اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الجمعة، زيارة إلى الصين استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها نظيره الصيني شي جين بينغ، وعدداً من رجال الأعمال من كلا البلدين. وتعهّد الجانبان، في إعلان مشترك، بالدفع من أجل السلام في أوكرانيا، وتعزيز المحادثات رفيعة المستوى، والعمل معاً بشأن التحديات العالمية.
وجاء في الإعلان أن بكين وباريس تدعمان كلّ الجهود لاستعادة السلام في أوكرانيا، بما يتوافق مع القانون الدولي، وعلى أساس مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. كما كررت فرنسا دعمها لسياسة "صين واحدة"، التي تنصّ على أن بكين هي الممثل الشرعي الوحيد للبر الرئيسي وتايوان، وأن الجزيرة جزء لا يتجرأ من الأراضي الصينية.
من جهتها، دعت الصين إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا، وقالت إنها مستعدة لدعم أي اقتراح سلام من فرنسا من شأنه أن يؤدي إلى حلّ سياسي للأزمة. وقال الرئيس الصيني إن أي إطالة لأمد الحرب ستكون ضارة لجميع الأطراف، وإن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد الصحيح للخروج من الأزمة.
وعلى الرغم من الحديث عن مكاسب تجارية حققها الطرفان، إذ تم التوقيع على أكثر من عشرين اتفاقية تجارية بين البلدين خلال الزيارة، كما تعهدت فرنسا بمنح معاملة عادلة للطلبات الصينية للحصول على تراخيص الجيل الخامس، على أساس الأمن القومي، إلا أن ملف الأزمة الأوكرانية الذي تصدّر المحادثات، حيث كانت أوروبا تعول على بكين للمساعدة في إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يحمل النتائج المرجوة. وقد تسلم الرئيس الصيني، رسالة بهذا الشأن من كل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقالت فون دير لايين، إن الصين، بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن، تتحمل مسؤولية كبيرة لاستخدام نفوذها في صداقة مبنية على عقود مع روسيا.
وأضافت: "نحن نعتمد على الصين في ممارسة هذه المسؤولية بشكل واضح"، بينما قال ماكرون للرئيس شي، أمام الصحافيين: "أعلم أنه يمكنني الاعتماد عليك لإعادة روسيا إلى رشدها والجميع إلى طاولة المفاوضات".
استجداء واضح
في تعليقه على مخرجات زيارة ماكرون إلى الصين، قال الخبير في العلاقات الدولية بمركز تايبيه للدراسات السياسية، وان زانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لاشك في أن الصين المستفيد الأكبر من الزيارة، باعتبار أنها حققت عدة أهداف، سواء على المستوى التجاري أو السياسي، ولكن في ما يتعلق بالمكاسب السياسية، استطاعت بكين تقديم نفسها على أنها لاعب مهم في الساحة الدولية، والعنوان الأبرز لتذليل العقبات التي عجزت عنها القوى الغربية، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال استجداء الرئيس الفرنسي نظيره الصيني، وحثه أمام الإعلام بصورة غير مألوفة في الأعراف الدبلوماسية لوقف الحرب".
وتابع: "ربما هذه اللقطة الأبرز في محطات الزيارة، لأنها عكست حالة العجز الذي أصاب الولايات المتحدة وحلفاءها في الغرب"، لافتاً إلى أن "الصين في المقابل، لم تقدم رداً واضحاً، ولم يلزم الرئيس شي نفسه بأي ضمانات لإنهاء الحرب، ما يعني أن ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية غادرا الصين خاليي الوفاض، في حين أن الإعلام الرسمي الصيني استثمر في الزيارة لتسويق حكمة قيادة "الحزب الشيوعي"، وكيف تحولت إلى مرجع دولي في حل الأزمات، حتى من ألد أعداء البلاد (الولايات المتحدة وحلفائها).
ورأى أنه في نهاية الزيارة، يبدو أن الرئيس ماكرون لم يتمكن من التحدث بصوت مرتفع مع الصين بشأن قضايا حساسة مثل: ملف حقوق الإنسان، والتوترات في مضيق تايوان، كما أنه لم يحصل على ضمانات صينية بشأن الأزمة الأوكرانية، لذلك انصبّ تركيزه على تعزيز التبادلات التجارية والتعاون الاقتصادي بين البلدين، وهو ما مثل خيبة أمل للقوى الغربية.
انفتاح صيني على دور في الأزمة الأوكرانية
من جهته، أكد أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الصين منفتحة على لعب دور بنّاء في حلّ الأزمة الأوكرانية، وأنها مستعدة للعمل مع فرنسا من أجل تعزيز محادثات السلام، وتحقيق تسوية سياسية. ولفت إلى أن طلب الرئيس الفرنسي الصريح من نظيره الصيني المساعدة في حلّ الأزمة، ينطلق من تقدير عالٍ لقدرة ومكانة الصين وقوتها في التأثير على جميع أطراف النزاع، كما ينسجم مع المبادرة الصينية لحل الأزمة والتي لاقت تقديراً كبيراً من الجميع، حسب قوله.
وأوضح أن ماكرون، هو أول زعيم غربي كبير تستقبله الصين في فترة ولاية شي جين بينغ، الثالثة، مما يعكس رغبة بكين في ترميم علاقاتها مع الغرب، بما يخدم مصالحها وأهدافها الاستراتيجية، كما أن فرنسا قوة رئيسية في القارة الأوروبية لا يستهان بها، وبالتالي كان من المهم أن يجتمع قائدا البلدين، باعتبارهما قوتين رئيسيتين لديهما القدرة والمسؤولية لحماية وصيانة الأمن والسلام الدوليين.
وشدد الباحث الصيني على أن بكين لا تتعامل مع الأزمة الأوكرانية من منطلق المصلحة الذاتية كما يصوّر الإعلام الغربي، بل تستند إلى قوانين وميثاق الأمم المتحدة في ما يتعلق بالحروب والنزاعات، وتنطلق من مسؤوليتها الدولية باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن.
مصالح اقتصادية
في المقابل، تحدث الباحث الاقتصادي تشي جيانغ، لـ"العربي الجديد"، عن الجوانب الاقتصادية للزيارة، وقال إن ماكرون كان حريصاً على تعزيز العلاقات التجارية مع الصين، لذلك لم يتطرق إلى إثارة ملفات حساسة، كما دأب القادة الغربيون في زيارات مماثلة، مشيراً إلى أن باريس ليست لديها مصلحة في تقليص علاقاتها الاقتصادية مع بكين، فضلاً عن أن ماكرون لطالما أثار مخاوفه بشأن العجز التجاري بين البلدين.
وأضاف، بناءً على الإعلان المشترك، فقد اتفق الجانبان على استئناف المحادثات التجارية والاقتصادية، وتذليل جميع العقبات من أجل تعزيز العلاقات، خاصة في مجال الطاقة، ولفت إلى أن الرئيس الفرنسي كان حريصاً خلال وجوده في الصين على زيارة مقاطعة قوانغ دونغ في الجنوب برفقة عدد من كبار رجال الأعمال الفرنسيين، حيث تمثل المقاطعة خمس حجم تجارة فرنسا مع الصين.
وكان البلدان قد احتفلا أخيراً بالذكرى الأربعين لتعاونهما في مجال الطاقة النووية، والذي يشمل بناء محطة الطاقة النووية في خليج دايا في مقاطعة قوانغ دونغ. وأشار الباحث الصيني إلى أن حجم التبادلات التجارية بين البلدين زاد بنسبة 15 في المائة خلال الخمس سنوات الماضية، ووصل إلى نحو 110 مليارات دولار لأول مرة خلال العام الماضي.