بعد مرور 8 أشهر على تشكيلها، لم تتمكن الحكومة العراقية، برئاسة مصطفى الكاظمي، من اتخاذ أي خطوة لحل أزمة مدينة جرف الصخر شمال محافظة بابل، جنوبي العراق، التي يحتلها خليط من المليشيات الموالية لإيران منذ نهاية عام 2014 وإلى غاية الآن، وتتخذها معقلا رئيسا وتمنع غيرها من دخولها، بما في ذلك قوات الأمن من الجيش والشرطة، وأخيرا منعت وفدا برلمانيا من دخولها للاطلاع على الأوضاع فيها.
الكاظمي لا يعد أول رئيس وزراء يعجز عن إدخال القوات العراقية إلى جرف الصخر، إذ لم يتخذ سلفاه عادل عبد المهدي (2018 – 2019)، والأسبق حيدر العبادي (2014 – 2018) أي إجراء لإنهاء نفوذ المليشيات فيها.
ويعيش سكان المدينة، البالغ عددهم نحو 180 ألف نسمة، في مخيمات ومعسكرات بمناطق مختلفة من غرب وجنوبي بغداد، يعانون أوضاعا سيئة، خاصة بعد تراجع الدعم والمساعدات المقدمة من الأمم المتحدة ووزارة الهجرة بالأشهر التي أعقبت اتساع الإصابات بجائحة كورونا في العراق.
عضو البرلمان السابق عن محافظة بابل، صادق المحنا، أكد لـ"العربي الجديد" أن الأوضاع في جرف الصخر غير مستقرة بسبب سيطرة الجماعات المسلحة عليها، موضحا أن ذلك صعب دخول الجيش إليها.
ولفت إلى أن القوات العراقية عجزت في السابق عن تحرير جرف الصخر من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، مضيفا: "والآن توجد صعوبة أيضا في إدخال الجيش خوفا عليه من بعض الملابسات".
يتواجد سكان المدينة، البالغ عددهم نحو 180 ألف نسمة، في مخيمات ومعسكرات بمناطق مختلفة من غرب وجنوبي بغداد، يعانون أوضاعا سيئة، خاصة بعد تراجع الدعم والمساعدات المقدمة من الأمم المتحدة ووزارة الهجرة بالأشهر التي أعقبت اتساع الإصابات بجائحة كورونا في العراق
وتابع أن "الجماعات المسلحة تسيطر على جرف الصخر، ومن الصعب دخول القوات الأمنية إليها"، مؤكدا أن سكان البلدة من عشيرة واحدة هي عشيرة "الجنابيين"، وعبر عن أمله في عودتهم كي يتم بسط الاستقرار في المنطقة.
ودعا إلى تدخل الحكومة العراقية "بشكل جاد" لإنهاء الغموض في بلدة جرف الصخر الذي سيستمر بسبب عدم جدية الحكومة لحسم هذا الملف، مشيرا إلى أن سكانها الذين غادروها بالكامل يعانون بسبب النزوح.
ولفت إلى أن الحكومة عاجزة عن السيطرة على أي من الملفات، ومن ضمنها جرف الصخر، مشيرا إلى أن "هذه القضية لن تحل ما لم تكن هناك جدية من الحكومة والأجهزة الأمنية، وأن الظروف المعقدة لن تنتهي قبل عودة السكان وسيطرة الجيش والشرطة على البلدة".
وتتهم المليشيات، وأبرزها "كتائب حزب الله" العراقية، و"النجباء"، والتي تسيطر على جرف الصخر وتمنع سكانها من العودة، بتحويلها إلى مقرات ومخازن للذخيرة وسجون كبيرة، بحسب ما يصرح به سياسيون بين الحين والآخر.
كامل الجنابي، وهو أحد الزعماء القبليين المحليين الذي اضطر إلى النزوح من جرف الصخر إلى العاصمة بغداد قبل سنوات، قال لـ"العربي الجديد" إن الحكومات المتعاقبة والبرلمانيين والسياسيين تعاملوا مع جرف الصخر على أنها "ملف سياسي، ولا تعنيهم معاناة الآلاف من سكانها الذين يقاسون من النزوح منذ 6 سنوات".
تتهم المليشيات، وأبرزها "كتائب حزب الله" العراقية، و"النجباء"، والتي تسيطر على جرف الصخر وتمنع سكانها من العودة، بتحويلها إلى مقرات ومخازن للذخيرة وسجون كبيرة، بحسب ما يصرح به سياسيون بين الحين والآخر
وأوضح أن سكان جرف الصخر ووجهاءها النازحين حاولوا إيصال أصواتهم إلى الحكومة والبرلمان، مشيرا إلى وجود تجاهل متعمد لمطالبات استعادة البلدة من سيطرة المليشيات وإعادتها إلى اصحابها.
وتابع "استبشرنا خيرا بمجيء مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء"، مستدركا "إلا أنه اختار أن يسير على طريق العبادي وعبد المهدي من خلال تجاهل سلب الفصائل المسلحة لبلدة بحجم جرف الصخر وتهجير سكانها وتحويلها إلى معسكرات ومعتقلات".
وأوضح أن الوسطاء الذين نرسلهم لحث الحكومة على التعجيل بحسم قضية جرف الصخر غالبا ما يبلغوننا أن السلطات لا تريد الصدام مع الفصائل المسلحة التي تمتلك مقاتلين وأسلحة متنوعة".
عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق، حامد المطلك، لفت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدم فتح ملف جرف الصخر من قبل الحكومة يشير إلى عجزها، مضيفا أن "أي عراقي في الحكومة أو خارجها لا يمكن أن يقبل بهذا الوضع المزري، وأن يكون أبناء الشعب مشردين، وأن تكون هناك منطقة داخل الحدود العراقية لا توجد فيها سيادة وسيطرة للدولة".
وبشأن عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على حل أزمة جرف الصخر، قال المطلك إن "المشكلة تكمن في الحكومات، وسيطرة الجهات الخارجية عليها، وتشتت الرأي السياسي وتمزقه".
وأشار إلى أن "من واجب الحكومة فرض الأمن وعدم ترك البلاد مشاعة"، مبينا أن "تجاهل المشاكل سيجعل البلاد تدور في حلقة صراع، والشعب يقتتل وتضيع سيادته وثروته"، وشدد على ضرورة وجود إجراءات مدروسة في جميع المجالات.
وبحسب سياسيين، فإن المليشيات تمنع الجميع، بمن فيهم المسؤولون، من دخول جرف الصخر.
وسبق أن روى رئيس حزب "الحق" العراقي، النائب السابق أحمد المساري، لحظة اختطاف مليشيات تسيطر على بلدة جرف الصخر لوزير الداخلية السابق محمد الغبان (2014 – 2016).
وقال المساري إن "الغبان، الذي كان وزيراً في حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، اعتقل من قبل فصائل مسلحة تسيطر على بلدة جرف الصخر، حين حاول الدخول إلى البلدة التي كنّا نعتقد أن هذه الفصائل تحتجز فيها آلاف المغيبين الذين اختطفوا خلال سنوات الحرب على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، من محافظات الأنبار (غرباً)، وصلاح الدين (شمالاً)، ومناطق حزام بغداد"، مشيراً إلى تدخل جهات في الدولة العراقية حينها من أجل إنهاء خطف وزير الداخلية الأسبق".