في ما بدا أنه كسر لجمود المشهد المتأزم بين مصر وإثيوبيا بشأن أزمة سدّ النهضة الإثيوبي، أعلنت القاهرة وأديس أبابا، أول من أمس الخميس، في بيان مشترك عن اتفاق الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء أبي أحمد على "الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سدّ النهضة وقواعد تشغيله"، و"بذل جميع الجهود الضرورية للانتهاء من هذا الاتفاق خلال أربعة أشهر".
وجاء في البيان أنه "خلال فترة هذه المفاوضات، أوضحت إثيوبيا التزامها، في أثناء ملء السدّ خلال العام الهيدرولوجي 2023-2024، بعدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان، بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلدين".
وتحدثت مصادر دبلوماسية مصرية وسودانية عن "تفاهمات شهدتها المفاوضات الفنية التي أُجريت أخيراً بالعاصمة الإماراتية أبوظبي". وبحسب مصدر تحدث لـ"العربي الجديد" أسفرت المفاوضات عن "ما يمكن تسميته بـ(تهدئة الأجواء المشحونة)". ولفت إلى أن "تلك التهدئة جاءت كخطوة أولى لتهيئة الأجواء لعودة المفاوضات بين البلدان الثلاثة على المستويين السياسي والدبلوماسي".
تفاهمات أبوظبي
وقال دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن اعتبار مخرجات اجتماعات أبوظبي الأخيرة حلولاً للأزمة، بقدر ما يمكن وصفها بأنها تفاهمات تمهد الطريق لعودة المفاوضات وتوقف السجالات والتصريحات المتشددة من الجانبين".
وأوضح أنه "جرى التوافق على قاعدة رئيسية ضمن قواعد التمهيد لاستئناف المفاوضات بين البلدان الثلاثة". وكشف أن "الجانب الإثيوبي تمسك بعدم التطرق خلال الفترة التمهيدية لمسألة الحصص التاريخية التي تتمسك بها مصر، وهو الأمر الذي وافق عليه ممثلو القاهرة بعد العودة للقيادة السياسية".
وبحسب الدبلوماسي المصري، فإن أديس أبابا "تتمسك بعدم الإشارة لمصطلح الحصص التاريخية، مع تأكيدها خلال الفترة المقبلة على عدم إلحاق الضرر بدولتي المصبّ (مصر والسودان)"، كاشفاً أن "ممثلي أديس أبابا في مفاوضات أبوظبي كانوا يؤكدون في حديثهم على مبدأ (تقاسم العجز)، بمعنى أنه في حال تراجعت مستويات الفيضان والأمطار على الهضبة الإثيوبية، فإن الدول الثلاث تتحمل ذلك النقص بتنسيق بينها، وإثيوبيا غير ملزمة بتوفير كميات محددة أو حصص ثابتة خلال تلك الفترة".
دبلوماسي مصري: لا يمكن اعتبار مخرجات اجتماعات أبوظبي حلولاً للأزمة
وتنص اتفاقية موقعة عام 1959 على حصول مصر على حصة من مياه النيل تقدَّر بـ55.5 مليار متر مكعب من إجمالي التدفقات، التي قدرتها الاتفاقية بـ84 مليار متر مكعب، فيما يحصل السودان بموجب الاتفاقية على 18 مليار متر مكعب.
وهي الاتفاقية التي ترفض إثيوبيا الاعتراف بما جاء بها، بحجة أنها امتداد لاتفاقية وُقِّعت عام 1929، في ظل وقوع غالبية دول حوض النيل تحت الاستعمار البريطاني، وتحاول أديس أبابا تحريض باقي دول الحوض على إعادة تقسيم مياه النيل.
من جهته، أوضح دبلوماسي مصري آخر تحدث لـ"العربي الجديد"، أنه "كان هناك توافق من أجل العودة للمفاوضات"، قائلاً إن "الجانب الإثيوبي أبدى مرونة بشأن العودة للمفاوضات، بتحفيز من دولة الإمارات"، مشيراً إلى أن "مصر أيضاً أبدت قدراً من المرونة بشأن بعض الملاحظات الإثيوبية".
وحول هذه التطورات، رأى أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العبرة ليست بالتصريحات أو الوعود الشفهية، فإذا كانت التصريحات الإثيوبية منذ عام 2011، ومنذ توقيع اتفاقية إعلان المبادئ 2015 في السودان، تتمحور حول عدم إيقاع ضرر ذي شأن على دولتي المصبّ، فلماذا ترفض مصر والسودان الملء الانفرادي لإثيوبيا من دون التشاور معهما".
وأضاف: "تجب الاستعانة دوماً بمراقبين دوليين ضمن لجنة تسمى لجنة التسيير، وفق الاتفاق النهائي، لمراقبة تشغيل سدّ النهضة". وأوضح سلامة أنه "لا بد أن يكون هناك مراقبون دوليون أو حتى من الدول الثلاث، ليحددوا ما إذا كان هناك ضرر ذو شأن أو لا، فالعبرة ليست بتصريحات دولة المنبع، ولكن بالواقع الحاصل على الأرض".
وحول ما إذا فشلت الدول الثلاث في التوصل لاتفاق خلال المدة المحددة، قال سلامة إنه في هذه الحالة "يتم الاحتكام للمبدأ العاشر من اتفاقية إعلان المبادئ بشأن سدّ النهضة، وهو (مبدأ التسوية السلمية للمنازعات) الذي ينص على أن (تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا)، و(إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لها مجتمعةً طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة)".
واعتبر سلامة أنه "إذا صحت الأنباء التي تتحدث عن إمكانية توصل مصر والسودان وإثيوبيا إلى اتفاق فني نهائي يترجم ما ورد من مبادئ عامة إطارية في اتفاقية 2015، إلى قواعد فنية تشغيلية، فهذا يمثل انفراجة كبيرة واختراقاً للمشاورات والمفاوضات المتواترة منذ عام 2011".
من جهته، ذكر منسق منتدى "الحق في المياه بالمنطقة العربية"، عبد المولى إسماعيل، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "مع الأسف الشديد، فإن التفاوض الآن، في ظل الوصول للملء الرابع، يصبّ في مصلحة الطرف الأقوى المتمثل في الجانب الإثيوبي".
ولفت إلى أن "تأخير المفاوضات حتى هذه اللحظة والمماطلة هدفهما إضعاف الموقف وأن تكون قدرة الجانب المصري محدودة في التفاوض، فإثيوبيا تعتبر أنها حققت كل الشروط الخاصة بها، قبل أن تبدأ التفاوض. وكان من الضروري منذ وقت بعيد الوصول إلى اتفاق ملزم ونهائي من دون المساس بحصة مصر التاريخية، وهي ليست بحصة تاريخية أصلاً، بل الحد الأدنى لمياه النيل الذي يكفي بالكاد الشعب المصري، ذلك لأنه ليس لمصر أي موارد مائية أخرى غير الذي يأتي من نهر النيل، الذي يوفر المياه لـ105 ملايين نسمة، سيزداد عددهم إلى 150 مليون نسمة في العام 2050، وفي هذه الحالة، ستصبح مصر دولة في حالة من التوتر والندرة المائية وما دون خط الفقر المائي".
عبد المولى إسماعيل: التفاوض الآن يصبّ في مصلحة الطرف الأقوى المتمثل في الجانب الإثيوبي
وأضاف إسماعيل: "من الذي يضمن أن تلتزم إثيوبيا بالإطار الزمني للمفاوضات والمقدّر بأربعة أشهر؟ ومن الذي يضمن أن تلتزم إثيوبيا بمخرجات المفاوضات؟ بعد أربعة أشهر ستكون إثيوبيا انتهت بالفعل من الملء الرابع، ما يعني أن القدرة التفاوضية للجانب المصري ستضعف أكثر".
عودة مفاوضات سدّ النهضة مجدداً
من جهته، رأى أستاذ هندسة السدود، محمد حافظ في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك احتمالية كبيرة جداً، أن يقود لقاء السيسي وأبي أحمد، إلى مفاوضات أبوظبي مرة أخرى، وذلك بعد خروج مصر منها في 23 مارس/آذار الماضي، اعتراضاً على موقف الإمارات الداعم للدولة الإثيوبية، ومحاولة إجبار مصر على الموافقة بحصول إثيوبيا على حصة ثابتة من إجمالي تدفقات النيل الأزرق عند موقع سدّ النهضة، حيث يقدر متوسط التدفق السنوي بنحو 48.5 مليار متر مكعب".
وكشف حافظ أن "هناك ضغوطاً متساوية، على الطرفين المصري والإثيوبي من قبل أبوظبي، التي تربط شرط مساعدة السيسي اقتصادياً وشراء الأصول المصرية، بموافقته على حصول إثيوبيا على حصة من تدفقات النيل الأزرق".
ولفت إلى أنه "في ظل ورطة السيسي الاقتصادية ومحاولته إثبات أنه قادر على حلها، هناك احتمال كبير جدا أن توقع إثيوبيا على اتفاق ملزم مع الدولة المصرية قريباً جداً وقبل انتخابات الرئاسة في مصر، يوافق فيه السيسي على حصة إثيوبيا، وهي أكبر من 9 مليارات وأقل من 16 مليار متر مكعب. وقد سبق للرئيس المصري أن أشار إليه الشهر الماضي عندما تحدث عن الحل الوسط".
وحول مبدأ "تقاسم العجز"، في حال تراجع مستويات الفيضان والأمطار على الهضبة الإثيوبية، وأن الدول الثلاث ستتحمل ذلك النقص بتنسيق بينها، وأن إثيوبيا غير ملزمة بتوفير كميات محددة أو حصص ثابتة خلال تلك الفترة، قال حافظ إن "هذا النص سيتضمنه أي اتفاق ملزم بين مصر وإثيوبيا، وكالعادة سيُترك من دون تحديد المصطلحات الفنية بقيم عددية، مثلما حدث مع اتفاقية مبادئ سدّ النهضة، فلن يحدد عددياً مصطلح (تراجع مستويات الفيضان) بقيم محددة، ولن يحدد أيضاً معنى النقص، ولن يحدد مصطلح (توفير كميات) بأرقام محددة، بل ستُترك هذه المصطلحات من دون تفسير، مما يسمح لإثيوبيا بتفسيرها لمصلحتها، مثلما حدث في اتفاقية المبادئ".
ورأى أنه "عليه، ليس هناك طرف ثالث محايد بين مصر وإثيوبيا يمكنه تعريف فيضان النيل الأزرق، ولا بد من الاعتماد كلياً على البيانات الإثيوبية، التي غالبا ما ستعطي بيانات لن تكون في مصلحة الدولة المصرية".