ردّ مسؤول في وزارة الموارد المائية والري المصرية على مدير سد النهضة الإثيوبي، كيفلي هورو، الذي قال، خلال مقابلة تلفزيونية يوم الجمعة الماضي، إن السد الذي تبنيه أديس أبابا "لن يضر بدولتي المصبّ (مصر والسودان) ضرراً حقيقياً، لأنه في الأساس مشروع لتوليد الكهرباء وليس لتخزين المياه". وقال المسؤول المصري إن تصريحات هورو "تعبّر عن مراوغة إثيوبية في قضية حساسة تمسّ حياة الملايين من المصريين والسودانيين".
وقال مدير سد النهضة الإثيوبي، في تصريحات لقناة "العربية" السعودية، إن أديس أبابا ماضية في تنفيذ مشروعها من دون أي تعطيل لأي سبب كان، وإن عملية الملء الثالث سوف تحصل في موعدها، في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول المقبلين، وإنها عملية تلقائية تحدث كلّما تم استكمال أعمال البناء في السد، ولا يمكن فنياً وقفها".
ورداً على مخاوف مصر من تهديد سد النهضة لأمنها المائي، قال المسؤول الإثيوبي: "هذه محطة مائية لتوليد الكهرباء، ما يعني أنها تحوّل قوة المياه المتدفقة إلى طاقة كهربائية، وما يدخل من مياه سيخرج فوراً (عند اكتمال الملء)، ولذلك فإن مخاوف القاهرة والخرطوم شائعات لأسباب سياسية، لرغبتهما في استغلال المياه وحدهما والاستحواذ على الموارد".
مسؤول مصري: تراوغ إثيوبيا في قضية حساسة تمس حياة الملايين من المصريين والسودانيين
لكنه في الوقت ذاته، أشار إلى أنه "قد تكون هناك آثار جانبية لسد النهضة، لا يمكن إنكار ذلك، لكنها ليست بالضرر الحقيقي، وهذه الآثار الجانبية تكون في فترات الملء، ولهذا تملأ إثيوبيا سد النهضة على مراحل، لمراعاة شؤون الدول الأخرى".
سد النهضة: نتائج كارثية لعدم التنسيق
ورداً على الكلام الإثيوبي، قال المسؤول المصري إن "المخاوف المصرية - السودانية من تأثيرات سد النهضة لا تتوقف فقط عند عملية الملء ومدتها، لكنها تشمل أيضاً قواعد التشغيل، وهي مسألة في غاية الحساسية. كما أن مصر لم تحدد عدد سنوات معين لملء سد النهضة، لكنها طلبت أن يكون الملء على مراحل تراعي الظروف الهيدروليكية للنهر، أي كمية الأمطار التي تهطل على هضبة الحبشة، وضرورة التنسيق بين السد العالي وسد النهضة".
وأوضح المصدر أنه "لو افترضنا أن إثيوبيا لم تستطع إكمال عمليات البناء في الموعد المحدد وبالتالي تأخر الملء، وهو أمر مرجح فعلياً، وبالتالي فإن مصر والسودان لن يتأثرا تأثيراً خطيراً بعملية الملء، فإن عدم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد تشغيل السد، يجعل أديس أبابا هي المتحكم الوحيد في مياه النيل الأزرق، وصاحبة القرار في فتح وغلق الممرات الخاصة بالسد، من دون التنسيق مع دولتي المصب".
وشرح المصدر أن "عدم التنسيق بين الدول الثلاث، خاصة في سنوات الجفاف الطويل، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية على دولتي المصب، وهذا هو مصدر القلق الرئيسي الآن بالنسبة إلى مصر والسودان، بعد تراجع المصدر الآخر، وهو سنوات الملء التي طالت من دون تدخّل من أحد، بسبب تأخر عمليات إنشاء السد".
وجهة نظر مصرية حول المخاطر الرئيسية للسد
وقال المصدر إن المخاطر الرئيسية لسد النهضة الإثيوبي تتمثل في "تخفيض حصّة مصر المائية بواقع 20 مليار متر مكعب من مياه النيل، ما سيتسبب في كارثة محققة، نظراً إلى أن مصر تعتمد اعتماداً شبه كامل على مياه النيل، نظراً لكونها دولة صحراوية". كما ذكّر بأن بلاده "لديها أعداد كبيرة من السكان (حوالي 100 مليون نسمة) وتحتاج إلى مياه النيل لكي تغطي احتياجات ومطالب السكان المتزايدة، وتنفذ خطط التنمية الشاملة".
وأشار المصدر إلى أن "الأبحاث الصادرة عن جامعة القاهرة تؤكد أن التأثيرات المتوقعة لإنشاء سد النهضة على مصر قد تكون كارثية، حيث من المتوقع ألا تتمكن من الحصول على كامل حصتها من مياه النيل".
وحذّر المصدر من أن هذه الحصة "قد تتضاءل لتصل إلى 34 مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما يشكل كارثة محققة لمصر في حال حدوثه، نتيجة للدمار الذي سيصيب الزراعة والثروة الحيوانية ويوقف مشروعات التنمية فيها، إلى جانب الآثار البيئية المدمرة والجفاف، ما قد يدفع المنطقة للدخول في صراعات عسكرية على المياه أو ما يعرف بحروب المياه".
ولفت المصدر إلى أن "هذه التأثيرات الجسيمة والموثقة بالأبحاث العلمية، تنفي حديث مدير سد النهضة الإثيوبي، والذي قال فيه إنه قد تكون هناك آثار جانبية لسد النهضة، لا يمكن إنكار ذلك، لكنها ليست بالضرر الحقيقي، وهذه الآثار الجانبية تكون في فترات الملء".
وأوضح المصدر أنه "في حال الانتهاء من مشروع سد النهضة والبدء في سنوات التخزين، فسوف يؤدي ذلك إلى نقص في حصة مصر من المياه بنسبة تتراوح بين 9 و12 مليار متر مكعب سنوياً". ولفت إلى أنه "في حال قررت إثيوبيا بناء مجموعة السدود المتكاملة (أربعة سدود)، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة النقص في حصة مصر من المياه بمقدار 15 مليار متر مكعب سنوياً". وتأتي هذه الخسارة "إلى جانب خسارة مصر نحو 3 ملايين فدان من الأراضي الزراعية، وتشريد ما يتراوح بين 5 و6 ملايين مزارع"، بحسب المسؤول.
ورداً على تأكيد مدير سد النهضة على أنه "ليست هناك شكوك حول سلامة السد"، عندما قال "لن ننفق أكثر من 4 مليارات دولار لتشييد سد غير آمن ولا يصمد طويلاً"، أشار المسؤول المصري إلى وجود احتمال بأن يحدث انهيار في السد نتيجة بنائه في منطقة منحدرة تشهد اندفاعاً لمياه النيل الأزرق، بما يزيد عن نصف مليار متر مكعب يومياً". ولفت إلى أن هذه المياه "تنحدر من أماكن ذات ارتفاعات شاهقة تصل إلى ألفي متر، ما قد يتسبب في حدوث فيضانات عارمة قد تطيح ببعض القرى والمدن".
وأضاف المصدر أنه "في حال انهيار السد الإثيوبي بشكل كامل، فإن اندفاع المياه الهائلة المحتجزة خلف السد سوف يتسبب في إغراق تام للعديد من المدن وستكون الخرطوم من بينها، وذلك نتيجة انهيار ودمار سدود الروصيروص وسنار ومروى، الواقعة داخل الحدود السودانية".
وقال المسؤول المصري إن "أزمة مياه النيل تعد أكبر وأخطر التحديات التي تواجهها البلاد، لارتباطها الوثيق بالأمن القومي ومستقبل الأجيال المقبلة". وشرح أنه لهذا السبب، فإن مصر "تولي قضية المياه أقصى درجات الاهتمام، سواء من حيث الحفاظ على مواردها وحسن استغلالها، أو الدفاع عن حقوقها التاريخية في مياه النيل، المورد الرئيسي للمياه".
كما لفت إلى أنه لهذا السبب، فإن مصر "وقّعت اتفاقيات قانونية عديدة مع دول حوض النيل، ومنها اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة مع إثيوبيا والسودان، والتي أكدت على التعاون المشترك على أساس التفاهم والمنفعة والمكاسب للجميع ومبادئ القانون الدولي، وتفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها".
حذّر مصدر مصري من أن حصة مصر من مياه النيل قد تتضاءل لتصل إلى 34 مليار متر مكعب سنوياً
وأشار المصدر إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في "خرق إثيوبيا اتفاقها مع مصر، والذي تضمن عدم إقدام أديس أبابا على أي إجراء يتعلق بالمياه وينتج عنه إضرار بمصر وأمنها المائي والقومي".
تعنّت إثيوبي واحتكار للقرار
من جهته، قال دبلوماسي مصري سابق، وخبير في الشؤون الأفريقية، إن تصريحات المسؤول الإثيوبي "تعكس حرص أديس أبابا على التأكيد على أنها صاحبة الحق المطلق في القرارات المتعلقة بالنيل الأزرق، وأنه كما قال وزير خارجيتها السابق جيدو أندارجاشيو: "سابقاً كان النيل يتدفق، والآن أصبح في بحيرة، ومنها ستحصل إثيوبيا على تنميتها المنشودة... في الحقيقة... النيل لنا".
وأضاف المصدر أن تصريحات المسؤول الإثيوبي (مدير سد النهضة الإثيوبي كيفلي هورو) تكشف أيضاً عن "عدم نية أديس أبابا التنازل في مسألة التعاون في إدارة وتشغيل السد بين الدول الثلاث، وهو الطلب الذي يصر عليه السودان ومصر، عبر توقيع اتفاق قانوني شامل حول قواعد ملء وتشغيل السد، وأنها مصرة على المضي قدماً في عمليات البناء والملء والتشغيل من دون مشاركة مصر والسودان، بما يعرّض دولتي المصب إلى أضرار جسيمة تؤثر على أمنهما القومي".
وأشار المصدر إلى أن "تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي أطلقها في يوليو/تموز الماضي في احتفالية كبرى باستاد القاهرة الدولي، والتي قال خلالها إن أمن مصر القومي خط أحمر لا يمكن اجتيازه، شاء من شاء وأبى من أبى"، مؤكداً أن مصر "لديها خيارات عديدة للحفاظ على أمنها القومي وستستخدمهاً وفقا لما يتناسب مع الموقف وتوقيته"، يجب أن تجد صدى على أرض الواقع، وإلا ستعتبر مجرد تصريحات في الهواء لا قيمة لها على أرض الواقع".
وفي فبراير/شباط الماضي، بدأت إثيوبيا إنتاج الكهرباء من السد الذي تكلف بناؤه مليارات الدولارات. وقتها، اتهمت وزارة الخارجية المصرية أديس أبابا بانتهاك جديد للاتفاق الأولي الموقع بين الدول الثلاث في عام 2015، والذي يحظر على أي منها اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في استخدام مياه النهر.
يذكر أن وزارة الخارجية السودانية عبّرت، أول من أمس السبت، عن رفضها لتصريحات مدير سد النهضة الإثيوبي، قائلة إنها "تسمم الأجواء الإيجابية".
وطالبت الخرطوم المسؤولين الإثيوبيين بـ"الكف عن التصريحات غير المنضبطة، والالتزام بمبادئ الدبلوماسية"، مؤكدة "تجاهل أديس أبابا لموقف السودان الثابت من عملية ملء وتشغيل السد إلّا بعد التوصل إلى اتفاق قانوني منصف وملزم يحقق مصالح شعوب الدول الثلاث". كما عبّرت عن "دهشتها من عدم اكتراث المسؤول الإثيوبي للأضرار المحتملة على الجانب السوداني، على الرغم من اعترافه باحتمال تأثر كل من السودان ومصر بعملية الملء الثالث، ما يشير إلى أن إثيوبيا تريد المضي قدماً في مواقفها الأحادية السابقة".