سحب السلاح من العراقيين: خطة الحكومة غير ناجحة

11 مارس 2024
متجر لبيع الأسلحة في بغداد، سبتمبر 2020 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

لا تبدو الخطة الحكومية التي وضعتها السلطات في العراق، بشأن شراء الأسلحة من العراقيين في إطار مكافحة ظاهرة السلاح المنفلت، ناجحة حتى الآن، خصوصاً مع الإقبال الضعيف على بيعها أو تسجيلها رسمياً عند الجهات الأمنية، على الرغم من مرور شهرين عليها. فيما يشير مراقبون إلى أن تطبيق القانون وسحب السلاح من متناول المواطنين لا يكون بالطرق الاختيارية، بل عبر وسائل الفرض.

وأعلنت وزارة الداخلية العراقية، في يناير/كانون الثاني الماضي، إطلاق مشروع جديد لـ"حصر السلاح في يد الدولة"، وتتضمن شراء الأسلحة من العراقيين، في إطار تنفيذ جزء من برنامج رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بهدف سحب السلاح من المواطنين.

وتتم عبر بوابة "أور" الإلكترونية الحكومية (موقع إلكتروني)، بالإضافة إلى فتح 697 مركزاً لشراء الأسلحة من المواطنين. وهي المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات العراقية إلى شراء الأسلحة من العراقيين، في إطار مشروع "حصر السلاح في يد الدولة" الذي رفعته كل الحكومات منذ عام 2005، من دون التقدم في هذا الملف، بل على العكس، فإن السلاح بات في المتناول، مسبباً كثرة في الجرائم والاعتداءات.

قضية سحب السلاح من العراقيين

ويُعدّ السلاح المنفلت في العراق من أكثر المشاكل التي تعيق استشراء الأمن والاستقرار في البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي. وسبق أن تعهد السوداني ضمن برنامجه الحكومي بسحب السلاح وإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، وهو التحدي الذي أثيرت شكوك سياسية حول قدرته على الوفاء به.


علي الحجيمي: الحكومة والسلطات الأمنية لا تملكان أي قاعدة بيانات واضحة عن انتشار السلاح 

في السياق، قالت مصادر أمنية عراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "الإقبال على تسجيل الأسلحة بهدف بيعها إلى الحكومة، ضعيف للغاية، وهذا ينطبق على كل المحافظات العراقية، وليس فقط على محافظة من دون غيرها". ولفتت إلى أن "بعض المراكز الجديدة الخاصة باستقبال الأسلحة من المواطنين، في بعض مناطق الجنوب، لم يزرها أي أحد منذ شهرين".

وأضافت أن "السلطات الأمنية تتواصل مع مخاتير المناطق، ووجهاء وشيوخ العشائر، لكن من دون أي تقدّم في هذا الملف، ناهيك عن جهود النشاطات المدنية، ومنها الندوات والاجتماعات مع نخب اجتماعية، وتعاون منظمات المجتمع المدني"، مؤكدة أن "الحملة ستستمر ولن تتوقف لأنها تمثل إجراءً تصحيحياً، لكن يبدو أنها بحاجة إلى دعم سياسي وكذلك المراجع الدينية من خلال إصدار فتاوى وبيانات".

من جهته، بيَّن الناشط المدني من محافظة النجف، علي الحجيمي، أن "شرائح عديدة من العراقيين لا يقبلون بالتخلي عن أسلحتهم، لأنهم لا يثقون في الوضع الأمني واستمرار وجود العصابات المنظمة والمليشيات، بالتالي فإنهم يجدون في الاحتفاظ بالسلاح مصدر أمن وأمان لهم".

وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية والسلطات الأمنية لا تملكان أي قاعدة بيانات واضحة عن حجم السلاح لدى شرائح من الشعب، لكن التقديرات تفيد بموجود نحو 10 ملايين قطعة، ناهيك عن سلاح العصابات".

أما عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ياسر اسكندر، فأكد أن برنامج وزارة الداخلية في تسجيل أسلحة المواطنين هو الخطوة الأهم بعد 2003 في حصر الأسلحة وخلق قاعدة بيانات رسمية لها، لكنه أشار إلى ضعف في الإقبال على تسجيل الأسلحة.

وقال اسكندر في حديث صحافي، إن "ضعف الإقبال على تسجيل الأسلحة من قبل المواطنين مع بداية تطبيق البرنامج، أمر متوقع، بسبب هواجس القلق والخوف التي تنتاب الكثيرين"، معتبراً أن "تراكمات ما بعد 2003 وإعادة ثقة المواطن في مؤسسات الحكومة من خلال فرض القانون وفق سياقات واضحة، أمر حيوي، ويحتاج إلى الصبر والمتابعة".

استراتيجية سحب السلاح

وسبق أن أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني، العميد مقداد ميري، أن "استراتيجية سحب السلاح وحصر السلاح المنفلت من قبل وزارة الداخلية مستمرة إلى نهاية العام الحالي كسقف زمني، ومن ثم ننتقل إلى مراحل أخرى". وبيّن في تصريحات صحافية أنه "تم تشكيل لجنة وتحديد أسعار الشراء ولم تبق إلا المصادقة عليها، والوزارة جادة في تنفيذ البرنامج الحكومي".


مصادر أمنية: بعض مراكز شراء الأسلحة في مناطق الجنوب لم يزرها أحد

من جهته، لفت الخبير الأمني أحمد الشريفي إلى أن "تطبيق وإنفاذ القانون أحياناً يتطلب خيارات الفرض، وليس عبر الحلول الاختيارية، لا سيما في ملف السلاح المنفلت، إذ لا بد من سحب هذا السلاح بالطرق الممكنة، فشراء الحكومة للأسلحة من العراقيين هو خيار جيد ومهم، لكن يبقى السلاح المنتشر بيد العصابات". واعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الخطر الحقيقي لهذا السلاح هو وجوده في يد الخارجين عن القانون، وهناك حاجة لفرض القانون ومنع التسبب في مشكلات أمنية".

ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة في العادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق كلاشينكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع "هاون" وقذائف "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد.

وتملك غالبية هذه الأسلحة المليشيات والجماعات المسلّحة، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد الغزو الأميركي للبلاد، وانعدام الأمن، واضطرار العراقيين للتفكير في الدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.