سردار بيردي محمدوف رئيساً لتركمانستان... عندما تنتقل السلطة من الأب إلى الإبن

15 مارس 2022
سردار خلال احتفال بعطلة الكلاب في العام الماضي (فياتشيسلاف سركيسيان/رويترز)
+ الخط -

لم يحصل سردار بيردي محمدوف على نسبة 99 في المائة من أصوات الناخبين التركمانيين، واكتفى بنحو 72.97 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت في تركمانستان في 12 مارس/ آذار الحالي.

وربما يعود السبب إلى أن "أب الأمة"، والد الزعيم الجديد قربان غولي بيردي محمدوف الذي لا يزال حياً، ولن ينسحب سريعاً من الحياة السياسية إلا بعد ضمان الانتقال الكامل للسلطة لابنه، تلافياً لأي أخطاء قد تحدث بالاستفادة من درس كازاخستان الذي دفع ثمنه الرئيس السابق نور سلطان نازارباييف وعائلته، مطلع العام الحالي.

ولكن الواضح أن "الزعيم أو القائد"، وهي الترجمة الحرفية لاسم سردار من لغات آسيا الوسطى، تفوّق بفارق مريح جداً على أكاديميين ورجال أعمال، ضمن ثمانية مرشحين، أدوا دور "الكومبارس".

درب سردار السهل إلى الحكم

درب سردار إلى الحكم كان سهلاً ويسيراً، على عكس والده قربان غولي، الذي خدمته الأقدار في الوصول إلى رأس السلطة في نهاية عام 2006، حين استأثر بإرث "تركمان باشي" الرئيس الأول للبلاد صابر مراد نيازوف، إثر خروجه إلى الأمة حزيناً، معلناً أن "تركمانستان باتت بلداً يتيماً"، ثم قاد لجنة مراسم الدفن، ولاحقاً ورث البلاد وبات "أباً جديداً" لها.

ولد سردار في 22 سبتمبر/ أيلول 1981، وأنهى في عام 2001 دراسة الهندسة في جامعة عشق أباد للهندسة الزراعية، غير أن عام 2007 شكّل التحول الثاني لجهة الأهمية في حياته، بعدما انتُخب والده رسمياً رئيساً للبلاد، وحينها بدأت عملية إعداد "الزعيم" الجديد باكراً.

عُيّن سردار نائباً لرئيس الهيئة الحكومية لإدارة الثروات النفطية

 

وانتقل مباشرة إلى عالم الدبلوماسية، وعُيّن مستشاراً في السفارة التركمانية لدى روسيا. واستغل وجوده في موسكو للحصول على مؤهل علمي يتوافق مع مستقبله الجديد كابن لرئيس دولة في آسيا الوسطى، وحاز شهادة في العلوم السياسية من الأكاديمية الدبلوماسية في روسيا في عام 2011.

ولاحقاً عمل سردار مستشاراً في بعثة بلاده للأمم المتحدة في جنيف، وأتمّ خلال هذه المهمة برنامج الاستماع لمحاضرات مركز جنيف للسياسة والأمن المرموق، في موضوع "الأمن الأوروبي والعالمي". وفور عودته إلى البلاد عُيّن رئيساً لدائرة أوروبا في وزارة الخارجية التركمانية، ولاحقاً تبوأ منصب مسؤول الإعلام في وزارة الخارجية.

ومن أجل معرفة دقيقة لسير الأوضاع في أهم مصادر دخل البلاد، وفي موازاة عمله في الخارجية، عُيّن سردار نائباً لرئيس الهيئة الحكومية لإدارة الثروات النفطية، وحصل في هذه الفترة على شهادة دكتوراه في العلوم التقنية في عام 2015.

وفي عام 2016 انتقل إلى العمل البرلماني بعد فوزه بمقعد في المجلس، وترأس لجنة القوانين، وحصل في عام 2017 على لقب جنرال. ولم يمنع تمثيله في الهيئة التشريعية من شغل منصب نائب وزير الخارجية في عام 2018، على الرغم من أن الدستور يمنع الجمع بين عضوية البرلمان والعمل الحكومي أو التجارة. وفي مطلع عام 2019 عُين نائباً لحاكم ولاية أخانسك الغنية بمخزونات الغاز الطبيعي، ولاحقاً حاكماً للولاية. 

تقارير دولية
التحديثات الحية

وفي فبراير/ شباط 2020 بدأت مرحلة جديدة بتعيينه وزيراً للصناعة في تركمانستان، وفي الدرجة الأخيرة قبل اعتلاء الحكم، رُقّي في عام 2021 إلى منصب نائب رئيس الحكومة، أي أصبح نائباً لوالده الذي زاد من اعتماده عليه في مهمات داخلية وخارجية. 

ومن الواضح أن الرئيس المنتهية ولايته بدأ التحضير لتوريث نجله الحكم منذ سنوات طويلة، ولكن الإسراع في العملية ربما جاء لأسباب تتعلق بصحته، مما اضطره في الأشهر الأخيرة للظهور إعلامياً في عدة مناسبات، كرد غير مباشر على شائعات وفاته. 

ومن المؤكد أن قربان غولي استفاد من أحداث كازاخستان الأخيرة، ولم يرد ترك أي تفاصيل صغيرة قد تعطل عملية نقل السلطة داخل العائلة، مع الاحتفاظ بمنصب رئيس مجلس الشعب الذي شغله سابقاً قبل "زهده" بالسلطة، حتى إتمام عملية نقلها في شكل كامل إلى ابنه سردار، وبعدها يمكن الانسحاب تدريجياً من الحياة العامة لإفساح المجال أمام "الزعيم" الجديد للأمة. مع العلم أن الدستور يحظر في الفقرة 73 الجمع بين منصبي رئاسة البرلمان والدولة.

السلف والخلف في تركمانستان

ومن المنتظر أن تنظم مراسم التتويج للزعيم الجديد، يوم السبت المقبل، في مراسم تُشكّل سابقة في آسيا الوسطى وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق في نقل السلطة من الأب إلى الابن. 

ومن المعلوم أن قربان غولي، كشف في 11 فبراير/ شباط الماضي عن نيته "فتح الباب أمام القادة الشباب الذين نشأوا في بيئة روحية تتناسب مع المتطلبات العالية للعصر الحالي لتولي الإدارة في مرحلة جديدة من تنمية بلدنا"، وذلك قبل سنتين من انتهاء فترته الرئاسية الثالثة، ولكنه أكد استمراره في توظيف "خبراته السياسية كرئيس لمجلس الشعب". 

وبعدها بثلاثة أيام رشح الحزب الديمقراطي لتركمانستان في مؤتمر استثنائي سردار بيردي محمدوف كمرشح لرئاسة البلاد. وحينها أكد سردار أنه "سيتبع المبادئ الروحية وتراث أسلافه، ولا يدخر أي جهد من أجل الوطن الأم وازدهار الشعب، ويسعى بكل إخلاص وجدية لمواصلة درب زعيم الأمة (أي والده)".

وتكشف تصريحات الزعيم الجديد أنه لن يخرج عن نهج والده في حكم تركمانستان، التي تُعدّ النموذج الأقرب لحكم كوريا الشمالية المغلق والغامض، في آسيا الوسطى. وخارجياً، من المستبعد التخلي عن سياسة الحياد والابتعاد قدر الإمكان عن التجمعات الإقليمية مع بلدان الاتحاد السوفييتي السابق أو الدول الناطقة بالتركية.

تكشف تصريحات الزعيم الجديد أنه لن يخرج عن نهج والده في حكم تركمانستان

 

والأرجح أن يحكم القائد الشاب من دون الخروج عن سياسة سلفه في القضايا الداخلية، مع بعض الإصلاحات المحدودة اقتصادياً لتحسين الأوضاع، على الرغم من امتلاك تركمانستان رابع أكبر مخزون من الغاز الطبيعي في العالم بعد إيران وروسيا وقطر، وتصدير كميات ضخمة إلى الصين وإيران وروسيا، إلا أن مستوى المعيشة ينخفض عاماً بعد آخر، ما يشكل تحدياً للزعيم الجديد، إضافة إلى تحديات تتعلق في استمرار طريقة الحكم القمعية وعدم الاهتمام لقضايا حقوق الإنسان.

وبناءً على سيرة ومناصب الزعيم الجديد، واضح أن قيمة كلاب الصيد التركمانية "ألاباي" لن تتراجع، وقد نشهد بناء تماثيل ذهبية عملاقة أخرى لهذا النوع من الكلاب، على شاكلة التمثال العملاق المصنوع من الذهب الذي شيّده والده منذ نحو عامين في العاصمة عشق أباد، على اعتبار أنه أحد الرموز الوطنية لتركمانستان، كما ألّف قربان غولي كتباً عن سلالات هذه الكلاب.

والأرجح أن يواصل التركمانيون التمتع بيوم عطلة تكريماً لهذه السلالة من الكلاب، فالزعيم الجديد كوالده يرأس جمعية "كلاب ألاباي التركمانية" منذ مايو/ أيار 2020. وسردار مغرم بالخيول ويرأس جمعية "أخال تيك للعناية بالخيول"، ما يظهر أن "الولد سر أبيه" بسبب حب الأخير للفروسية، ناظماً الأشعار للخيول.