زعيم "جيش محمد" مادة خلافية جديدة بين أفغانستان وباكستان

18 سبتمبر 2022
مسعود أظهر هو أحد المطلوبين للهند (إندرانيل موخرجي/فرانس برس)
+ الخط -

منذ مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري في غارة أميركية على كابول في 31 يوليو/تموز الماضي، ازداد التوتر في العلاقات الباكستانية الأفغانية، خصوصاً بعد تصريحات لوزير الدفاع الأفغاني الملا محمد يعقوب، خلال مؤتمر صحافي في كابول في 28 أغسطس/آب الماضي، أعقبت اغتيال الظواهري، قال فيها إن المسيّرات الأميركية "تستخدم الأجواء الباكستانية لانتهاك سيادة أفغانستان"، مطالباً إسلام أباد بألا تسمح للطائرات الأميركية بـ"استخدام المجال الجوي الباكستاني ضدنا". وردت الخارجية الباكستانية رافضة بشدة ما قاله يعقوب، ومؤكدة أن هذه الاتهامات غير صحيحة.

بعد تلك التصريحات، بات التوتر في العلاقات بين كابول وإسلام أباد ملموساً في مجالات مختلفة، مثل التعامل بين الطرفين على الحدود، وتعاطي أجهزة الأمن الباكستانية مع اللاجئين الأفغان، وتناول وسائل الإعلام في باكستان لملف "طالبان". حتى أن الأوساط الدينية الباكستانية المقربة من "طالبان" والمتعاطفة معها، بدأت تغيّر نبرتها حيال الحركة.

جدل بشأن زعيم "جيش محمد"

وفي خضم ذلك، خرج إلى العلن ملف مولانا (الملا) محمد مسعود أظهر، زعيم جماعة "جيش محمد" التي تصنفها دول عدة إرهابية، وهو أحد المطلوبين للهند.

وذكرت وسائل إعلام باكستانية أخيراً، نقلاً عن مصدر في الخارجية الباكستانية، قوله إن الأخيرة وجّهت رسالة إلى نظيرتها الأفغانية مطالبة حكومة "طالبان" باعتقال مسعود أظهر، المتواجد في أفغانستان، كما تزعم، وأن تسلمه إلى باكستان. ولم تؤكد إسلام أباد توجيه هذه الرسالة، ولكنها لم تنفِ في الوقت نفسه ما أوردته وسائل الإعلام.

عبد القهار بلخي: مسعود أظهر ليس في أفغانستان وترويج مثل هذه الأقاويل سيكون له تأثير سلبي على العلاقات بين الدولتين

في المقابل، نفى المتحدث باسم الخارجية الأفغانية عبد القهار بلخي، في تغريدات له على "تويتر" قبل أيام، أن يكون مسعود أظهر في أفغانستان، مشدداً على أن كل ما أوردته وسائل الإعلام بهذا الشأن، هو في إطار "حملة إعلامية، والمعلومات المتداولة لا أساس لها من الصحة".

واعتبر أن ترويج مثل هذه الأقاويل "سيكون له تأثير سلبي على العلاقات بين الدولتين". ولم يتحدث بلخي عما إذا كانت الخارجية الباكستانية قد وجّهت رسالة إلى الخارجية الأفغانية بهذا الشأن أم لا.

ودخل القيادي السابق في "طالبان"، وسفيرها السابق لدى إسلام أباد، الملا عبد السلام ضعيف، على الخط، علماً أنه لا يزال من المقربين من الحركة ويحظى باحترام كبير في أوساط قياداتها.

وفي تغريدات على "تويتر"، قال ضعيف إنه عندما كان سفيراً في إسلام أباد في عام 2001، سلّمه وزير الداخلية الباكستاني حينها، الجنرال معين حيدر، قائمة بأسماء 13 مطلوباً لباكستان وكان في رأس هؤلاء سيف الله أختر.

وأختر كان عضواً في تنظيم "القاعدة"، وشخصية رئيسية في الجماعات الجهادية في المنطقة منذ الثمانينيات، وكان متهماً رئيسياً في محاولة اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بينظير بوتو في عام 2007 في كراتشي، وقد قُتل في غارة أميركية في ولاية غزنة في 9 يناير/كانون الثاني 2017.

وأضاف ضعيف: "قلت لوزير الداخلية وقتها أن يعطي تلك القائمة إلى أجهزة الاستخبارات الباكستانية كي تقول له مكان تواجد هؤلاء"، موضحاً أن الوزير عندما سمع رده، غضب وقال له إنه جاد ويريد هؤلاء الناس. لكن ضعيف رد قائلاً "أنا أتحدث معك بجدية أيضاً، أنت لا تعرف من داخل بيتك وماذا يحدث فيه، لقد التقيتُ قبل يوم واحد في مكتبي بسيف الله أختر وبطلب منه، هو في إسلام أباد هنا وأنت تطلبه من أفغانستان".

ودعا ضعيف صنّاع القرار في كابول إلى "الانتباه لسياسة باكستان التي تمر بأوضاع اقتصادية استثنائية"، معتبراً أن طلبها من كابول تسليم مسعود أظهر يأتي في هذا الإطار، من دون أن يوضح كيفية ذلك، ولماذا باكستان تثير ملف أظهر في هذا التوقيت، وما علاقة الأمر بالوضع الاقتصادي في باكستان؟

غير أن الأكاديمي والمحلل السياسي عبد الحي صارم، قال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "وفداً من هيئة رقابة عالمية لتمويل الإرهاب وغسل الأموال يزور باكستان هذه الأيام، ومن مطالبه اعتقال مسعود أظهر، المتهم بشن أعمال إرهابية في الشطر الهندي من إقليم كشمير، ولذلك أثارت إسلام أباد هذه القضية في هذا التوقيت، للقول للعالم إن الرجل مقيم في أفغانستان وليس في باكستان، وأن الأخيرة تسعى لاعتقاله من خلال التواصل مع طالبان".

وأضاف صارم أن "مسعود أظهر موجود في باكستان وكان تحت الإقامة الجبرية حتى قبل أشهر في مدينة بهاولبور بإقليم البنجاب".

عبد الحي صارم: مسعود أظهر موجود في باكستان وكان تحت الإقامة الجبرية حتى قبل أشهر في مدينة بهاولبور

من هو مسعود أظهر زعيم "جيش محمد"؟

مسعود أظهر من أبرز المتشددين من أبناء إقليم البنجاب الباكستاني، وهو أحد المطلوبين للهند. ولد في مدينة بهاولبور في 10 يوليو 1968، حيث درس في مدرسة حكومية حتى الصف الثامن، لكنه ترك هذه المدرسة لاحقاً وتوجه صوب مدرسة دينية في مدينة كراتشي تسمى جامعة العلوم الإسلامية وتخرج منها عام 1989، ثم بدأ يدرّس في المدارس الدينية في كراتشي، وانتعشت ميوله الجهادية أثناء ذلك.

ولاحقاً انضم إلى جماعة جهادية تسمى "حركة الأنصار"، وشارك في الجهاد الأفغاني ضد الروس، حتى أصبح قيادياً في الحركة، ثم ترقى ليكون الأمين العام لها، قبل أن ينتقل نشاطه من أفغانستان إلى كشمير ضد الهند.

وقد بدأ نشاطه في الشطر الهندي من كشمير في تسعينيات القرن الماضي، وكانت له مكانته بين الحركات المسلحة ضد الهند حتى اعتقلته السلطات الهندية عام 1994، وبقي في السجن حتى عام 1999 حين قام بعض مناصريه بخطف طائرة هندية إلى مدينة قندهار، وبعد وساطة من "طالبان" تم الإفراج عنه.

وبعد أن وطد علاقاته مع "القاعدة"، أسس مسعود أظهر جماعة جديدة سماها "جيش محمد"، حظرتها باكستان عام 2002، كما أنها مصنفة كجماعة إرهابية لدى الهند والأمم المتحدة، وشنت العديد من الهجمات داخل الهند. وقد طلبت نيودلهي مراراً من إسلام أباد تسليمها مسعود أظهر، ولكن الأخيرة لم تستجب لذلك.

وُضع مسعود أظهر مرات عديدة تحت الإقامة الجبرية ولفترات مختلفة، تحديداً في عهد الرئيس برويز مشرف، ولكنه كان يخرج بين الفينة والأخرى إلى العلن ويشارك في التظاهرات والمسيرات والندوات، وتحديداً المعارضة للهند. وحتى وقت قريب، كان الرجل تحت الإقامة الجبرية في مدينة بهاولبور مسقط رأسه، لكن لم يُعرف ما إذا كان فعلاً خرج من باكستان حتى يتوارى في أفغانستان.

المساهمون