سد النهضة... آفاق لجوء مصر ثالثةً إلى مجلس الأمن

03 سبتمبر 2024
من أعمال بناء سد النهضة في إثيوبيا، 2022 (ميناسي وانديمو هايلي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مصر تتوجه لمجلس الأمن:** للمرة الثالثة، تقدمت مصر بشكوى إلى مجلس الأمن ضد إثيوبيا بسبب تطورات أزمة سد النهضة، مشيرة إلى خرق اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015.
- **تعقيدات قانونية ودولية:** أستاذ القانون الدولي أيمن سلامة أشار إلى أن اتفاقية إعلان المبادئ لم تنص على اللجوء لمجلس الأمن، لكن اللجوء إليه يظل مكفولاً بموجب ميثاق الأمم المتحدة.
- **تداخلات إقليمية وتنافسات:** الباحث هاشم علي أوضح أن الخطوات المصرية تأتي في سياق التنافس الإقليمي، مع تداخل قضيتي سد النهضة والميناء الذي طلبت إثيوبيا إنشاءه في أرض الصومال.

للمرة الثالثة، تتوجه مصر إلى مجلس الأمن بشكوى من إثيوبيا حول تطورات أزمة سد النهضة الإثيوبي، وسط تساؤلات حول جدوى تلك الخطوة، التي لم تأت سابقتاها بنتيجة إيجابية لحل الأزمة. وتأتي الخطوة المصرية في وقت تشهد فيه الأزمة بمنطقة القرن الأفريقي تطورات دخلت فيها القضية الصومالية طرفاً أصيلاً بعد إرسال مصر أخيراً قوات عسكرية إلى مقديشو، مع إصرار إثيوبيا على الوصول إلى البحر الأحمر عبر إنشاء ميناء في إقليم أرض الصومال غير المعترف به دولياً، وهو ما أدى إلى تشابك قضيتي سد النهضة والتدخل الإثيوبي في أرض الصومال. 

مصر تشتكي مجدداً الخرق الإثيوبي

وحول جدوى الخطوة المصرية، أكد أستاذ القانون الدولي العام، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الدكتور أيمن سلامة، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة الموقعة بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، في الخرطوم عام 2015، وهي اتفاقية ملزمة، لم تنص على لجوء أي من الدول الثلاث إلى مجلس الأمن، حال وجود نزاع حول تفسير أو تنفيذ هذه الاتفاقية". وأضاف أنه "في ظلّ السياقات العالمية الأخرى المهددة للسلم والأمن الدوليين، سواء في قطاع غزة أو في أوكرانيا أو السودان وغيرها من بقاع العالم، لا أعتقد أن مجلس الأمن الآن، وبعد أن قال قوله سابقاً في قضية سد النهضة والأزمة حوله، مهيأ للنظر في ذلك النزاع وتسويته".

أيمن سلامة: مجلس الأمن قال كلمته بقضية السدّ وليس مهيأ للنظر في ذلك النزاع وتسويته

وجاءت تصريحات أستاذ القانون الدولي العام، تعليقاً على الخطاب الذي أرسله وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، إلى مجلس الأمن يوم الأحد، وقد أشار فيه إلى "انتهاء مسارات المفاوضات بشأن سد النهضة بعد 13 عاماً من التفاوض"، وأكّد "رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تُشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015 والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر/أيلول 2021"، منوهاً بأن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي، "تُعد غير مقبولة جملة وتفصيلاً للدولة المصرية، وتمثل استمراراً للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم".

وأوضح أستاذ القانون الدولي، أنه على الرغم من عدم توقع صدور أي قرار ذي طبيعة إلزامية في قضية السد، إلا أن "اللجوء إلى مجلس الأمن، كما فعلت مصر مرتين سابقتين، مكفول لكافة الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وحتى للدول غير الأعضاء، حيث لها أن تخطر المجلس بأن هناك احتكاك دولي يمكن أن يفضي إلى تهديد للسلم والأمن الدوليين".

وتعليقاً على إشارة الخطاب المصري إلى "استعداد القاهرة لاتخاذ كافة التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه"، أوضح أستاذ القانون الدولي، أن "التفسير الحرفي لنص المادة 51 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، هو أن الدول تلجأ للدفاع عن النفس حين يتهددها عدوان عسكري ويعتدى عليها، وهذا هو أيضاً تفسير فقهاء القانون الدولي"، مشدداً على أن "العدوان العسكري فقط، هو الذي يجيز للدولة الدفاع عن نفسها"، وموضحاً أن "الدول حين تلجأ للقوة المسلحة للدفاع عن نفسها، تخطر مجلس الأمن، بعد لجوئها للقوة".

تقاطعات بين سد النهضة وميناء أرض الصومال

وحول المسارات الأخرى التي يمكن أن تتبعها مصر لحل أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، قال سلامة إنه "بالرغم من مضي أكثر من 13 عاماً على المفاوضات الماراثونية التي لم تسمن من جوع، إلا أن المفاوضات تظل هي الوسيلة الأفعل لتسوية النزاعات بين الدول الثلاث، وبعد المفاوضات تأتي الوساطة التي تقوم بها دول ومنظمات دولية، وهي عملية جُرّبت غير مرة لكنها لم تفلح في تقريب وجهات النظر الخلافية بين الدول الثلاث".

هاشم علي: دخلت قضية طلب إثيوبيا ميناء على البحر الأحمر،  في حيثيات التنافس والتباري

من ناحيته، رأى الكاتب والباحث في شؤون القرن الأفريقي، هاشم علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الخطوات التي تتخذها مصر حالياً بشأن سد النهضة وإعلامها مجلس الأمن بانتهاء مفاوضات السد بالفشل، تجيء مرتبطة بتطورات القضية الصومالية وإرسال مصر أخبراً قوات عسكرية إلى مقديشو". واعتبر أن "توقف مصر عن مفاوضات سد النهضة، وإعلانها الرسمي بفشلها، ليس جديداً، لكن مجمل الأمر في حيثيات التنافس والتباري، الذي دخلت فيه قضية طلب إثيوبيا ميناء على البحر الأحمر، واتفاقها الموقع مع إقليم أرض الصومال، وأدى إلى التداخل بين قضيتي سد النهضة ومشروع الميناء الإثيوبي على الشواطئ الصومالية، حيث تواترت التطورات بعد اتهام إثيوبيا مصر بإرسالها قوات عسكرية إلى الصومال وتأجيج الصراع في منطقة القرن الأفريقي".

وتابع علي: "في تقديري أن رفع شكوى مصر إلى مجلس الأمن بشأن ما تراه من تجاوزات إثيوبيا في قضية سد النهضة وتهديد أمنها المائي، يأتي في سياق جملة التنافسات بين الدولتين، والتي بالنسبة لمصر لا تنفصل فيها قضية الميناء الذي تحاول إثيوبيا اقتناءه في المياه الصومالية عن قضية سد النهضة، حيث تمثل القضية الأخيرة فرصة لمصر لزيادة ضغوطها على إثيوبيا، ومحاولتها لتدويل قضية سد النهضة، وبتدخلها كما حدث أخيرا في المنطقة، وتحقيق مرئياتها خاصة في قضية المياه بكافة ما تراه من سبل".