سجال ألماني متزايد مع توجه الحكومة نحو خفض مساعداتها لأوكرانيا

21 اغسطس 2024
زيلينسكي وشولتز خلال مؤتمر صحافي في برلين، 11 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **خفض المساعدات لأوكرانيا**: الحكومة الألمانية تخطط لخفض المساعدات لأوكرانيا من 8 مليارات إلى أقل من 4 مليارات يورو، مما يثير قلقاً بين الأحزاب وانتقادات للمستشار أولاف شولتز.

- **ردود الأفعال الداخلية والخارجية**: تتباين ردود الأفعال داخل الحكومة وبين الأحزاب، حيث يعارض البعض خفض المساعدات ويقترحون استخدام الأموال الروسية المجمدة لتعويض النقص، بينما تحذر المعارضة من إدارة الظهر لأوكرانيا.

- **المساعدات الألمانية والتحديات المستقبلية**: قدمت ألمانيا مساعدات بقيمة 14.7 مليار يورو لأوكرانيا منذ بداية الحرب، وتواجه تحديات في الحفاظ على توازنها السياسي الداخلي وتحديد استراتيجيتها المستقبلية في دعم أوكرانيا.

تعيش الساحة السياسية الألمانية سجالاً متزايداً على وقع رغبة الحكومة الائتلافية في خفض المساعدات الألمانية لأوكرانيا إلى النصف تقريبا، من نحو ثمانية مليارات إلى أقل من أربعة مليارات يورو، وهو ما يثير قلقاً لدى أطراف حزبية تعتبره بمثابة نسفٍ لتصريحات المستشار أولاف شولتز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، بأن بلاده ستظل تساعد أوكرانيا "طالما احتاجت لذلك".

وبات ما كان يسمى سابقا "تسريبات"، صريحا في برلين، حيث أصبح حليف شولتز الحكومي وزير المالية الليبرالي كريستيان ليندنر يؤكد الذهاب نحو خيار خفض المساعدات إلى أوكرانيا، كما نقلت عنه الأحد الماضي صحيفة فرانكفوتر ألغيماينه تسايتونغ. يأتي ذلك فيما يتعرض شولتز، الذي انتهج سياسة مترددة في بداية الحرب الأوكرانية بشأن دعم كييف، للكثير من الانتقادات واتهامات بأنه يخلق شكوكا حول استعداد ألمانيا لمواصلة دعم أوكرانيا.

ومن غير الممكن أن يقول  ليندنر إنه "لا مزيد من الأموال الجديدة لأوكرانيا" من دون دعم من رئيسه شولتز وكل من وزيري الدفاع بوريس بيستوريوس والخارجية أنالينا بيربوك، المسؤولين عمليا عن تنسيق المساعدات. ومع أن السنوات الثلاث الأولى من عمر الحكومة الائتلافية لم تشهد صداما جادا بين أقطابها، خصوصا بين اليسار والليبراليين المتناقضين في قضايا عدة، فإن أخبار خفض المساعدة ربما تصبح أرضية لزعزعة تآزر الائتلاف الحاكم، خاصة أنها مساعدة يعدّها البعض مسألة أمن قومي استراتيجي لإبعاد "الخطر الروسي".

من جهتها، تذهب ردود أفعال يمين الوسط إلى التحذير من "ترك أوكرانيا فعلياً في مأزق"، وفقا للمتحدث باسم الديمقراطيين المسيحيين المحافظين، رودريش كايسيفيتر. ليس ذلك فحسب، بل حتى في صفوف حزب شولتز نفسه (يسار الوسط) هناك من يعبّر عن تململ وشبه تمرد، خصوصا على مستوى البرلمان (البوندستاغ). وفي هذا السياق، أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، (الديمقراطي الاجتماعي)، مايكل روث، على رفضه خفض المساعدات لأوكرانيا، مشددا على أن الجيش الأوكراني "في حالة هجوم للمرة الأولى منذ أشهر، وتحتاج أوكرانيا إلى الدعم الكامل من أهم داعم عسكري لها في أوروبا، وهي ألمانيا".

ويشدد روث، في تصريحات للشبكة الإخبارية دويتشلاندفونك، على أن على بلده البحث عن "قدوة أخرى غير فرنسا وإيطاليا وإسبانيا في مجال الدعم القليل الذي يقدمونه لأوكرانيا"، متخذا جاره الشمالي الصغير الدنمارك ودول البلطيق كنماذج على ما يجب القيام به لزيادة الدعم العسكري لكييف.

أموال روسيا المجمدة حل لتعويض نقص المساعدات إلى أوكرانيا

إلى ذلك، عاد وزير المالية ليندنر ليؤكد أن الحل موجود في السماح لأوكرانيا بالتصرف في أموال روسيا المجمدة في أوروبا وأميركا. وكانت ألمانيا والدول الصناعية الست الأخرى "مجموعة السبع" اتفقت في قمة المجموعة في إيطاليا قبل شهرين على منح كييف "الحق" في استخدام الأموال الروسية، لكن الخطة بقيت من دون تفاصيل وتواريخ محددة.

وتشير مجلة دير شبيغل إلى أنه في حال خفض المساعدة الألمانية فعلى الدول الغربية التحرك سريعا لوضع إطار زمني وتنفيذي للتصرف في الأصول الروسية في الغرب. وشددت "شبيغل" على أن الوقت ليس في مصلحة أحد، حيث من المفترض أن يقدم الاتحاد الأوروبي في بداية سبتمبر/أيلول القادم خطته عن مساعدة كييف بضمانات لقروض جديدة تتجاوز الخمسين مليار يورو.

وبموازاة ذلك، فإن معسكرَي اليمين المتشدد واليسار الشعبوي يتربصان بمواقف معارضة لانخراط برلين في الحرب الأوكرانية، حيث تشهد ثلاث ولايات في شرق البلاد انتخابات محلية الشهر القادم، وتتجه ألمانيا نحو انتخابات عامة في العام القادم، وسط تصاعد شعبية رافضي الانخراط في مواجهة روسيا.

وفي غمرة هذا السجال حول ما يسميه البعض نشوء قلق من سياسات ألمانيا (الأوكرانية - الروسية)، اضطر المستشار شولتز للخروج يوم 19 من الشهر الحالي بموقف يعيد تأكيد ثبات المواقف، حيث كتب على منصة إكس، أن "ألمانيا كانت وستظل الداعم الأقوى لأوكرانيا في أوروبا. ونحن نواصل دعمنا من خلال قرض نطلقه مع مجموعة السبع بقيمة 50 مليار يورو".

وفي كل الأحوال، من الواضح أن تباين المواقف بدأ يطلّ برأسه في صفوف الطبقة السياسية الحاكمة. إذ بينما يصر رئيس لجنة الدفاع، ماركوس فابر، من الحزب المشارك في الحكم (الديمقراطي الحر)، على الحل المتمثل في التصرف في أموال روسيا المجمدة "بدل السماح للخزانة الألمانية بالدفع العاجز"، فإن رفيقه من ذات الحزب والمتحدث باسمه، رودريش كايسيفيتر، يؤكد أن أي تهاون في دعم أوكرانيا على المستوى العسكري "سيكون قاتلا وسيظهر لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين أن الغرب يستسلم".

وفي المقابل، بدأت المعارضة المحافظة، خصوصا حزب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، (الديمقراطي المسيحي)، ترفع صوتها ضد حكومة شولتز، محذرة من سياسات "إدارة الظهر لأوكرانيا". بل ويطالب المسيحيون الديمقراطيون بالنظر إلى مساعدة أوكرانيا من زاوية المصالح الأمنية القومية، وبأنه لا يجوز خفض الاستثمار فيها، باعتبار أن التصدي لروسيا في أوكرانيا دفاع عن ألمانيا. ويشدد المحافظون على ضرورة تبنّي البرلمان مشروع زيادة المبالغ المخصصة لدعم أوكرانيا بدل تخفيضها.

المساعدات الألمانية لكييف

وبلغت المساعدات الألمانية لأوكرانيا 14.7 مليار يورو منذ بداية الحرب؛ 10 مليارات منها مساعدات عسكرية. وتعدّ ألمانيا ثاني أكبر جهة مانحة بعد الولايات المتحدة الأميركية. أما من خلال النسبة والتناسب فإن دولا مثل الدنمارك ودول البلطيق، إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، تتربع على قمة الدعم لأوكرانيا.

وبرغم التحذيرات الروسية شديدة اللهجة بعد ارتفاع السجال عن تزويد ألمانيا لكييف بمعدات عسكرية، خرجت برلين من ترددها وحساباتها المعقدة في العلاقة بموسكو، أرسلت من بين أمور أخرى 66 دبابة ليوبارد و140 عربة مشاة قتالية و26 نظام دفاع جوي، بحسب معهد كييل للاقتصاد العالمي. ومنذ ذلك الحين، تزايدت العسكرة وارتفع الاستثمار المالي في القضايا الأمنية الدفاعية، ومن بينها تعويض النقص في المخازن العسكرية بسبب دعم كييف بالذخائر، حيث لا يستبعد بعض الوزراء والسياسيين زيادة المبالغ المخصصة للعسكرة إلى أكثر من 300 مليار يورو.