استمع إلى الملخص
- مصر تستخدم نفوذها الإقليمي والدولي للضغط على إثيوبيا، بإعداد تقرير يوضح التأثيرات السلبية للسد على حصتها المائية وتسعى لاتفاق قانوني ملزم.
- الحكومة المصرية تفضل الحل التفاوضي لقضية سد النهضة، مع التأكيد على رفض الإجراءات الأحادية الإثيوبية وتحتفظ بحق الدفاع عن أمنها المائي والقومي.
على وقع استعداد إثيوبيا لملء سد النهضة للمرة الخامسة، المقرر في يوليو/تموز المقبل، وذلك بحجز نحو 23 مليار متر مكعب من أجل الوصول إلى إجمالي 64 مليار مكعب في خزان السد، كشفت مصادر فنية بوزارة الري المصرية عن تضرر الحصة المائية لمصر بشكل كبير منذ مارس/آذار الماضي، مع بدء أديس أبابا الاستعدادات الخاصة بعملية الملء. وقال مصدر حكومي مصري لـ"العربي الجديد"، إن الفترة الحالية "تشهد عجزاً كبيراً في المياه الواردة لمصر ضمن حصتها الرسمية من نهر النيل، بسبب الإجراءات التي شرعت بها أديس أبابا استعداداً لموسم الفيضان، وهو دفع المسؤولين عن إدارة المياه إلى تعويض العجز نسبياً من مخزون بحيرة ناصر (المعروفة بالسد العالي وموقعها جنوبي مدينة أسوان، جنوبي مصر)". وأضاف المصدر ان "ذلك يأتي في وقت وجه فيه وزير الري المصري هاني سويلم إدارات الري في مختلف المحافظات، إلى متابعة زراعات الأرز المخالفة في مناطقهم واتخاذ الإجراءات الفورية لإزالتها، وكذلك اتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون الموارد المائية والري وتحصيل قيمة تبديد المياه، طبقاً للائحة التنفيذية للقانون، والتأكد من التزام المزارعين، بزراعة الأرز في المناطق المصرح لها فقط بزراعته فيها، لعدم التأثير سلباً على عملية توزيع المياه بالمحافظة الواقعة بها المخالفة والمحافظات اللاحقة لها في شبكة الترع". وكشف المصدر عن اجتماع عُقد أخيراً "شارك فيه مسؤولون معنيون بملف المياه في جهة سيادية بحضور وزير الري، شدد على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات الفنية اللازمة لتقليل هدر المياه خلال تلك الفترة".
مصدر دبلوماسي مصري: القاهرة أعدت تقريراً مفصلاً بالتأثيرات السلبية لإجراءات أديس أبابا،
تأثيرات ملء سد النهضة
في موازاة ذلك، أوضح مصدر دبلوماسي مصري مطلع على ملف سد النهضة الإثيوبي لـ"العربي الجديد"، أن القاهرة "أعدت تقريراً مفصلاً بالتأثيرات السلبية للإجراءات التي تقوم بها أديس أبابا، على حصة مصر المائية"، مشيراً إلى أن مصر "استغلت في ذلك الأدوار الإقليمية المهمة التي تقوم بها في الوقت الحالي، والمرتبطة بشكل مباشر بمصالح القوى الغربية والاتحاد الأوروبي، والتي تأتي في مقدمتها استضافة واستيعاب نحو 9 ملايين مواطن من جنسيات مختلفة، تعاني دولهم اضطرابات سياسية، وكان من الممكن أن يسلكوا طرقاً مباشرة إلى أوروبا، لولا استضافتهم في مصر، وهو ما يفرض أعباء كبيرة على القاهرة، وبالتبعية يفرض أدواراً أخرى على الاتحاد الأوروبي يجب أن يلعبها للضغط على إثيوبيا". ولفت المصدر، إلى أن القاهرة "أطلعت عدة عواصم أوروبية على التقرير"، مرجعاً التصريحات الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن سد النهضة إلى "التداعيات السلبية على حصة مصر المائية، بسبب الإجراءات الإثيوبية، وتجاهل أديس أبابا التام للنداءات المصرية". وكان السيسي، قد حذّر خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للمنتدى العربي - الصيني، في 30 مايو/أيار الماضي في بكين، من "عدم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بين مصر وإثيوبيا والسودان، يؤمن لأجيال الحاضر والمستقبل في الدول الثلاث حقها في الحياة والتنمية"، مطالباً بالوضع في عين الاعتبار أن بلاده "لن تسمح بكل ما من شأنه العبث بأمن واستقرار شعبها".
وتعليقاً على ذلك، قالت الخبيرة بالشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تحذير السيسي من أن المساس بحق مصر في مياه النيل سيؤدي لحالة من عدم الاستقرار في المنطقة بأكملها، يترك الباب مفتوحاً أمام كل الاحتمالات، خصوصاً أن السيسي استخدم عبارة (لا أحد بعيد عن قوتنا)، وبالرغم من أنه عاد وأكد أنه لا يهدد أحداً بهذه التصريحات، وأن مصر متمسكة بالخيار التفاوضي، إلا أن مجرد التهديد أو التنويه بالخيار العسكري، يؤكد هذا الخطر". واستدركت بالقول: "لكن لجوء مصر للخيار العسكري، رهن حدوث ضرر اقتصادي جسيم مثل بوار (جفاف) الأراضي الزراعية، وفقدان ملايين الأشخاص وظائفهم، وذلك مرتبط بمواسم الجفاف، التي تصل مدتها إلى ست سنوات حسب بعض خبراء المياه". وأكدت مرعي أن "الخيار الدبلوماسي والقانوني هو الأقرب الآن للتعامل المصري في ملف سد النهضة لأنه بالنسبة لمصر وإثيوبيا فإن شن حملة دبلوماسية الآن، تعيقه الظروف الإقليمية كالحرب في غزة والسودان، لكن خيار مصر بعيد عن الآلة العسكرية".
نجلاء مرعي: خيار مصر بعيد عن الآلة العسكرية
مصر متمسكة بالتفاوض
من جهته، رأى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن مصر "تتمسك بحل مشكلة سد النهضة عن طريق التفاوض، بدءاً من زيارة (رئيس الوزراء بين مارس/آذار 2011 وسبتمبر/أيلول من العام عينه) عصام شرف إلى إثيوبيا في مايو/أيار 2011، في أعقاب الإعلان عن بناء سد النهضة في الثاني من إبريل/نيسان من العام نفسه". وتطرق شراقي إلى خوض مصر "ثماني جولات تفاوضية انتهت كل منها من دون التوصل إلى اتفاق، وآخرها الجولة التي انتهت في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد مباحثات استمرت خمسة أشهر، ونعيش الآن فترة تجمد المفاوضات، إلا أن القيادة المصرية تنتهز كل مناسبة سواء في الداخل أو الخارج لتوضيح موقف مصر من السعي الجاد نحو الوصول إلى اتفاق عادل يحقق مصالح الدول الثلاث. وخير دليل على ذلك توقيع مصر على مسودة اتفاق واشنطن في 29 فبراير/شباط 2020 بالأحرف الأولى وتغيب إثيوبيا". وأضاف شراقي أن مصر "أكدت دائماً على رفضها للقرارات الإثيوبية الأحادية المتكررة في المرات الأربع السابقة لملء سد النهضة وتشغيل التوربينات، والآن الاتجاه نحو الملء الخامس في يوليو المقبل، ثم محاولة تشغيل عدة توربينات أخرى في نهاية العام الحالي". وشدّد على أن "مصر أعلنت بعد نهاية الجولة الأخيرة أنها ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السد، وأنها تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرضه للضرر". ورأى شراقي أن ذلك "يساعد مصر في سياسة النفس الطويل، والتحلي بالصبر والتمسك بالمفاوضات والشرعية الدولية، ووجود السد العالي الذي يمثل الحصن المنيع للحفاظ على الأمن المائي المصري". وكان ملء سد النهضة الرابع قد انتهى في الثامن من سبتمبر/أيلول 2023، بإجمالي 41 مليار متر مكعب. وأعلنت مصر في ديسمبر. وفي إبريل الماضي أعلنت الحكومة الإثيوبية، الانتهاء من نحو 95 في المائة من إنشاءات السد.