سؤال يؤرق التونسيين: من يكتب دستور الجمهورية الجديدة؟

18 يونيو 2022
منسق اللجنة القانونية لإعداد دستور الجمهورية الجديدة في تونس الصادق بلعيد (Getty)
+ الخط -

لم يتبق سوى يومين على موعد تسلّم الرئيس التونسي قيس سعيّد مسودة الدستور الجديد من اللجنة القانونية، التي ينسّق أعمالها العميد السابق بكليّة الحقوق والعلوم السياسية بتونس صادق بلعيد، ووصفها خبراء القانون الدستوري باللجنة "السرية التي تعمل في غرفة مظلمة''.

وعلى هامش انعقاد رابع جلسات الحوار الوطني اليوم، قال أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، وهو من المؤيدين للرئيس سعيّد، في تصريحات صحافية، إن "نسخة مسودّة الدستور الجديد ستكون في قصر قرطاج يوم الاثنين المقبل 20 يونيو/ حزيران".

ويتهم معارضو الانقلاب لجان الحوار الوطني بأن اجتماعاتها "شكلية وصورية"، وأنها لم تنجز أي مسودة للدستور، مشيرين إلى أن "سعيّد لديه دستور جاهز سيعرضه على الاستفتاء".

وكان سعيّد أصدر مرسوما رئاسيا يتعلق بإحداث الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل "جمهورية جديدة" لصياغة مشروع دستور جديد يعرض للاستفتاء يوم 25 يوليو/تموز المقبل.

وعيّن سعيّد اللجنة الاستشارية القانونية المكلفة بصياغة مشروع دستور، وتتكون من 7 عمداء لكليات الحقوق والعلوم السياسية وكليات الدراسات القانونية والسياسية.

ولكن العمداء أعلنوا، في بيان، عن رفضهم المشاركة في اللجنة القانونية وامتناعهم عن الحضور، "نأيا بالمؤسسة الجامعية عن التوظيف السياسي" حسب توصيفهم.

وبعد ذلك، لم يتّم التصريح إلاّ عن اجتماع وحيد للجنة القانونية من دون الكشف عن مخرجاته أو عن الحاضرين فيه.

وبالرغم من التأكيدات أن مسودة الدستور ستكون جاهزة بين يدي الرئيس سعيّد الاثنين المقبل، يقّر بعض الحاضرين في جلسات الحوار اليوم بأن "هناك نقاطا خلافية لم تحسم بعد، على غرار مطلبهم الإبقاء على الفصل الأول من الدستور الخاص الذي يصرح بالهوية العربية الإسلامية للدولة وتجريم التطبيع مع الكيان الصيهوني ودور الدولة الاجتماعي"، وهي مواقف عبر عنها رئيسا حزبي حركة الشعب والتيار الشعبي المحسوبين على التيار العروبي.

دستور "الغرف المظلمة"

في هذا السياق، قال أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "نحن لا نعلم اليوم من يكتب مشروع الدستور الجديد الذي سيعرض على الاستفتاء، ونشعر أن شخصا واحدا بصدد كتابته وهو الصادق بلعيد منسق أعمال لجان الحوار، ولا نعلم إن كان أمين محفوظ الذي يتحدّث باسم اللجنة له دور في كتابة مسودة الدستور أم لا، وإن كان عضوا في لجنة الصياغة أم لا؟!".

وأضاف الدبابي "إن مسار عمل لجنة الصياغة فيه ضرب لمبدأ الشفافية والتشاركية، وغابت عنه المبادئ الأساسية الديمقراطية في إعداد الدساتير".

وشدد على أن "المشروع بصدد الكتابة في الغرف المظلمة" في تشبيه بالعبارات التي يعتمدها رئيس الجمهورية في خطاباته.

وبين الدبابي أن "مسودة الدستور المنشورة في وسائل الإعلام، والمنسوبة إلى لجنة الصياغة، يمكن لطالب في السنة الأولى في كلية القانون كتابة نص أفضل منها، فهو أبعد ما يكون عن النص الدستوري من حيث الصياغة والمحتوى وتقنيات الكتابة الدستورية".

وتابع بأن "الخيارات غير واضحة، فبعد تصريحات بلعيد التي أثارت الجدل، خرج محفوظ ليتدراك ما قاله حول الهيئة الحُكمية (بدل تسمية الحكومة)".

وأكد الدبابي أن "يوم 20 يونيو، الموعد المعلن للكشف عن مسودة الدستور، قد يحمل مفاجآت، في مسار يمتاز بتواصل سياسة التعتيم والغموض والضبابية التي ما انفك ينتهجها الرئيس منذ 2021"، مضيفا أنه "تم حرماننا من ركيزة أساسية في تأويل الدساتير وأداة من أدوات تأويل القانون، وهي الأعمال التحضيرية التي تمثل مجموعة المداولات والنقاشات السابقة لاعتماد الفصل الدستوري بصياغة نهائية، وهو مهم لفهم إرادة السلطة التأسيسية باعتبار التعتيم على نقاشات بنود الدستور".

وقال الدبابي "من المؤسف أن التاريخ يسير إلى الأمام إلا في بلادنا فهو يسير نحو الوراء، حيث كانت أعمال ونقاشات المجلس القومي التأسيسي في عام 1955 مستفيضة ووفيرة، أكثر من الدستور الذي يجرى إعداده اليوم".

اللجنة القانونية "السرية"

وبيّن قائلا "التصريحات الصادرة عن اللجنة فضفاضة وعامة، لا تعكس تصورا وملامح واضحة عن النظام السياسي، وعلى سبيل المثال في توجه التفريق بين السلط أو الخلط بينها، خصوصا أن بلعيد اعتبر أن التفريق بين السلط مبدأ تجاوزته الأحداث".

وتساءلت أستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريدي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، "عن "سبب إخفاء تركيبة وأعمال اللجنة القانونية التي تعمل على صياغة مشروع الدستور، وعن سبب عقد اجتماعاتها بشكل خفي وسري عن الإعلام والرأي العام".

وبينت كريم أن "من حق التونسيين أن يعرفوا اليوم من يكتب نص الدستور الذي سيعرض على الإستفتاء، فهل يكتبه العميد بلعيد أو أن النص جاهز سلفا".

وأضافت أن "مسار صياغة مشروع الدستور يشوبه غموض وريبة، وهو ما سيزيد من اهتزاز الثقة في النص المعروض على الاستفتاء، في مخالفة لجميع قواعد الشفافية والتشاركية".

واعتبر رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية وأستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تونس تعيش مرحلة عبثية لا يمكن القياس عليها بالنسبة لوضع الدساتير، فمنذ 3 قرون هناك إجماع على أن الدساتير توضع من قبل الشعب عبر ممثليه، فإمّا عن طريق البرلمانات في ما يتعلق بتعديل الدستور، أو المجالس التأسيسية عند إعداده، وهي من البديهيات في القانون الدستوري".

وبين أنه "ليست هناك أي طريقة أخرى سوى ما يسمى بالدساتير عن (طريق المنحة)، فيقرر الملك مثلا، كما حصل في المغرب أو السعودية، وهي أنظمة غير ديمقراطية، أو في تونس في 1860، ويعين الحاكم لجنة تصيغ دستور على مقاسه وتوجهاته ويتم تنفيذه في الواقع".

وبين أن "المشروع الحالي هو دستور عن (طريق المنحة)، وهو في التصنيفات العلمية غير ديمقراطي لأن الدستور فيه منطلقات ومقدمات ونتائج".

وتابع أن "دستور سعيّد بحسب منطلقاته والأساليب المعتمدة سيكون دستورا غير ديمقراطي ".

وأضاف أن "الاستفتاء إجراء ديمقراطي يجب أن تسبقه منطلقات ديمقراطية، لتكون كامل العملية ديمقراطية، وأما في حالة المنطلقات غير الديمقراطية فذلك يصبح نوعا من إضفاء مشروعية زائفة على عملية غير ديمقراطية".

مسودة مسربة "ركيكة"

وشدّد الحوكي على أن "الاستفتاء سيكون مشخصنا على واضع النص وصاحبه (الرئيس)، وليس على محتوى ومضمون النص" منتقدا "عملية الاستفتاء على الدستور برمته "التي يجب أن تكون حول سؤال محدد وليس حول 30 فصلا أو أكثر"، على حسب تعبيره.

ورجّح الخبير الدستوري أن "يكون هذا الدستور فاشلا ومؤقتا ومرحليا وليس دستورا صالحا للمستقبل".

من جهته، انتقد أستاذ القانون الصغير الزكراوي، في تصريح صحافي، بشدة، مسودة الدستور المتداولة إعلاميا شكلا ومضمونا، مؤكدا أنها "تضمنت عديد التناقضات وأن من كتبها غير متمكن من كيفية صياغة النصوص القانونية".

وقال الزكراوي في حوار صحافي "إن السؤال الأول هو من يكتب الدستور؟ لأننا نعرف أن أعضاء لجنة الصياغة القانونية رفضوا الانضمام للهيئة، ومن كتب النصوص أو صاغها غير متمكّن من كيفية صياغة النصوص القانونية، ولذلك يجب التعامل معها كأفكار عامة".

وأشار إلى أن النسخة المسربة "ركيكة وفيها نوع من البلادة والإنشاء ولا علاقة لها بصياغة الدساتير"، متسائلا "عمن يتولى صياغة الدستور في غياب رجال القانون وعمداء الكليات الذين رفضوا الانضمام للجنة".

المساهمون