سباق غربي على حكام سورية: لقاء أميركي "إيجابي" مع الشرع

21 ديسمبر 2024
موكب الوفد الدبلوماسي الأميركي في فندق "فور سيزنز"، دمشق، أمس (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الانفتاح الغربي على القيادة السورية الجديدة: زيارة وفد أميركي بقيادة باربرا ليف لسورية تعكس الانفتاح الغربي بعد سقوط نظام الأسد، وتركز على الانتقال السياسي وحقوق الأقليات، مع وجود 2000 جندي أميركي لدعم محاربة "داعش".

- الموقف العربي الحذر: القيادة السورية تسعى لدعم سياسي واقتصادي، بينما تبدي الدول العربية حذرًا، حيث أعادت قطر فتح سفارتها في دمشق، وأبدت الأردن ومصر قلقهما من الفوضى الأمنية.

- الدور الأوروبي المتزايد: الاتحاد الأوروبي يدرس تخفيف العقوبات ودعم إعادة الإعمار، مع تأكيد على عملية سياسية شاملة وحقوق الإنسان، واستئناف الاتصالات مع السلطات السورية الجديدة.

جاء الدور أمس الجمعة على الولايات المتحدة لتمدّ خطوط تواصل مباشر مع القيادة الجديدة في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، عبر زيارة وفد أميركي للمرة الأولى منذ سنوات إلى سورية حيث التقى أحمد الشرع، قائد إدارة العمليات العسكرية وزعيم "هيئة تحرير الشام" التي تصنّفها واشنطن "إرهابية"، وذلك في سياق الانفتاح الغربي على القادة الجدد، في سياق محاولة الغرب رسم مسار للانتقال السياسي في سورية يكون وفق شروطه "شاملاً" وبلا إقصاء ويضمن حماية الأقليات.

في المقابل، تسعى الإدارة السورية الجديدة للحصول على دعم سياسي واقتصادي، وصولاً إلى رفع العقوبات المفروضة على سورية منذ عهد بشار الأسد، وذلك في وقت تحتاج فيه سورية إلى أموال إعادة الإعمار. مقابل هذا الانفتاح الغربي على دمشق، بدا الموقف العربي أكثر حذراً. وأعادت قطر افتتاح سفارتها في دمشق بعد قطيعة مع نظام بشار الأسد، وأرسلت مساعدات إنسانية عاجلة، كما أن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة كان قد أرسل رسالة إلى الشرع نشرت وكالة "سانا" نصها، أكد فيها "أننا في مملكة البحرين، بحكم رئاستنا للقمة العربية، على استعداد للتشاور المستمر معكم وتقديم الدعم في المنظمات الإقليمية والدولية لتحقيق ما في صالح الشعب السوري". واكتفت المواقف العربية الأخرى بإصدار بيانات عمومية حول الوقوف مع الشعب السوري، واحترام خياراته، بدون أن تبادر إلى أي خطوة عملية باتجاه الحكم الجديد.

وفد أميركي في سورية

وعقد الشرع، أمس الجمعة، في دمشق "لقاء إيجابياً" مع وفد دبلوماسي أميركي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وشمال أفريقيا باربرا ليف، وفق ما كشف مصدر من السلطة الجديدة لوكالة فرانس برس. وقال المصدر "جرى اللقاء وكان إيجابياً، وستصدر عنه نتائج إيجابية إن شاء الله". وهذا أول اتصال رسمي وعلني بين الولايات المتحدة والحكم الجديد في سورية، بقيادة "هيئة تحرير الشام" التي ما تزال مصنّفة على قوائم الإرهاب الأميركية. وضم الوفد إلى ليف كلّاً من المبعوث الرئاسي لشؤون الرهائن روجر كارستينز، والمستشار المعين حديثاً دانيال روبنستين الذي كُلّف بقيادة جهود الخارجية الأميركية في سورية. وقبل اللقاء، أفادت الخارجية الأميركية بأن الاجتماع سيبحث "مجموعة من المبادئ، مثل الشمول واحترام حقوق الأقليات التي تريد واشنطن تضمينها في الانتقال السياسي في سورية".

عقد الشرع في دمشق "لقاء إيجابياً" مع وفد دبلوماسي أميركي برئاسة باربرا ليف

وكان لافتاً إعلان السفارة الأميركية في دمشق إلغاء مؤتمر صحافي كان من المقرر أن تعقده ليف، وذلك "لأسباب أمنية"، وفق ما قالت متحدثة للصحافيين. وأوضحت رنا حسن من طاقم السفارة في دمشق "للأسف.. تم إلغاء المؤتمر الصحافي لأسباب أمنية"، من دون أن تحدّد ماهيتها. وكان من المقرر أن تتحدث ليف للصحافيين في فندق "فور سيزنز" في دمشق، بعد عقدها والوفد المرافق سلسلة لقاءات. علماً أن القيادة العسكرية الأميركية للشرق الأوسط (سنتكوم) أعلنت على "إكس" أمس أن "قوّات القيادة المركزية الأميركية نفّذت في 19 ديسمبر/ كانون الأول (الحالي) ضربة دقيقة استهدفت القيادي في داعش أبا يوسف، المعروف باسم محمود، في محافظة دير الزور في سورية. وقد قُتل عنصر آخر من التنظيم". وربما تكون تلك العملية والخوف من انتقام "داعشي" هو السبب الأمني الذي دفع الوفد الأميركي إلى إلغاء المؤتمر الصحافي. وفي وقت متأخر من مساء الخميس، أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن هناك 2000 جندي في سورية بالفعل، وهو رقم أعلى بكثير من الرقم المعلن سابقاً البالغ 900 جندي. وأضافت أن الجنود الإضافيين بمثابة قوات مؤقتة أُرسلت لدعم مهمة محاربة "داعش".

وفي سياق زيارة الوفد الأميركي إلى دمشق أمس، فقد التقى أيضاً في مقر إقامته بفندق "فور سيزنز" ممثلين عن المجتمع المدني واستمع إلى رؤيتهم لمستقبل بلادهم وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في دعمهم. وقالت سوسن زين الدين، مديرة تجمع "مدنية" التي شاركت في الاجتماع، لـ"العربي الجديد"، إنه تم خلال اللقاء الذي ضم ممثلين عن المجتمع المدني كمؤسسات وأفراد "عرض تصوراتنا للمرحلة الحالية والفترة المقبلة، ولم نقدم مطالب أو توصيات، لكن ركّزنا على عملية انتقال سياسي حقيقية لا يتم التعامل فيها مع السوريين كطوائف بل كمواطنين سوريين يسعون لبناء بلدهم على نحو قائم على الحقوق والحريات، إضافة لملف التغييب القسري والمقابر الجماعية، وضرورة تحسين الوضع الاقتصادي كعامل أساسي لضمان سهولة الانتقال السياسي". وسيعمل الوفد أيضاً على الحصول على معلومات جديدة عن الصحافي الأميركي أوستن تايس، الذي فقد في سورية خلال مهمة صحافية في أغسطس/ آب 2012، ومواطنين أميركيين آخرين فُقدوا في عهد نظام بشار الأسد.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد قال في وقت سابق إن واشنطن تتابع "التصريحات الإيجابية" الصادرة عن "هيئة تحرير الشام"، وتريد أن ترى "خطوات ملموسة أيضاً". وحثّ الهيئة على الاستفادة من الدروس التي أدت إلى العزلة الدولية التي تواجه حركة طالبان في أفغانستان. وردّ أحمد الشرع على ذلك بقوله في مقابلة صحافية إن الوضع في سورية مختلف عنه في أفغانستان، ولا مجال للمقارنة بينهما. ودعا بلينكن إلى تشكيل حكومة سورية "غير طائفية" تضمن حماية الأقليات وتعالج المخاوف الأمنية، بما في ذلك مواصلة القتال ضد "داعش" وإزالة مخزونات الأسلحة الكيميائية المتبقية. كما حث الهيئة على تعلم الدروس من سقوط نظام الأسد بشأن ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية مع الجماعات الأخرى، مشيراً إلى أن "رفض الأسد المطلق الانخراط في أي شكل من أشكال العملية السياسية كان أحد الأسباب التي أدت إلى انهياره وسقوطه".

غازي دحمان: المطالب الأميركية من الحكم الجديد في سورية تتوافق أصلاً مع الخطاب الذي أعلنته وباشرت في تطبيقه فعلاً الإدارة الجديدة

ورأى المحلل السياسي غازي دحمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المطالب الأميركية من الحكم الجديد في سورية تتوافق أصلاً مع الخطاب الذي أعلنته وباشرت في تطبيقه فعلاً الإدارة الجديدة، وبالتالي يمكن أن نتوقع تسارعاً في وتيرة الانفتاح الغربي، وتالياً الأوروبي على دمشق، إلا في حال تدخلت أطراف أخرى للتأثير على الموقف الأميركي". وأوضح دحمان أن "إسرائيل، فضلاً عن بعض الأطراف العربية التي تتوجّس مما تعتبره حكماً يقوده إسلاميون، قد تحاول إعاقة الانفتاح الأميركي على النظام الجديد في دمشق، وخلق متاعب إضافية لهذا النظام، كل لأسبابه الخاصة، إذ لا تثق إسرائيل بهذا الحكم، وتعتقد أنه يميل إلى المهادنة معها الآن بسبب انشغاله بالعديد من الأولويات الأخرى، لكن في وقت ما قد يكشر عن أنيابه حيال إسرائيل، وهو ما دفعها إلى محاولة تجريده من كل أسلحة تعتبر أنها قد تشكل خطراً عليها مستقبلاً، عبر حملة قصف منظّمة قضت خلال الأيام الماضية على معظم سلاحي الجو والبحرية في سورية، إضافة إلى المراكز البحثية العسكرية".

وفي موازاة ذلك، أقر زعماء الاتحاد الأوروبي الخميس الماضي "مبادئ أساسية" في تعامل الاتحاد مع الحكم الجديد في سورية، بما يفتح الباب أمام تخفيف العقوبات ودعم إعادة الإعمار. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، خلال اجتماع في بروكسل، إن الاتحاد الأوروبي "مهتم بعودة الطاقة إلى الشعب السوري، ولأوروبا دور تلعبه"، مشيرة إلى أن الاتحاد أكبر جهة مانحة لسورية، وقدم أكثر من 33 مليار يورو منذ عام 2011، "الأمر الذي يمنحه نفوذاً أكبر في عملية الانتقال السياسي". ودعا الزعماء الأوروبيون إلى "عملية سياسية شاملة بقيادة سورية، تضمن سلامة أراضي البلاد ووحدتها الوطنية، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254"، مشددين على "ضرورة ضمان احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة، والحكم غير الطائفي، وحماية جميع الأقليات الدينية والعرقية، وحماية التراث الثقافي لسورية". لكنهم لفتوا إلى أن أي عودة للاجئين السوريين المقيمين في مختلف أرجاء الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون "آمنة وطوعية وكريمة"، وذلك بسبب "التقلبات المستمرة على الأرض".

وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن، قبل أيام، إعادة فتح بعثته في سورية واستئناف عملها، مع الإشارة إلى احتمال تخفيف العقوبات إذا أظهرت القيادة السورية الجديدة مزيداً من الخطوات الإيجابية. كذلك استأنفت بريطانيا وفرنسا وألمانيا اتصالاتها مع السلطات السورية الجديدة، وأرسلت وفوداً دبلوماسية إلى دمشق.

غياب التواصل العربي

على الجانب العربي، يغيب التواصل الفاعل مع القيادة الجديدة في سورية، علماً أن زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني السابق وليد جنبلاط يعتزم زيارة سورية يوم غد الأحد على رأس وفد سياسي وديني للقاء أحمد الشرع. وكان العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني قد قال تعليقاً على التطورات في سورية إن الأردن "يقف إلى جانب الأشقاء السوريين ويحترم إرادتهم وخياراتهم"، مشدداً على "أهمية العمل لفرض الاستقرار وتجنب أي صراع قد يؤدي للفوضى".

محمد جزار: قلق لدى بعض الدول العربية من تصاعد النفوذ التركي في سورية

ويتخوف الأردن من حدوث "فوضى أمنية" في سورية، خصوصاً قرب حدوده، الأمر الذي قد ينتقل سريعاً إلى داخل الأردن، وفق المحلل السياسي محمد جزار. وأضاف جزار في حديث لـ"العربي الجديد" أن مصر التي قالت إنها "تتابع باهتمام كبير التغير الذي شهدته سورية وتؤكد وقوفها إلى جانب الدولة والشعب السوريين، دعت جميع الأطراف السورية إلى صون مقدرات الدولة ومؤسساتها الوطنية، وتغليب المصلحة العليا للبلاد". واعتبر جزار أن لدى مصر مخاوف أيضاً من انتقال الفوضى من سورية إلى مصر وتشجيع القوى الإسلامية في مصر على التحرك ضد النظام الحاكم، بعد نجاح الإسلاميين في الوصول إلى السلطة في سورية. ورأى أن هذا القلق قائم أيضاً في عواصم أخرى مثل أبوظبي والرياض، بأن تشعر الجماعات الإسلامية والجهادية بالقوة، وتتحرك داخل تلك البلدان.

يضاف إلى ذلك، وفق جزار، أن ثمة قلقاً لدى بعض الدول العربية من تصاعد النفوذ التركي في سورية، وكذلك التأثير الإسرائيلي، بينما يغيب أي تأثير عربي، معتبراً أن ذلك مدعاة لبلورة موقف عربي موحد حيال التطورات في سورية، ليكون للعرب حضور فاعل في المشهد السوري الذي يتشكل الان. لكن جزار استبعد توصل الأطراف العربية إلى موقف موحد حيال سورية، ورجح بروز مسارات ثنائية للتعامل مع الحكم الجديد في دمشق، من دون أن يستبعد جنوح بعض الأطراف العربية للعمل تحت الطاولة ضد هذا الحكم. أما جامعة الدول العربية، فاكتفت أيضاً بتعليقات عمومية حول ما يجري في سورية، من دون أن توضح ما إذا كانت ستمنح مقعد سورية في الجامعة للحكم الجديد، في إشارة إلى أنها تتخذ أيضاً موقف الترقب لما ستؤول إليه التطورات في دمشق.