عقب إعلان إثيوبيا الاقتراب من اكتمال المرحلة النهائية لسد النهضة الذي تبنيه على النيل الأزرق، وبعد إعلان مصر توقف المفاوضات الثلاثية بشأن السد بعد 12 عاماً من المناقشات، لم يجد وزير الري المصري، هاني سويلم، ما يقوله في هذا الظرف سوى مهاجمة منتقدي سياسة الدولة في التعامل مع أزمة المياه التي تهدد مستقبل البلاد، فكتب على صفحته على "فيسبوك": "الغريب إنك تلاقيه بيتكلم ويحلل بكل ثقة، وهو آخر معلوماته عن الميّه إنها بتنزل من الحنفية".
وأعاد الإعلان الإثيوبي، عن قرب الانتهاء من أعمال إنشاء السد، وتصريحات الوزير المصري، التساؤلات حول، ماذا تبقى في يد مصر كدولة، من وسائل للتعامل مع الأزمة؟
في السياق، اعتبر أستاذ الأراضي والمياه في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إثيوبيا هي المستفيد الوحيد من توقف المفاوضات، حتى يمكنها الاستمرار في اتخاذ القرارات الفردية فيما تبقى من الملء ثم التشغيل".
ورأى أنه "كان يجب أن نعي هذا الفكر بعيداً عن القرارات العنترية، بحتمية أن تخصص كل جولة من الجولات الأربع لبحث مشكلة واحدة ينبغي اتخاذ قرارات بشأنها وحلها وعدم العودة إليها مرة أخرى، وبذلك كان من الممكن خلال الجولات الأربع أن يتم حل المشاكل الرئيسية، في ما يخص الملء ونظام التشغيل والتعامل مع سنوات الجفاف والجفاف المزدوج وتحديد حد أدنى من المياه يمر من سد النهضة إلى مصر والسودان خلال السنوات العجاف".
وعُقدت الجولة الأولى في أغسطس/آب الماضي، والثانية في سبتمبر/أيلول الماضي، والثالثة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والرابعة في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وشكّلت هذه الجولات أول محادثات مصرية ـ سودانية ـ إثيوبية، منذ الإخفاق في التوصل لاتفاقية ملزمة بين الدول الثلاث في إبريل/نيسان 2021.
أوراق مصر في ملف سد النهضة
وأكد نور الدين أنه "لم تعجبني طريقة إدارة وزارة الري في الجولات الأربع الأخيرة، بالسماح للجانب الإثيوبي في استمرار التسويف واستهلاك الوقت وإفشال المفاوضات".
وحول الحلول المتاحة لمصر بعد فشل المفاوضات، أوضح أنها "وردت في البند العاشر من اتفاقية إعلان المبادئ، الموقعة في العاصمة السودانية الخرطوم عام 2015، بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، بأنه في حال فشل الوفود الفنية في التوصل إلى اتفاقية حول الملء والتشغيل، يتم رفع الأمر إلى رؤساء الدول للتوصل إلى حلول وسطية سياسية، وإذا فشلت هذه الخطوة، يتم الاتفاق على وسيط دولي للتحكيم والتوفيق بين الدول الثلاث، مع إخطار مصر والسودان، مجلس الأمن الدولي، بأن قرار المجلس الخاص بسد النهضة والذي يتضمن الوصول إلى حلول توافقية خلال ستة أشهر برعاية الاتحاد الأفريقي، لم ينفذ وأنه مر عامان ونصف العام، ولم يحدث أي تحرك لتنفيذ قرار مجلس الأمن".
محمد حافظ: كان من المفترض أن يعتذر سويلم للشعب المصري عن فشل المفاوضات
وتعليقاً على تصريحات وزير الري المصري، قال خبير هندسة السدود المصري، محمد حافظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنها "تمثل حالة من الإنكار، لأنه لو كان خارج فريق الإدارة المصرية، لانتقد ما قامت به الدولة المصرية خلال 12 سنة من المفاوضات بشكل فني، وكان هو نفسه انضم لمنتقدي سياسات الدولة المصرية في مفاوضات سد النهضة".
وأضاف حافظ أن "دفاعه عن الفشل فشل لأن أي متخصص لديه ذرّة احترام لعلمه يرى الحقائق والأرقام، فكان من المفترض أن يعتذر للشعب المصري عن فشل المفاوضات، لا أن يدافع عن الفشل. ولكن حتى أكون صادقاً، فإن الدخول في مفاوضات مع إثيوبيا على أساس اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة عام 2015، كان لا بد أن يؤدي إلى الفشل لعدة أسباب، لأن الاتفاقية تعترف بثلاثة أمور كلها ضد مصلحة الدولة المصرية، أولها ارتفاع السد، والثاني حجم بحيرة السد، والثالث القدرة الكهربائية التي يولدها السد، وهذا كله ضد مصلحة مصر".
وأوضح حافظ أنه عندما يتم دخول "المفاوضات على أسس تؤدي إلى الفشل، فمهما كنت خبيراً، فإن النهج التي تتفاوض على أساسه، مقرر مسبقاً ومحكوم عليه بالفشل". وأكد أن "ارتفاع سد النهضة وحجم البحيرة والقدرة الكهربائية، هي العناصر الثلاثة التي كانت يمكن أن تؤدي لنجاح المفاوضات، ولكن موافقة مصر منذ البداية بالتوقيع على الاتفاقية، والاعتراف بتلك الثوابت واعتبارها من ثوابت العلاقة بين مصر وإثيوبيا، هي السبب في فشل المفاوضات بغض النظر عمن يقود المفاوضات".
وتابع حافظ: "كان من المنتظر من الوزير أن يواجه الشعب المصري ويقول له لماذا فشلت المفاوضات، وهو ليس بسبب مراوغة إثيوبيا، لأن ذلك أمر طبيعي، وأي دولة يجب أن يكون عندها قدر من المناورة، فلا نلوم إثيوبيا على ما تفعله لأنها فسرت الاتفاقية بشكل كامل لمصلحتها، ولو كانت مصر هي صاحبة اليد العليا في هذه الاتفاقية، لكانت قامت بما قامت به إثيوبيا. ولكن كان الواجب على الحكومة المصرية أن تخاطب الشعب المصري، وتقول إن المفاوضات فشلت بسبب أننا لا نناقش أي شيء متعلق بارتفاع سد النهضة وحجم البحيرة والقدرة الكهربائية، لأنها المفاتيح التي من الممكن أن تؤدي إلى النجاح والوصول إلى حل وسط مع إثيوبيا".
واعتبر أنه "عندما تمنع إثيوبيا المفاوض المصري من مناقشة هذه الأمور، لأن تم الاعتراف بها من قبل مصر في إعلان المبادئ عام 2015، فمن يمكن أن ينجح في مفاوضات يكمن الفشل في أساسها؟".
دعوة لانسحاب مصر من اتفاقية إعلان المبادئ
وحول ماذا تبقى لمصر لمواجهة الأزمة، قال حافظ إنه "لم يتبق أي شيء"، مستدركاً أن "الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعيد لمصر بعض كبريائها، هو الانسحاب التام من اتفاقية إعلان المبادئ التي أضاعت مستقبل الدولة المصرية، وأضاعت النيل الأزرق، وإن كان حتى الانسحاب لن يؤثر إيجاباً على المستقبل المائي للدولة المصرية، ولكن على الأقل لن يموت الشعب المصري عطشاً بموافقة حكومة بلاده، نتيجة توقيع اتفاقية 2015".
وأضاف حافظ: "للتاريخ يجب أن تنسحب مصر من تلك الاتفاقية، فقط للحفاظ على ماء الوجه أمام الأجيال القادمة، التي ستعاني كثيراً بسبب تلك الاتفاقية، فالخروج أو الانسحاب منها لن يكون انتصاراً لكنه الحد الأدنى".
محمد نصر علام: التصريحات الإثيوبية لنسبة بناء السد دعاية داخلية تصدر كل فترة
من جهته، اعتبر وزير الري المصري السابق، محمد نصر علام، أن "التصريحات الإثيوبية لنسبة بناء السد دعاية داخلية تصدر كل فترة"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بدلاً من الاتفاق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة لتقليل أضراره، حاولت إثيوبيا استغلال المفاوضات لفرض اتفاق يحقق هيمنتها على النهر وسط رفض مصري سوداني".
وأكد علام أن "كل نقطة مياه تحجز في السد الأثيوبي، هي سلفة مائية من مصر، وأنه في سنوات الجفاف وعجز مخزون السد العالي عن استكمال حصة مصر، لا بد من استرداد السلفة من مخزون سد النهضة مع تجنب التأثير سلباً على إنتاج الكهرباء، وهذا ممكن، لكن المشكلة أن إثيوبيا لا تريد اتفاقاً يلزمها بأية سياسة أو قواعد، فهي تعتقد أن النهر نهرها، وهو ما لا يمكن أن توافق عليه مصر أو السودان أو أي دولة ذات سيادة".
وأشار الوزير السابق إلى أن "دور وزارة الري في التفاوض انتهى، طبقاً لإعلان المبادئ، بعد التوصل لقواعد الملء والتشغيل تحت ظروف الفيضان المختلفة، بحضور وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي"، لافتاً إلى أن "الموضوعات الإثيوبية الأخرى، سترفع للقيادات السياسية والأطراف الدولية للنظر والبت فيها".