عاد ملف التجاوزات الإيرانية على حدود العراق المائية في شط العرب إلى الظهور مرة أخرى، بعد مقال نشره وزير النقل والمواصلات العراقي السابق كاظم فنجان الحمامي، وتناولته وسائل إعلام محلية عراقية، أرفق به صوراً أظهرت إنشاء إيران محطتها الملاحية الأولى فوق حطام رافعة عراقية غارقة منتصف مدخل شط العرب من جهة الخليج العربي، إضافة إلى أنها باشرت أخيراً بتثبيت ركائز وقوائم فولاذية جديدة لتقيم عليها محطة أخرى في مكان وصفه الحمامي بـ"المثير للقلق"، وتُظهر الصور أيضاً، التي نشرها في التاسع من الشهر الجاري، موقف الدعامات الحدودية في مصب شط العرب، والذي يجعل مصير ميناء خور "العُميّة" النفطي في "مهب الريح"، حسب تعبيره.
زحوفات بحرية لا يكترث بها أحد كاظم فنجان الحمامي الصور المعروضة أمامكم تعكس موقف الدعامات الحدودية في مصب شط العرب...
Posted by Wathiq Kadhim on Monday, February 8, 2021
وذكر الحمامي في مقاله أن "الزحف الإيراني يستمرّ لإحراز المزيد من المكاسب الحدودية على حساب سواحل العراق المنكمشة، وحدوده البحرية المتراجعة، وذلك بسبب غياب الهيئة البحرية العراقية العليا". وبيّن أن "الانتهاكات التي وقعت في المياه الإقليمية ظهرت فيها الألغام، وتعرضت فيها السفن للقرصنة، وطفت فوقها النفايات النفطية، وصارت مسرحاً مفتوحاً للمهربين والمتسللين، واختفت فيها هيبة الدولة".
وتواصل "العربي الجديد" مع الحمامي، الذي قال إن "هناك أكثر من جهة بإمكانها كشف الحقيقة في هذا الملف، ومتابعته، مثل وزارة الخارجية، وقوة خفر السواحل التابعة لوزارة الداخلية، إضافة إلى لجنة الخدمات في البرلمان العراقي"، مشيراً إلى أن "جميع نداءاته للسلطات العراقية لم تحظَ بأي اهتمام أو ردٍ رسمي، وهناك تكتم بشأن هذا الأمر".
ويبلغ طول شط العرب نحو 200 كيلومتر، ويصل عرضه إلى كيلومترين، ويُعدّ شرياناً مهماً للعراق من الناحية الاقتصادية، وتُعتبر القناة الملاحية للسفن المتوجهة إلى موانئ البصرة من الخليج العربي، وهو مصدر رئيس لري بساتين النخيل في مناطق جنوب العراق، ويرتبط مع إيران، ويفصل الحدود المائية بين البلدين ما يُعرف بـ"خط التالوك"، وهو خط وهمي يمثل نقطة خط القعر، بحسب اتفاقية الجزائر عام 1975 بين العراق وإيران الخاصة بالحدود المائية. لكن ترك العراق عمليات صيانة الجانب الخاص به من المياه أدى لحدوث عمليات طمر كبيرة فيه، على عكس الجانب الإيراني المواظب على الكري والتنظيف، ما تسبب بزحف مجرى شط العرب إلى داخل الأراضي الإيرانية على حساب العراق خلال السنوات السبع عشرة الماضية. ويقول مسؤولون في البصرة إن العراق يخسر سنوياً مساحات كبيرة من مياهه بفعل ذلك، عدا عن استغلال الجانب الإيراني ذلك في عمليات الحفر لزيادة عمق شط العرب من جانبه، على غير الاتفاق الدولي الذي أقرّ وجوب أن تكون عمليات مماثلة من العراق وبالتساوي.
وفي مارس/ آذار 2019، أصدر العراق وإيران بياناً مشتركاً، أعلن فيه الطرفان "عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار بينهما المؤرخة في 13 يونيو/حزيران 1975 والبروتوكولات والاتفاقات الملحقة بها، بحسن نية وبدقة"، كما قرّر الطرفان البدء بعمليات مشتركة لتنظيف شط العرب بهدف إعادة قناة الملاحة الرئيسية "التالوك" وفق اتفاقية 1975 المذكورة والبروتوكول المعني بذلك في أسرع وقت". ومثّل الالتزام بالاتفاقية كما هي، والاكتفاء بتنظيف الممر البحري لتسهيل الملاحة فيه، تطبيقاً للطرح الإيراني، إلا أن مراقبين أكدوا التجاوزات الإيرانية، في عملية "استغفال متعمد" للجانب العراقي.
وبحسب ضابط من القوة البحرية في البصرة، فإن "السلطات البحرية والمائية في البصرة تبلغ الحكومة العراقية في بغداد بين فترة وأخرى بشأن التجاوزات الإيرانية على الحدود المائية للعراق، إلا أن وزارة الداخلية والسلطات الأمنية لا تسمح لقوات البحرية بالتصدي لهذه التجاوزات، وآخرها دخول زوارق إيرانية للمياه العراقية ونصبها منصات عائمة ودق ركائز حديدية، إذ لم يعد بإمكان الصيادين العراقيين حتى الاقتراب منها، وبالتالي تبقى القوات العراقية حائرة أمام التجاوزات التي تمارسها قوات خفر السواحل الإيرانية، والتي تستعمل الطيران المروحي أحياناً لغرض تصوير التقدم الحاصل في عمق شط العرب، وإنجازها لمشاريعها، وأبرزها المحطة الملاحية الأولى، التي تمثل انتهاكاً للحقوق المائية العراقية من جهة، وتجاوزاً على الملاحة العراقية والحدود المائية بين البلدين من جهة أخرى"، متهماً المسؤولين في بغداد بمحاباة الإيرانيين منذ سنوات غير قليلة في هذا الجانب.
"الملف مرعب ويهدّد حياة أي مسؤول محلي أو مركزي يتحدث عنه"، هكذا أجاب نائب في البرلمان العراقي عن أهداف التمدد الإيراني في شط العرب. وقال لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن "الملف المائي يُعدّ الأخطر في البصرة، وربما أخطر من الانفلات الأمني، لأن من يسيطر على المياه يسيطر على الأمن، وهو ما تؤسّس له إيران في البصرة، بمعاونة المليشيات التابعة لها وكثير من السياسيين".
وبيّن أن "المعلومات المتوفرة عن المحطة الملاحية، التي تعمل إيران على استكمالها، ستؤدي إلى خنق العراق من خلال منع دخول السفن العملاقة المياه الإقليمية، إضافة إلى خنق ميناء الفاو الجديد".
من جهته، قال الباحث والمسؤول في مديرية الموارد المائية في البصرة حاتم عمران إن "أي مراجعة بسيطة للخرائط القديمة الخاصة بشط العرب، ستوضح التجاوزات الإيرانية وتجاوزها على اتفاقية الجزائر، ولحدّ الآن لم نتأكد من تفاصيل المعلومات الخاصة بالمحطة الملاحية الإيرانية التي نصبتها في شط العرب، ولكن بطبيعة الحال هناك تجاوزات كثيرة من قبل الجانب الإيراني"، مستكملاً حديثه أن "التجاوزات والإهمال الحكومي لمياه شط العرب، جعلا المياه فيه "ضحلة"، وفقدت عناصرها الأساسية التي تسمح بالملاحة البحرية، وبالتالي فإن الأوضاع تزداد سوءاً في البصرة".
بدوره، أشار الخبير العراقي في شؤون سياسات المياه رمضان حمزة إلى أن "إيران تحاول جاهدة الاستيلاء على حصة الأسد من شط العرب في البصرة، وتسعى الكويت أيضاً إلى هذا الأمر، وهما السبب وراء تلكؤ ميناء الفاو الذي يربط العراق بالبحر"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "إيران تجاوزت خط "التالوك" من دون انتباه حكومي، وهذا التجاوز سيحرم العراق من أن يكون له منفذ مائي". وأردف أن "زيادة الأراضي اليابسة في إيران دفعها إلى تجاوز خط "التالوك"، وهي تريد من ذلك أن تبني محطة ملاحية تكون أهم من ميناء الفاو، ومن خلاله تتخلص من المياه المالحة لديها، وترميها على الحدود العراقية".