعبوية، ويعبر عن تصعيد غير محسوب من خلال تعليق عضوية روسيا في معاهدة الحد من الأسلحة النووية.

تتلخص النتيجة العسكرية حتى الآن بفشل عسكري روسي وعدم انتصار أوكراني، ومن المرجح أن تحصل ثلاثة تطورات مهمة في مسار الحرب، ما يسرع من وتيرتها ويجعلها أكثر شراسة. وهذا أمر يتسابق من أجله الطرفان المتحاربان، فكل منهما لن يوقف القتال من دون إلحاق هزيمة بالخصم.

ليس هناك في الأفق مجال لتسوية سياسية وسط بين الطرفين، وتبدو الهزيمة قاسية على كل منهما، ويصعب تقبلها بسهولة، وهي تعني بالنسبة لروسيا ضربة لبوتين شخصياً، صاحب قرار الحرب. أما بالنسبة لأوكرانيا فهي تعني التنازل عن جزء من سيادتها، وخسارة لرهان أميركا والأطلسي وأوروبا.

تطورات مرتقبة

التطور الأول المرتقب هو انخراط الصين في الحرب، وهذا أمر يمكن ملاحظته من مخاوف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من اندلاع حرب عالمية ثالثة في حال دعمت الصين روسيا في حربها ضد بلاده، فيما حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من أن إقدام الصين على تزويد روسيا بالأسلحة "سيشكّل بالنسبة لنا خطاً أحمر" في العلاقة بين بروكسل وبكين.


أخطاء العام الأول غير قابلة للتكرار في العام الثاني في ظل تطورات حاسمة

وعلى الرغم من أن كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي، الذي زار موسكو الثلاثاء الماضي، قد تحدث خلال مؤتمر ميونخ للأمن في 19 فبراير الحالي، عن "مبادرة" صينية لإنهاء الحرب على أوكرانيا، فقد شكك المسؤولون الغربيون بالمبادرة، وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إن أفكار الصين "غامضة تماماً"، مذكراً بعدم إدانتها الغزو الروسي حتى الآن.

ومن المنتظر أن يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ موسكو في مايو/ أيار المقبل، من أجل إعلان عدة تفاهمات ذات طبيعة استراتيجية، وهناك إشارات تصدر عن أكثر من طرف إلى احتمال بدء الصين بتقديم مساعدات عسكرية إلى روسيا، وهذا ما يحذر منه المسؤولون الأميركيون منذ أسبوعين، وسيشكل مادة توتر أميركي صيني.

والتطور الثاني هو انخراط إيران بصورة أكبر في مساندة روسيا بالسلاح من خلال الطائرات الانتحارية المسيرة والصواريخ البالستية البعيدة المدى. وقد لوحظ أن الطائرات الانتحارية أحدثت فارقاً في الأشهر الأخيرة، وألحقت دماراً واسعاً في البنى التحتية الأوكرانية، مثل محطات الكهرباء وشبكات النقل.

أما التطور الثالث فيأتي نتيجة للتطورين السابقين، وهو احتمال توسع الحرب، إذا حصل تقدم روسي، وقد تحدث عن ذلك صراحة رئيس الأركان التشيكي كاريل ريهكا خلال زيارة بايدن للمنطقة، وقال إن "الحرب بين الأطلسي وروسيا لا تبدو مستحيلة الآن. وسنشارك فيها منذ الدقيقة الأولى". وتقوم روسيا بستة هجمات غير الهجوم الذي تشنه "فاغنر" منذ نوفمبر الماضي، والهدف من ذلك الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي في شرق أوكرانيا وجنوبها، وتعزيز السيطرة عليها.

ومهما يكن من أمر، فإن موسكو قلصت أهدافها بعد عام من الحرب، التي بدأت بغرض السيطرة على دونيتسك ولوغانسك، على الرغم من أنها لم تحتلهما بالكامل بعد. وهذا يدل على أن الغزو لم يحقق أهدافه، بل أصبح أقل من أي وقت مضى مع تقدم الحرب.

أما عن طموح أوكرانيا في إلحاق هزيمة عسكرية بروسيا وتحرير كامل أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمّتها موسكو بالقوة في عام 2014، فلا يبدو ممكن التحقيق، وستظل واشنطن وأوروبا هما اللتان تتحكمان بسقف "الانتصار الأوكراني"، وهذا ما لخصه المسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية باتريس باولي بقوله: "نقدم لأوكرانيا أسلحة فعالة للدفاع عن نفسها، ولا تؤدي للتصعيد".

المساهمون