زيارة هرتسوغ توسع الجدل حول حقيقة الاحتلال الإسرائيلي

20 يوليو 2023
لا تغيير بموقف الإدارة الأميركية تجاه الاحتلال الإسرائيلي (سوزان والش/ أسوشييتد برس)
+ الخط -

أكثر من أي مرة سابقة، وسّع الجدل الذي رافق زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لواشنطن، التي انتهت أمس الأربعاء، نافذة الإطلالة الأميركية على حقائق الوضع الإسرائيلي في شقيه الداخلي والاحتلالي، وطرح علامات استفهام معلنة أو مبطّنة حوله.

ورغم أنه لم يكن من المتوقع أن تنقلب الصورة بسبب التوتر الراهن مع واشنطن أو الاشتباك الإسرائيلي غير المسبوق حول خيارات حكومة بنيامين نتنياهو "غير المقبولة أميركياً" بهدف تمرير التعديلات القضائية، إلا أن المداولات والمتابعات التي توالت بشأن زيارة هرتسوغ في الأيام الأخيرة، سلطت الأضواء بشكل لافت وغير مألوف على فائض الشطط والتمادي الإسرائيلي. وبرز ذلك بالرغم من محاولات التمويه وتدوير الزوايا ومسارعة مجلس النواب في الكونغرس على التصويت بأكثرية عارمة على قرار بتجديد الاحتضان التام للحليف الذي "لا بديل"، بتعبير هرتسوغ، لعلاقاته مع الولايات المتحدة.

الردود والأجواء التي واكبت الزيارة توزعت على عنوانين: أولهما، تبلور وتزايد الاعتراضات على إسرائيل وسياساتها، وثانيهما وضع ممارسات حكومة نتنياهو في خانة "اللاديمقراطية والعنصرية".

أما الوضع الفلسطيني، فكان خارج برنامج الزيارة باستثناء تلميحات عابرة بخصوصه. مع ذلك حضرت سيرته بقوة إثر تصريح النائبة من "التيار التقدمي" بالحزب الديمقراطي في مجلس النواب، باراميلا جايابال، اتهمت فيه الاحتلال الإسرائيلي بـ"الدولة العنصرية" وطالبت بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. الشق الأول من كلامها أثار عاصفة من الردود الغاضبة والإدانات، ما اضطرها إلى التراجع والاعتذار. لكن مع ذلك فتح كلامها الباب لاستعادة شريط الممارسات والغارات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة على جنين وغيرها من أماكن الضفة وتعديات الاحتلال اليومية على المدنيين الفلسطينيين، فضلاً عن موضوع التمدد الاستيطاني.

وبالرغم من أن أصحاب الخطاب المعترض هذا يمثلون القلة، سواء في الكونغرس أو في أوساط المراقبين والإعلام وأهل الرأي، إلا أن صدى العزف العالي على هذا الوتر بدأت تتسع دائرته ومقبوليته، خصوصاً في صفوف الجيل الجديد من الحزب الديمقراطي، ولو أن هذا التجاوب لم يلقَ ترجمته بعد في صناديق الاقتراع.

لكنه صار من الخطاب السياسي المتداول بخصوص الشرق الأوسط. وهذا ما يثير النقمة على الجناح "التقدمي" في مجلس النواب وبعض الأصوات في مجلس الشيوخ التي أخذت تجاهر بتعاطفها مع الشعب الفلسطيني "المبتلى" باحتلال ما زالت واشنطن تغضّ الطرف عنه عند الحديث عن "حيوية" الديمقراطية الإسرائيلية، كما وصفها الرئيس بايدن الثلاثاء التي كانت العنوان الثاني لزيارة هرتسوغ الذي جعلها محور تصريحاته وخطابه صباح أمس الأربعاء أمام الكونغرس بمجلسيه، والذي لم يأتِ فيه على سيرة حل الدولتين رغم ما قيل عن اعتداله وتمايزه عن نتنياهو.

لكن التفاخر بهذه الديمقراطية التي تقول واشنطن إنها دخلت دائرة الخطر وربما من غير رجعة، لم يقوَ على حجب صورة التطرف في الحكومة الإسرائيلية الممهورة بخاتم بعض أعضائها مثل وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش اللذين لا تتردد جهات أميركية بتصنيفهما في خانة العنصرية.

هذا الواقع المفضوح أربك الزيارة التي لم تقوَ، باعتراف غير القليل من المراقبين، على تجميل المشهد الإسرائيلي. فموضوع ما يُسمى "التعديلات القضائية"، أحرج الخطاب الأميركي بشقيه الديمقراطي والجمهوري، وأثار نقمة واسعة لدى اليهود الأميركيين خوفاً من انعكاساته اللاحقة على مكانتهم الممتازة في الوضع الأميركي. ولذلك، ابتعد هرتسوغ عن هذا الموضوع إلا بالإشارة الخاطفة إلى الخلافات التي أثارها بين الإسرائيليين، مشدداً على "الديمقراطية الإسرائيلية ومرونتها".

وإذا كان خطاب هرتسوغ مرتبكاً، فقد كان تعاطي بايدن مع الموضوع رخواً وعلى نقيض ما أوحى به موقفه من تشدد. بعد أقل من ساعتين من اجتماعه بنظيره الإسرائيلي، استدعى بايدن كاتب الرأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، توماس فريدمان، وقضى معه 75 دقيقة في المكتب البيضاوي، ليشرح له مدى حرصه على إسرائيل ونظامها وأهمية تمهل نتنياهو وضرورة سعيه "لتحقيق إجماع" على خطته للتعديلات القضائية. والمقصد كان أن يتولى فريدمان نقل هذه الرسالة من منبره المؤثر، باعتباره من الأصوات اليهودية الأميركية المعتدلة، إلى الرأي العام الإسرائيلي. الاستعانة بقلم في هذا المجال يعكس غياب القرار في مسألة يزعم الرئيس أن المضي فيها "يجعل من الصعب" على واشنطن الاستمرار في علاقاتها الخاصة مع تل أبيب.

نتنياهو يعرف من سوابقه مع بايدن أن مثل هذا الكلام ليس أكثر من "تهبيط حيطان". قد يتخذ البيت الأبيض بعض الإجراءات المربكة لنتنياهو لكن غير المؤذية لإسرائيل. ونتنياهو المتمرس في اللعبة، قدم أمس الأربعاء، ما بدا بمثابة هدية مجوّفة لواشنطن، حيث وافق بالنهاية على شرط المعاملة بالمثل في مسألة الإعفاء المتبادل من تأشيرة الدخول، بمن فيهم الأميركيون من أصل فلسطيني. والمعروف أن هذا المشروع مطروح منذ 1991، لكن إسرائيل امتنعت عن تطبيقه طوال الـ32 سنة الماضية على حاملي الجنسية الأميركية من أصول فلسطينية أو عربية.

فجأة أمس أصدرت حكومة تل أبيب بياناً بالتراجع عن هذا المنع ابتدأ من اليوم الخميس. ليونة رمزية ومشكوك في ترجمتها على المدى الطويل، أبداها نتنياهو لتنفيس بعض الاحتقان وبمناسبة وجود الرئيس الإسرائيلي في واشنطن. وقد لاقت الترحيب بها في واشنطن وكأنها تنازل إسرائيلي هام! لكنها مكشوفة وليس من المتوقع أن تؤثر في الجدل الدائر حول الأساسيات.

المساهمون