الانتخابات الأميركية: سباق مع الوقت لخفض الخسائر وترتيب مخرج لتنازل ترامب

10 نوفمبر 2020
رفع البيت الأبيض سقف التحدي رافضاً النتائج (أندرو كاباليرو رينولدز/فرانس برس)
+ الخط -

بعد هدوء مشوب بالحذر خلال عطلة نهاية الأسبوع، عاد التوتر العالي من جديد كما كان متوقعاً، إلى أزمة الانتخابات. البيت الأبيض رفع سقف التحدي رافضاً النتائج والتنازل للرئيس المنتخب جو بايدن. تسليمه بفوز هذا الأخير غير متوقع قبل المرور في طريق وعرة من المنازعات القضائية والخضات السياسية التي يجري التحرك على أكثر من صعيد لاستباقها، أو على الأقل لتخفيف وقعها وتقليل خسائرها، عبر محاولات الاحتواء وترتيب مخرج يرضي الرئيس دونالد ترامب ويحمله على القبول بالأمر الواقع. بلوغ هذه المحطة ما زال على مسافة غير قصيرة وربما غير مأمونة بالمعايير المألوفة.

بدأ فريق ترامب نهاره بوابل من الطعون بنتائج الانتخابات أمام المحاكم، في عدة ولايات. خطوة لم تكن مفاجئة. الرئيس والجناح المتشدّد من معاونيه وأنصاره مصرّون على زعمهم بأن الانتخابات مزوّرة وبأن الخصم "سرقها " منهم بالغش والتلاعب في الأصوات، وبالتالي لا بد من اللجوء إلى القضاء لإحقاق الحق. زعم لم يلق صداه لعدم توفر الأدلة، حتى لدى الدوائر المؤيدة للرئيس أو المتعاطفة معه، مثل شبكة "فوكس نيوز" وعدد من الجمهوريين في الكونغرس.

تبع ذلك قرار رئاسي مفاجئ عبر "تويتر" بإقالة وزير الدفاع مارك إسبر بما يشبه الطرد الفوري. العلاقة بينهما كانت مضطربة. ثم تأزمت في أغسطس/آب في أعقاب التظاهرات رداً على مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد، وتشديد الوزير، ومعه رئيس هيئة الأركان الجنرال مايك ميلي، على ابتعاد القوات المسلحة عن أي نزاع داخلي أو انتخابي. موقف أدى إلى تزايد الجفاء بين البيت الأبيض والبنتاغون.

وكان قد تردّد أواخر الأسبوع الماضي بعد الانتخابات أن الوزير "أعدّ كتاب استقالته". التوقيت سمح بربط تسريب الخبر بالانتخابات، وشكّل إشارة إلى أن الرئيس ينوي التصعيد باتخاذ قرارات كبيرة من شأنها لو تحققت، أن تزيد من خلخلة الأوضاع وزيادة اهتزاز الصورة في الخارج، خصوصاً أن الشائعات ملأت واشنطن بأن إقالات أخرى على الطريق، قد تطاول مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي أي"، الذي اعرب الرئيس في المدة الأخيرة عن عدم ارتياحه له، بالإضافة إلى أنها قد تشمل مديرة "سي أي آيه" وحتى وزير العدل المقرّب من ترامب، ويليام بار، الذي انضم ليل الإثنين إلى فريق الاعتراض على النتائج، وأعطى توجيهاته للمحققين في وزارته بفتح تحقيقات في الموضوع، وذلك بعد أن تحسّس احتمال إقالته إذا لم يفعل، حسب بعض التفسيرات. وقد أثار موقفه دهشة المراقبين، إذ ليس من شان وزارة العدل التدخل في الخلافات الانتخابية المطروحة الآن أمام المحاكم.

تداخل الأمور بهذه الصورة، يزيد من تعقيد المشهد، في لحظة يُفترض أن تكون مخصصة لإجراءات التسلم والتسليم بين الإدارتين المغادِرة والقادمة. وقد أدى ذلك على ما بدا إلى مسارعة الجمهوريين في الكونغرس، خصوصاً في مجلس الشيوخ، إلى الوقوف وراء الرئيس في لجوئه إلى القضاء وتأكيد حقه "مئة بالمئة" في الطعن بنتائج الانتخابات، على حدّ تعبير زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل. في حين يعرف السناتور وغيره من الجمهوريين، أن المقاضاة لن تؤدي في ضوء المعطيات الراهنة، إلى أي نتيجة طالما بقيت مفتقدة إلى البرهان واليقين. لكن الحاجة إلى تنفيس الأزمة وتقليل خسائرها حاجة سياسية للجمهوريين في هذه اللحظة لاجتناب نقمة الرئيس لئلا يتخلى عن استنفار قاعدته في انتخابات ولاية جورجيا في 5 يناير/كانون الثاني المقبل لاختيار حصتها في مجلس الشيوخ (سناتوران)، بعد أن فشل المرشحون لملء هذين المقعدين في الحصول على الحدّ الأدنى المطلوب في انتخابات الأسبوع الماضي.

وعلى هذين المقعدين، يتوقف حسم لمن ستكون الأغلبية في المجلس، للديمقراطي أم للجمهوري. وبذلك هي معركة فاصلة لا يقوى الجمهوري على الفشل فيها بعد أن خسر الرئاسة، وفق الاعتقاد السائد، والأرقام التي رجحت كفة بايدن. فالجمهوريون يعملون الآن على خطين: كسب انتخابات جورجيا لمجلس الشيوخ، وشراء الوقت لتبريد الأزمة، علّ ذلك يوفر المخرج المقبول الذي "يحفظ ماء وجه الرئيس"، وبما يحمله على التزحزح عن موقفه والتنازل للرئيس المنتخب بايدن.

المحاكم لا تتأخر في مثل هذه الحالة، في البتّ بالشكاوى. قد تقضي بإعادة فرز الأصوات في بعض المناطق أو الولايات. استئناف قراراتها وعدّ الأصوات من جديد، قد يأخذ أسابيع عدة، بما في ذلك وصول الطعون إلى المحكمة الفيدرالية العليا. لكن فضّ النزاعات هذه يُفترض أن يحصل قبل 14 ديسمبر/كانون الأول المقبل، الموعد الدستوري لتصويت المجمع الانتخابي على تكريس فوز الرئيس المنتخب. الخشية الآن في ضوء التعقيد وعدم التزحزح، أن يجري تجاوز هذا الموعد من دون حسم. الأرجح أنه من المستبعد وصول المسألة إلى هذا الحدّ، على الأقل لأن لا سابقة لذلك. لكن ما لا جدال فيه أن المشكلة ما زالت في بداياتها ومفتوحة على أكثر من احتمال.

المساهمون