سد النهضة: حياد أميركي سلبي لا يخدم مصر

21 فبراير 2021
تسعى مصر لوقف الملء الثاني للسد (إدواردو سوتراس/فرانس برس)
+ الخط -

وصفت مصادر دبلوماسية مصرية وغربية مقيمة في القاهرة، القرار الأميركي بإلغاء ربط تعليق الولايات المتحدة مساعدات تبلغ قيمتها 272 مليون دولار لإثيوبيا، بالنزاع حول سد النهضة، وربطها بالنزاع الأهلي الداخلي في إقليم تيغراي الشمالي، بأنها رسالة مشتركة للقاهرة وأديس أبابا، بالتزامها "الحياد السلبي في المرحلة الحالية" إزاء ملف سد النهضة، خصوصاً إذا ما وُضع القرار الخاص بإثيوبيا في سياق متصل بالقرار الصادر نهاية الأسبوع الماضي، بالموافقة على صفقة بيع محتملة لصواريخ تكتيكية ذات هيكل جوي "بلوك 2" ومعدات ذات صلة، بتكلفة تقديرية تبلغ 197 مليون دولار لمصر.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، "تعمّدت إجراء هذا التعديل على سياسة العقوبات ضدّ إثيوبيا، كنتيجة طبيعية لاهتمامها الكبير والواضح بالأوضاع الداخلية الإثيوبية - منذ ما قبل وصولها رسمياً إلى البيت الأبيض - وبالصراع بين حكومة آبي أحمد وقومية التيغراي، وذلك على خلفية قوة علاقة مسؤولين ودبلوماسيين سابقين من هذه القومية بشخصيات نافذة في إدارة بايدن كوزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومديرة مجلس السياسات الداخلية سوزان رايس. فضلاً عن عمل الشخصيات والمجموعات المساندة لإثيوبيا في واشنطن على الفصل بين قضية سد النهضة، وموقف الإدارة المعترض على السياسات الأخيرة لأبي أحمد، سواء في المعارك الأهلية وطريقة التعاطي مع المشاكل القومية بالداخل، أو في التصعيد السياسي مع السودان ومصر إقليمياً، بحيث أدى هذا الفصل إلى منع البيت الأبيض من اتخاذ مواقف حادة ضد أديس أبابا بشأن السد تحديداً، ومنع الخروج بتصريحات تُفسّر كدعم للموقف المصري، كما كان يحدث علناً في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب".

القاهرة تحتاج لتدخل سياسي خارجي واضح في أزمة سد النهضة

وأضافت المصادر أنّ الرأي مستقر في البيت الأبيض حالياً على إبقاء العقوبات الحالية المفروضة على أديس أبابا كما هي في إطارها الكمي، من دون زيادة تأثيرها في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، انطلاقاً من اعتقاد أميركي مترسخ في الدوائر الديمقراطية، مفاده بأنّ زيادة العقوبات على الدول الأفريقية وتكرار الأزمات معها سيؤديان إلى المزيد من تآكل النفوذ الأميركي في أفريقيا، جنوبي الصحراء، لمصلحة تعاظم النفوذ الصيني، خصوصاً في شرق القارة.
من ناحية أخرى، إنّ نزع سبب سد النهضة عن العقوبات القائمة بقدرها الحالي، مقابل الموافقة لمصر على صفقة التسليح برمزياتها المختلفة، يحمل تأكيداً لعدم رضى إدارة بايدن عن أي تلويح باستخدام القوة العسكرية لحل القضية. وهو الخيار الذي كان ترامب قد أشار إليه في الخريف الماضي، على الرغم من عدم ذكره تصريحاً في أي خطابات حول مصر رسمياً منذ بداية الأزمة، والاكتفاء بالتلميح له ضمنياً مرات عدة، من خلال تزامن اجتماعات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بالقيادات العسكرية مع تعقد المفاوضات.

لكن المصادر المصرية أكدت أنّ الحياد السلبي تجاه الأزمة لا يصبّ البتة في مصلحة مصر، فمع صعوبة وتعقيد حسابات الحلول المتاحة أمامها لحسم القضية بالقوة، سواء لأسباب عسكرية أو جغرافية أو سياسية واستراتيجية دولية، وعدم سماح أميركا والصين والقوى الأوروبية بوصول النزاع إلى هذه النقطة، فإنّ القاهرة تحتاج إلى تدخل سياسي خارجي واضح في الأزمة قبل الملء الثاني للسد، بغية منعه لحين الاتفاق على قواعد التشغيل والملء في المراحل التالية. وتعكس التطورات الحالية بالتأكيد فشل المحاولات المصرية لتثبيت الموقف الأميركي الرسمي الضاغط على إثيوبيا أو استخراج أفضل ما كان يمكن توقعه من إدارة بايدن، من خلال جهود الحشد الدعائي والسياسي في واشنطن ونيويورك، على مدار الشهرين الأخيرين.

فشل المحاولات المصرية لتثبيت الموقف الأميركي الرسمي الضاغط على إثيوبيا

وسبق أن كشفت "العربي الجديد" في التاسع من الشهر الحالي أنّ السفارة المصرية في واشنطن طلبت من شركة "براونستين هيات فاربر شريك" للعلاقات العامة والضغط السياسي، التركيز في الفترة المقبلة على ضمّ بعض السياسيين الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية، لإقناعهم بالمشاركة في الحملة التي تنتهجها مصر لتثبيت الموقف الأميركي الرسمي القائم حالياً من ملف سد النهضة، ومنع انجراف الإدارة الجديدة للبيت الأبيض للاستجابة للنشاط الدعائي المكثف لإثيوبيا بالاشتراك مع مجموعات واسعة من النواب ذوي الأصول الأفريقية.
لكن هذا التركيز المتأخر على سد النهضة، لم ينجح في تقريب المسافة بين قدرة كل من المصريين والإثيوبيين على الحشد في أوساط معينة، خصوصاً داخل الحزب الديمقراطي ومراكز الأبحاث، وتشبّع تلك المواقع بالدعاية الإثيوبية التي تصنف مصر كطرف معتد على الحقوق السيادية ومحتكر لمياه النيل، وخصوصاً أنه تبيّن من الفعاليات واللقاءات التي شارك في تنظيمها بعض النواب السابقين لحساب الشركة - التي تتقاضى شهرياً 65 ألف دولار من مصر - مثل النائب الديمقراطي السابق عن ألاسكا مارك بيجيتش، تركيزهم على قضايا أخرى تهمّ النظام الحاكم في مصر، في حين أنّ قضية سد النهضة تتطلب تركيزاً خاصاً، ولا سيما أنّ النظام المصري يعتبرها حساسة أكثر من أي وقت مضى حالياً.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر مصرية مطلعة عن صدور تعليمات من المخابرات العامة لوسائل الإعلام المصرية وللمؤسسات السياسية والدبلوماسية المعنية، بعدم التعليق على التصريحات الصادرة من رئيس المفوضية القومية للحدود في السودان، معاذ تنقو، الخميس الماضي، حول احتجاج بلاده رسمياً، ضدّ مفوضية الاتحاد الأفريقي، لاعتمادها خريطة تضم مثلث "حلايب وشلاتين" ضمن حدود مصر الجنوبية، وقوله إن الخرطوم ستقدم مذكرات احتجاج من جهات بينها وزارة الخارجية للدفع بها عبر القنوات الرسمية للاتحاد الأفريقي. وأوضحت المصادر أنّ دائرة السيسي تعتبر مثل هذه التصريحات "محاولات من جهات داخل السودان لاستغلال حالة السيولة السياسية هناك، لضرب التنسيق القائم بين السيسي والمجلس السيادي حالياً، ضدّ أبي أحمد"، سواء في ملف سد النهضة أو الصراع الحدودي المتصاعد بين إثيوبيا والسودان، وأنه يجب تفويت الفرصة على إدخال القاهرة والخرطوم في خلافات قديمة مثل حلايب وشلاتين، أو هامشية مثل مشاكل المعابر الحدودية.
ويأتي ذلك بينما تراجع مبعوث مفوضية الاتحاد الأفريقي للسودان، محمد الحسن ولد لبات، عن تبني أو اعتماد الاتحاد لأي خرائط تؤكد تبعية مثلث حلايب الحدودي لمصر. وقال لبات في تصريحات إعلامية أمس، إنّ "المنظمة مررت فقط أوراقاً وصلت إليها من دولة عضو، إلى الدول الأخرى، وهذا لا يعني أنها تتبنى المحتوى".

المساهمون