استمع إلى الملخص
- **الموقف المصري والأمريكي**: مصر عرضت وثائق تؤكد تضررها من حجز مياه النيل الأزرق وطلبت دعماً أمريكياً لتوقيع اتفاق قانوني ملزم بشأن السد، لكن مجلس الأمن غير مفيد نظراً لرفض الدول الكبرى الاعتراف بأهمية المشكلة.
- **تحليل الموقف الأمريكي**: خبراء أشاروا إلى انشغال إدارة بايدن بأمور داخلية وضعف موقفها الدبلوماسي، مما يجعل من الصعب توقع دور فعال لها في قضية سد النهضة.
في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المصري بدر عبد العاطي، الأربعاء الماضي في القاهرة، حرص وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على الإشارة إلى أنه بحث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي "قضية الطبيعة الوجودية لاحتياجات مصر المتزايدة للمياه، وأهمية نهر النيل البالغة بالنسبة للشعب المصري". ولكن من دون ذكر أزمة سد النهضة الإثيوبي على وجه الخصوص، أو نيّة الولايات المتحدة التدخل للوساطة بين مصر وإثيوبيا بشأن الملء الخامس، وهو ما أكد معلومات توفّرت لـ"العربي الجديد" حول طلب تقدمت به مصر إلى الولايات المتحدة، من أجل دعم موقف القاهرة في مجلس الأمن، في الشكوى التي تقدمت بها ضد إثيوبيا، مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي. واتهمت القاهرة في شكواها أديس أبابا بخرق اتفاق إعلان المبادئ الموقّع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021، رافضة تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق العام الحالي، واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي. وقالت إن هذه التصريحات "تعد غير مقبولة جملة وتفصيلاً للدولة المصرية، وتمثل استمراراً للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم".
سد النهضة في إطار أزمات مصر
بحسب المعلومات فإن المباحثات التي جرت في القاهرة بين المسؤولين المصريين والأميركيين، في إطار الحوار الاستراتيجي بين البلدين منذ عام 1998، شهدت عرض الجانب المصري على ممثلي الإدارة الأميركية، وثائق وبيانات أكدت تعرّض مصر لضرر بالغ نتيجة حجز كميات من مياه النيل الأزرق على مدار الأعوام الماضية من جانب إثيوبيا. وأظهرت المعلومات أن هذه البيانات جاءت في إطار عرض شامل للأزمة الاقتصادية الحالية في مصر، بالإضافة إلى مشكلة تدفّق اللاجئين. وطلب المسؤولون المصريون بعد ذلك دعماً أميركياً لموقف مصر في قضية سد النهضة بشكل عام، من خلال الضغط على إثيوبيا للقبول بالتوقيع على اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، وبشكل خاص في مجلس الأمن، من أجل تبني موقف لصالح مصر.
في السياق، قالت مديرة برنامج مصر بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، ميريت مبروك، لـ"العربي الجديد"، إن "مجلس الأمن لن يفيد القاهرة وأديس أبابا، لأن مصر والسودان ذهبا قبل ذلك إلى مجلس الأمن أكثر من مرة ولم يحدث شيء". وأضافت أن "الدول الكبرى في مجلس الأمن رفضت الاعتراف بأهمية مشكلة المياه في حوض النيل، وهذا في حد ذاته ليس مفاجأة، لأن هناك دولاً دائمة العضوية في المجلس، هي دول منابع مثلها مثل إثيوبيا، ومنها الصين التي لا تريد أن تكون حقوق المياه موضوعاً في مجلس الأمن".
الخضر هارون: إدارة بايدن مشغولة باستعادة الحكم لصالح الحزب الديمقراطي
لا تحوّل في الموقف الأميركي
حول إمكانية أن تشكّل تصريحات بلينكن تحولاً في الموقف الأميركي لناحية ممارسة الضغط على أديس أبابا للقبول بتوقيع اتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة كما تطالب القاهرة، لا سيما وسط تأكيد الإدارة الأميركية أهمية الدور المصري في أزمة غزة، قال السفير السوداني السابق لدى واشنطن، الخضر هارون، لـ"العربي الجديد": "أرجو أن يكون الأمر كذلك، لأن ذلك في مصلحة مصر والسودان معاً". لكنه اعتبر أنه "ينبغي الأخذ في الاعتبار الظرف الذي تقال فيه مثل هذه التطمينات، فإدارة جو بايدن في شهورها الأخيرة في السلطة، مشغولة باستعادة الحكم لصالح الحزب الديمقراطي، كما أنها تأمل في وضع نهاية لأزمة الرهائن الأميركيين الموجودين في قبضة حركة حماس، وقد تحصد جراءه بعض النقاط في الانتخابات باستمالة مصر في أزمة غزة". وأضاف أنه "لا ينبغي التعويل كثيراً على مثل هذه التصريحات المعممة التي تستخدم اللغة الدبلوماسية".
واتفق مع ذلك وزير الري المصري السابق محمد نصر علام، إذ قال لـ"العربي الجديد" إنه "إذا أردت أن تعرف الموقف الأميركي من قضية سد النهضة بالنسبة لمصر، فانظر ماذا يحدث من تجاوزات إسرائيلية على الحدود المصرية، تعلم الإجابة". والرأي ذاته تقريباً عبّر عنه المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير حسن هريدي، لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "الموقف الأميركي، لم يتغير مطلقاً، فهو يتحدث عن مبادئ عامة لا خلاف عليها، وإذا كان يرغب في الضغط على إثيوبيا لما كنا في الوضع الحالي".
هاشم علي: الإدارة الأميركية في عهد بايدن لا يتوقع منها أي قرارات ناجزة
من جهته، قال الكاتب والباحث في شؤون القرن الأفريقي، هاشم علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف الأميركي الآن في أضعف حالاته، وهناك أيضاً رئيس ضعيف يعاني الشيخوخة، و(الرئيس الأميركي جو) بايدن ووزير خارجيته بلينكن لم يستطيعا طيلة أشهر ماضية حمل إسرائيل على وقف حربها على غزة، وتحقيق سلام يجنب المنطقة ويلات المجهول". وأضاف أنه "رغم الضغوط الشعبية التي تطالب (رئيس حكومة الاحتلال بنيامين) نتنياهو وفريقه بعقد صفقة لإطلاق الرهائن المحتجزين لدى حماس والتوصل لاتفاق، لم تستطع القيادة الأميركية تحقيق أي تقدم". ولفت إلى أنه "إذا كان بلينكن ورئيسه يفشلان في خلق أي تأثير على القيادة الإسرائيلية، فكيف يتسنى لهما لعب دور في قضية سد النهضة؟". وباعتقاد علي فإن القضيتين، غزة وتطورات سد النهضة، "منفصلتان تماماً، على الأقل في الظرف الحالي، والإدارة الأميركية في عهد بايدن لا يتوقع منها أي قرارات ناجزة، سواء في وقف حرب غزة، أو إيجاد حل لقضية سد النهضة، ولا تجاه حرب السودان أو غير ذلك".
في عام 2019، قام وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري بالتوقيع المبدئي بالأحرف الأولى على الاتفاق الفني النهائي لتشغيل وإدارة سد النهضة الذي اقترحته كل من وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وكان ذلك في البيت الأبيض بواشنطن، إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. وكان التوقيع غير ملزم للحكومة المصرية، فيما رفضت أديس أبابا الحضور أصلاً إلى واشنطن، كما رفضت الخرطوم التوقيع. وبررت الخارجية السودانية الرفض، بأن دولة المنبع (إثيوبيا) لم تحضر فكيف للخرطوم أن توقّع. وحين انتقدت الإدارة الأميركية آنذاك السلوك الإثيوبي الذي تمثل في رفض الحضور إلى واشنطن في اللحظة الأخيرة، صدرت بيانات شديدة اللهجة من قبل أديس أبابا ضد الإدارة الأميركية، كان مفادها أن إثيوبيا "دولة ذات سيادة ولا ترضخ لضغوط من أي جهة أو دولة أياً كانت".