ينهي البابا فرنسيس اليوم الإثنين زيارته للعراق التي بدأت الجمعة الماضي، وشملت خمس مدن لها دلالات تاريخية ودينية واضحة، ووصفها في وقت سابق قبيل وصوله إلى العراق بأنها "رحلة حج"، وسط حديث لمسؤولين عراقيين في بغداد عن نتائج مهمة لهذه الزيارة، تتعلق بوقف كثير من الممارسات التي تسببت باستمرار هجرة المسيحيين، سواء في بغداد أو نينوى أو باقي مدن العراق.
ولم تفصح الحكومة العراقية ولا رئاسة الجمهورية عن نتائج أي من الاجتماعين اللذين عقدهما رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس الجمهورية برهم صالح، مع البابا فرنسيس، لدى وصوله إلى بغداد الجمعة الماضي، باستثناء بيانات ترحيبية، واحتفاء بالزيارة الأولى من نوعها لشخصية بمستوى البابا إلى العراق. وألغيت زيارة كانت مقررة في العام 1999، من قبل البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، آنذاك، لأسباب تتعلق بالأوضاع العراقية والأزمة مع الغرب.
يونادم كنا: الناس تريد أفعالاً تترجمها الحكومة عن هذه الزيارة
ولاقت زيارة فرنسيس ترحيباً شعبياً واضحاً في العراق، خاصة في المدن التي زارها، وهي بغداد والنجف وذي قار وأربيل والموصل وسهل نينوى ضمن محافظة نينوى المنكوبة شمالي العراق. وأسهمت أيضاً في لفت الانتباه إلى الثراء والتنوع في المجتمع العراقي، إضافة إلى تسليط الضوء على ما يعانيه المسيحيون في هذه البلاد، كغيرهم من المكونات العراقية، منذ الغزو الأميركي في العام 2003، وما تلاه من عمليات إرهابية، واعتداءات ممنهجة مارستها جماعات تكفيرية ومليشيات مسلحة، خاصة عقب انتهاء مرحلة احتلال تنظيم "داعش" لمدن نينوى، والتي تسببت بموجات نزوح ضخمة وغير مسبوقة في تاريخ العراق.
وأمس الأحد، زار البابا مدينة الموصل، ونزل في أحد أقدم الكنائس التاريخية التي تعرضت للتدمير خلال اجتياح تنظيم "داعش" للمدينة، وهي كنيسة "حوش البيعة"، والتقى هناك بحشود من العراقيين من مختلف الطوائف، قبل أن يتجول في المكان ويطلع على حجم الدمار في المنطقة. وانتقل بعد ذلك إلى بلدة قرقوش التاريخية في قضاء الحمدانية ضمن سهل نينوى ذي الغالبية المسيحية حيث تقع كنيسة "الطاهرة"، حيث أقيمت الصلاة على أرواح ضحايا الإرهاب. ودعا فرنسيس، في كلمة، مسيحيي الموصل للعودة إلى المدينة، معتبراً أن "التناقص المأساوي في أعداد تلاميذ المسيح، هنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، إنّما هو ضرر جسيم لا يمكن تقديره". وقال: "نرفع صلاتنا ترحماً على ضحايا الإرهاب"، معتبراً أن ملامح الحرب واضحة على الموصل. وأقام، أمس الأحد، قداساً في الهواء الطلق في أربيل.
وجواباً على أبرز ما بحثه بابا الفاتيكان مع المسؤولين في بغداد، قال مسؤول عراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الوزراء بادر لعرض خطط واسعة لحكومته خلال الاجتماع مع البابا فرنسيس، تتعلق بوقف مسلسل الاستيلاء على أملاك العراقيين المسيحيين في بغداد ونينوى ومدن أخرى، وبأثر رجعي، خاصة للذين تركوا العراق بعد 2003 وتم الاستيلاء على منازلهم، وكذلك تعزيز الاستقرار في مناطق سهل نينوى والموصل، من خلال إبعاد تأثير الفصائل المسلحة، وتسليم أمن المناطق إلى القوات النظامية، بما يضمن طمأنة النازحين منهم على العودة إلى منازلهم، مع تسريع برنامج تعويض المدمرة منازلهم ومصالحهم التجارية، وإطلاق برنامج إعادة إعمار الكنائس والأديرة المدمرة". وأضاف أن "البابا فرنسيس أبدى ارتياحه للخطوات التي عرضتها الحكومة. كما أعرب مسؤولون في الفاتيكان يرافقون البابا عن استعداد الفاتيكان لدعم هذه الخطوات".
في المقابل، أكد مسؤول محافظة نينوى شمالي العراق، لـ"العربي الجديد"، أن زيارة البابا ستسهم في تحريك ملفات إنسانية مهمة بالمحافظة التي تحوي أكبر عدد من مسيحيي العراق. وأضاف المسؤول أن "نتائج الزيارة ستنعكس على إصلاحات حكومية في المجال الإنساني والخدمي بهذه المدن، بما يضمن تثبيت الاستقرار وفتح باب العودة الطوعية للنازحين إليها، بما فيها تقديم تعويضات مالية للسكان هناك".
وتراجع عدد السكان العراقيين المسيحيين إلى أقل من 500 ألف مواطن، بعد أن كان يقارب المليونين نهاية تسعينيات القرن الماضي، في آخر إحصاء سكاني قبل الغزو الأميركي للبلاد. وهاجر معظمهم إلى دول غربية مختلفة، حيث استقر الكثير منهم في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسويد ضمن برامج لجوء وفرته تلك الدول للأقليات الدينية في العراق.
رئيس كتلة الرافدين في البرلمان العراقي يونادم كنا قال، لـ"العربي الجديد"، إن "زيارة بابا الفاتيكان الى العراق حملت رسائل عدة، أبرزها تبديد الأوهام التي زرعها داعش في مناطق عراقية عدة وأساء للإسلام فيها، وأيضا لتبديد الإسلاموفوبيا وتعزيز التضامن الاجتماعي داخل العراق، وتوجيه رسائل للمجتمع الدولي بالاستمرار في دعم العراق". وأضاف أن "الرسالة الأهم كانت للحكومة العراقية: حققوا العدل واستمعوا للناس ووقف التمييز والإقصاء، وللمسيحيين العراقيين بالثبات والبقاء بالأرض وعدم الهجرة". وأضاف أن "الناس تريد أفعالاً تترجمها الحكومة عن هذه الزيارة، وليس مجرد وعود وبيانات".
أحمد النعيمي: الزيارة حملت طابعاً إنسانياً أكثر من كونها زيارة دينية
لكن النائب السابق ورئيس كتلة "الوركاء" جوزيف صليوا اعتبر أن "الزيارة تم استثمارها من قبل الحكومة في بغداد، وكذلك أربيل، لتسويق نفسيهما وتصويرهما كحمائم سلام، وبالحقيقة هم متورطون وسبب في معاناة المسيحيين في التهجير والاقصاء، بل وحتى الاستهداف على الهوية". وأضاف صليوا، لـ"العربي الجديد"، أنه "كان يجب أن يسبق الزيارة فتح ملفات مهمة، والتوصل إلى تفاهمات بشأنها، مثل التمييز بالدستور والقوانين العنصرية، وفرض الشريعة الإسلامية على غير المسلمين في التعاملات والعيش والبيوع، والاستيلاء على أملاك المسيحيين، واختزال العراق بمكون واحد ضمن سياسة واضحة. وبعد فتح هذه الملفات وأخذ ضمانات كان يمكن أن تجري زيارة البابا إلى العراق". وتابع: "أنا أشك في أنه سيكون للزيارة نتائج سريعة، ولا حتى على المدى القريب. المسيحيون في العراق يواجهون اليوم أخطر مرحلة تاريخية، وفي حال لم تتوقف الممارسات الإقصائية والعنصرية، فقد لا يبقى خلال 10 سنوات أحد"، وفقاً لقوله.
من جهته، اعتبر الخبير بالشأن العراقي أحمد النعيمي أن الزيارة حملت طابعاً إنسانياً أكثر من كونها زيارة دينية تختص بمكون واحد، وهو ما بدا واضحاً في كلمات البابا وخطبه في بغداد وأور وأربيل والموصل. وقال النعيمي لـ"العربي الجديد"، إن "ذلك كان ذكياً جداً ولافتاً على المستوى الشعبي العراقي. لكن على المستوى الحكومي يبقى الموضوع منوطاً بما ستقدمه الحكومة في الملف الإنساني، خاصة أن هناك تأخرا واضحا في إعادة إعمار المدن المدمرة بسهل نينوى والموصل، وأيضاً إعادة النازحين". ورجح أن "يكون هناك دعم أو مبادرات دولية عقب زيارة البابا لإعادة إعمار تلك المناطق، وهو ما قد يشكل ضغطاً من نوع آخر لإنهاء نفوذ المليشيات المسلحة الحليفة لإيران داخل تلك المناطق".