سجون السودان.. حرب من نوع آخر

28 ابريل 2023
لا توجد أرقام رسمية حول عدد نزلاء السجون الذين أخرجوا منها (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

في خضم القتال المحتدم بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، ظهرت إلى الواجهة حرب من نوع آخر، تمثلت في إطلاق سراح آلاف السجناء في ولاية الخرطوم، بينهم مدانون في جرائم جنائية، ما يهدد بتعميق الفوضى في العاصمة.

ويمكن أن يشكل فرار سجناء سياسيين من قيادات النظام السابق ورقة ضغط يلعبها طرف ضد آخر في معركة كسر العظم بين الجيش و"الدعم السريع".

إلا أن كلا الطرفين المتحاربين يُحمّل الآخر مسؤولية إطلاق سراح آلاف المساجين في الشارع، في ظل الكم الهائل من المعلومات المتضاربة التي تجعل من الحقيقة ضائعة وصعبة المنال.

ولا توجد أرقام رسمية حول عدد نزلاء السجون الذين أخرجوا منها، ولكن يمكن تقديرهم بما بين 18 ألفاً و30 ألفاً، بناء على قدرة استيعاب هذه السجون، رغم أن بعضها يعاني من اكتظاظ ويستوعب فوق قدراته.

اتهامات متبادلة

ويتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع باقتحام "سجون الهدى وسوبا والنساء بأم درمان (غربي الخرطوم) وإجبار شرطة السجون على إطلاق سراح النزلاء بعد قتل وجرح بعض منسوبي الشرطة".

وحذر الجيش، في بيان، من تمدد هذا الوضع إلى ولايات أخرى، قائلاً إن النزلاء في بعض السجون بدؤوا "المطالبة بإطلاق سراحهم أسوة بما جرى في بعض سجون ولاية الخرطوم، وما قد يترتب على ذلك من فوضى وانتشار للجرائم، خاصة أن بعض هؤلاء النزلاء محكومون أو منتظرون بموجب جرائم جنائية خطيرة".

وزارة الداخلية، التي تتبعها إدارة السجون والإصلاح، أكدت الاتهامات التي كالها الجيش لقوات الدعم السريع، وأفادت، في بيان لها، بأن قوات الدعم السريع اقتحمت 5 سجون، وأطلقت سراح نزلاء في الفترة من 21 إلى 24 إبريل/نيسان الجاري.

بينما نفت قوات الدعم السريع، عبر بيانات وتصريحات لقياداتها، تورطها في إطلاق سراح المساجين، بل واتهمت الجيش "بإشعال الحرب كغطاء لإخراج قيادات النظام البائد من سجن كوبر (شمالي الخرطوم) لاستكمال مشروعه الانقلابي والعودة مجددا إلى السلطة"، على حد ما جاء في البيان.

الجيش نفى فرار الرئيس السابق عمر حسن البشير من سجن كوبر

ففي 25 إبريل، قال أحمد هارون، القيادي في حزب البشير (المؤتمر الوطني العام)، في تسجيل صوتي إنه غادر رفقة عدد من قادة النظام السابق سجن كوبر، من أجل "حماية أنفسنا بعد تدهور الأوضاع في السجن وانعدام الماء والخبز وانقطاع الكهرباء".

إلا أن الجيش نفى فرار الرئيس السابق عمر حسن البشير من سجن كوبر الذي كان معتقلاً فيه، وقال إن "جزءا من متهمي انقلاب 30 يونيو/حزيران 1989 (الذي قاده البشير) من العسكريين كانوا محتجزين في مستشفى علياء العسكري (في أم درمان غربي العاصمة) قبل اندلاع التمرد في 15 إبريل الجاري".

وأشار إلى أن المحتجزين هم "عمر حسن البشير، وبكري حسن صالح، وعبد الرحيم محمد حسين، وأحمد الطيب الخنجر، ويوسف عبد الفتاح".

وبالرجوع إلى شهادات نزلاء السجون الذين فروا منها، وتناقلتها وسائل إعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، فهناك روايتان ليستا بالضرورة متناقضتين، الأولى تقول إن قوات الدعم السريع هاجمت السجون وحررت المساجين الذين كان بعضهم يهتف باسمها.

أما الرواية الثانية فترى أن إدارات السجون لم تتمكن من توفير الغذاء للنزلاء بسبب الاقتتال وصعوبة إيصال المؤن إلى السجون، ما حرم المساجين من الطعام نحو ثلاثة أيام، الأمر الذي دفعها لإطلاق سراحهم حتى لا يموتوا جوعاً، ناهيك عن عدم قدرتها على تأمين حياتهم.

وأهم السجون التي أفرغت من نزلائها في ولاية الخرطوم تتمثل في:

سجن كوبر

يعتبر السجن المركزي في الخرطوم، بل من أقدم سجون البلاد وأكثرها اكتظاظاً بالنزلاء، ويعود إلى فترة الاحتلال البريطاني، حيث شيد في 1903، وحمل اسم مديره البريطاني الجنرال كوبر.

ويقع السجن في منطقة خرطوم بحري (شمالي العاصمة)، ويضم نحو 4 آلاف نزيل، واشتهر أكثر بعدما جرى احتجاز أبرز قيادات نظام السابق، وعلى رأسهم عمر حسن البشير، لفترة معينة.

وتتهم قوات الدعم السريع الجيش السوداني بتحرير معتقلي النظام السابق لإعادتهم إلى السلطة، الأمر الذي ينفيه الجيش.

بينما ذكرت صحيفة السوداني، في 22 إبريل، أن 5 نزلاء بسجن كوبر قتلوا إثر إصابتهم "بمقذوفات" داخل محبسهم، ونزفوا في زنزانتهم حتى الموت.

ـ سجن الهدى: ويقع في أم درمان، وكان يضم نزلاء متهمين بدفع شيكات من دون رصيد، قبل أن يضم نزلاء آخرين بينهم معارضين سابقين لنظام البشير، ويعد من أكبر سجون الخرطوم، إذ تصل قدرته الاستعابية إلى ما بين 10 إلى 15 ألف نزيل.

واتهم الجيش قوات الدعم السريع بمهاجمة السجن مساء 21 إبريل، لكن الأخيرة وصفتها بـ"المزاعم المتداولة" في شبكات التواصل الاجتماعي، واتهمت الجيش بتوزيع زي قواتها على عناصر وصفتهم بـ"الفلول" لتنفيذ أعمال إجرامية وإلصاق التهمة بها.

ـ سجن سوبا: ويقع جنوب الخرطوم بالقرب من نهر النيل الأزرق، وافتتح حديثاً في عام 2021، ويتسع لنحو 3 آلاف و600 نزيل، وفق وكالة الأنباء السودانية.

وعقب فرار سجناء سجن الهدى، انتشر فيديو لنزلاء في سجن سوبا أفادوا بأن قوات الدعم السريع أطلقت سراحهم، بعد أن بقوا نحو ثلاثة أيام بلا طعام ولا شراب، ما دفعهم للاحتجاج داخل السجن.

وهتفوا السجناء الفارون من سجن سوبا باسم قوات الدعم السريع، رغم أن الأخيرة تنفي تورطها بتحرير السجناء.

ـ سجن النساء: ويقع في أم درمان، ومن خلال اسمه يتضح أنه مخصص للنساء فقط، وغُيّر اسمه إلى "دار التائبات"، وبثت صور لمئات النزيلات بالسجن خرجن منه، بعد أن شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة وقعت في محيط مبنى الإذاعة والتلفزيون غير البعيد من السجن.

وخروج آلاف النزلاء من سجون الخرطوم من شأنه إرباك المشهد الأمني في البلاد، ويضعف قدرة الدولة بما تبقى من مؤسساتها بحفظ الأمن والأرواح والممتلكات.

فآلاف السجناء الجوعى والعطشى ومن دون مأوى يشكلون تهديداً حقيقياً على ممتلكات الناس، خاصة أن بينهم مدانون في قضايا جنائية، ووثق ناشطون عمليات نهب وسطو على محال تجارية، بينها محال سوق الذهب وسط الخرطوم.

(الأناضول)

المساهمون