لم تتوقف الاشتباكات في ريف دير الزور الشرقي بين عناصر "مجلس دير الزور العسكري" ومقاتلين من عشائر عربية من جهة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تفجرت الأحد الماضي بعد إقالة قائد المجلس أحمد الخبيل (أبو خولة)، بتهم تتعلق بالفساد من قبل قيادة هذه القوات، وهو ما دفع فعاليات قبلية للدعوة إلى تشكيل إدارة مدنية لهذا الريف، يتبع للتحالف الدولي.
وذكرت شبكات إخبارية محلية، أمس الخميس، أن اشتباكات اندلعت في بلدة البصيرة، وهي من كبريات البلدات في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، بعد هجوم شنّه مقاتلو العشائر على مقرّ القيادة العامة لـ"قسد" في البلدة.
كذلك شنّ هؤلاء المقاتلون هجمات متفرقة على مواقع لهذه القوات، التي تتلقى دعماً من التحالف الدولي، في بلدات الطيانة وجديد بكارة وجديد عكيدات وذيبان، وهاجموا رتلاً لها كان قادماً من الرقة، في منطقة الحاوي غربيّ دير الزور. وأغلق مقاتلو العـشائر أمس الطرق الرئيسية في بلدات أبو حمام، وغراينج، والكشكية، بالسواتر الترابية، تحسباً لمحاولة "قسد" اقتحام هذه البلدات.
وكانت الاشتباكات قد بدأت الأحد الماضي بعد إقالة قيادة "قسد" قائد "مجلس دير الزور العسكري" التابع لها، أحمد الخبيل، ووضعه تحت الإقامة الجبرية بتهم تتعلق بالفساد وسوء الإدارة و"التنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة".
دعا شيخ قبيلة "العكيدات" التحالف الدولي لتشكيل مجلس قيادة عسكرية من أعيان عشائر دير الزور
وكانت "قسد"، التي تشكل "الوحدات" الكردية ثقلها الرئيسي، قد احتجزت الخبيل، مساء الأحد الماضي، إثر استدراجه إلى اجتماع في مقر قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي في الحسكة، أقصى شمال شرق سورية، تبعه اعتقال قياديين آخرين من أعضاء المجلس، ما أدى إلى تأجيج الوضع في المنطقة.
مقاتلو العشائر يسيطرون على بلدات
وسيطر فجر أمس الخميس مقاتلون من أبناء عشيرة "البكير" التابعة لقبيلة "العكيدات" على بلدة جديد بكارة، بعد هجوم واسع على نقطة المقسم في البلدة. كذلك سيطروا على بلدتي الدحلة وجديدة عكيدات، بعد اشتباكات عنيفة مع "قسد"، بالتزامن مع هجوم لمقاتلي "مجلس دير الزور العسكري" مع أبناء العشائر على حاجز تابع لـ"قوات سوريا الديمقراطية" قرب محطة المياه وحاجز "المسعود" في بلدة ذيبان. في المقابل، دفعت "قسد" بتعزيزات عسكرية تضم آليات مصفحة، من حقل العمر النفطي إلى حاجز الري بين بلدتي الشحيل والزر شرقي دير الزور.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، مقتل 40 شخصاً منذ بدء الاشتباكات الأحد الماضي، هم خمسة مدنيين، و20 مسلحاً من العشائر، و11 عنصراً من "قسد"، و4 أشخاص قتلوا في بلدة ضمان، خلال مداهمة عناصر من "قوات سوريا الديمقراطية" للبلدة. وأشار إلى إصابة 8 من المسلحين العشائريين، و7 من "قسد".
دعوة عشائر دير الزور لتوحيد صفوفها
وتداولت شبكات ووكالات إعلامية ونشطاء محليون تسجيلاً صوتياً لشيخ قبيلة "العكيدات" (أكبر القبائل العربية في شرق سورية)، إبراهيم الهفل، دعا فيه إلى توحيد العشائر ومواجهة "قوات سوريا الديمقراطية" شرقيّ البلاد. وطالب الهفل، في التسجيل الذي أُذيع مساء أمس الأول الأربعاء، التحالف الدولي بقيادة أميركا بـ"تشكيل مجلس قيادة عسكرية من أعيان عشائر دير الزور من الثقات والعسكر ذوي الخبرات من أبناء العشائر العربية".
وشدد الهفل على أن "يكون الاتصال مباشراً بين العشائر والقبائل العربية في دير الزور مع التحالف الدولي، وضبط الأمن والخدمات في المنطقة بالشكل المطلوب"، موضحاً أنه "على اتصال مع العشائر كافة لتهدئة الأوضاع، بما يحقق الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة، وذلك في حال الموافقة وتأمين المطالب المشروعة، وتقديم ضمانات مؤكدة من التحالف الدولي".
ونشرت شبكات محلية مقاطع مصورة تظهر توافد المئات من مقاتلي العشائر إلى مقر مضافة الهفل، أمس الخميس، مؤكدة انشقاق نحو 100 عنصر من أبناء المنطقة عن "قسد"، مشيرة إلى أن شيوخ العشائر يتجهون إلى تشكيل "جيش" في ريف دير الزور، تقع على عاتقه إدارة المنطقة، مدنياً واقتصادياً وسياسياً، إن لم تستجب "قسد" وتسحب قواتها وتطلق سراح المعتقلين وتحاسب المتورطين بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين.
الموقف في ريف دير الزور مفتوح على كل الاحتمالات
وتعليقاً على ما يجري في ريف دير الزور، رأى مدير مركز "الشرق نيوز" الإعلامي، فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الموقف "مفتوح على كل الاحتمالات"، مشيراً إلى "اتساع نطاق الاشتباكات الخميس، التي وصلت إلى ريف دير الزور الغربي".
ولفت علاوي إلى أنه "إذا لم يتحمل التحالف الدولي مسؤوليته، أعتقد أن الموقف يتجه نحو التصعيد". وتابع: "وقوع ضحايا أكثر سيدفع العشائر كلها إلى الانخراط في الصراع ضد (قسد)". وأعرب عن اعتقاده أن ريف دير الزور الخاضع لسيطرة "قسد" أمام سيناريوهين: إما اتساع نطاق الصدام، وإما تفاهم على إعادة تشكيل "مجلس دير الزور العسكري" بشكل يرضي الأهالي.
ما يجري أبعد من إقالة قائد عسكري
من جهته، رأى الناشط الإعلامي من ريف دير الزور، جاسم عليان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما يحدث في دير الزور "أبعد وأعمق من قضية إقالة قائد عسكري ضمن المجلس العسكري لـ(قوات سوريا الديمقراطية)، وهو يتعلق بالمشهد السوري العام وبمحاولة خلط الأوراق مرة أخرى لإطالة عمر الأزمة، أو المشكلة السورية، وعمر النظام في دمشق".
جاسم عليان: هذه الأحداث تمثل محاولة للحد من الاحتجاجات المدنية وعودة الشارع للتحرك في شرق الفرات عموماً
وأضاف عليان أن "هناك تدخلات إيرانية ومن النظام وأطراف خارجية كثيرة في المسألة، وضمن هذا السياق كانت قسد في الواجهة من خلال إعلان حملتها على تنظيم داعش، لينكشف بعد ساعات أن الحملة لم تكن تستهدف التنظيم، بل الموالين لمجلس دير الزور العسكري وقادته وعائلاتهم، ثم توسع المشهد، وتسارعت الأحداث لتشمل كل دير الزور".
ورأى عليان أن "هذه الأحداث تمثل محاولة من هذه الأطراف، إن النظام السوري أو الإيرانيين أو أطرافاً من قسد، للحد من الاحتجاجات المدنية وعودة الشارع للتحرك في شرق الفرات عموماً، وفي دير الزور خصوصاً، ضد النظام والسلطات المحلية، خصوصاً أن حراك دير الزور كان يحمل شعارات وطنية ولا يمكن رميه بتهم، اعتاد النظام إلصاقها بالمعارضين، مثل الانتماء إلى داعش وما شابه".
واعتبر عليان أن "هذا يندرج في المشهد العام للاحتجاجات الممتدة من السويداء إلى درعا وريف دمشق، وصولاً إلى الساحل السوري، حيث بدأت قبل أيام قليلة من تحرك قسد الأخير احتجاجات شعبية واسعة في دير الزور والرقة، وصلت إلى القامشلي، التي توقفت نهائياً بعد إعلان قسد عمليتها الأخيرة".
وأشار إلى أن النظام يحاول استغلال هذه التطورات من أجل "التحشيد القومي والعنصري وضرب العشائر، والقوميات بعضها ببعض في شرق الفرات"، متوقعاً أن يتأزم الوضع أكثر إن لم تتراجع "قسد" عن قراراتها وتعالج الأمور بطرق أخرى.
يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يشهد فيها ريف دير الزور اشتباكات بين العشائر العربية و"قسد" المتهمة بممارسة تجاوزات بحق سكان المنطقة، وكلهم من العرب، فضلاً عن الفساد الذي يستشري في مفاصل "الإدارة الذاتية"، وهو ما يسبب حالة من التململ والاستياء.
ولمحافظة دير الزور، المنقسمة اليوم ما بين النظام و"قسد"، طبيعة عشائرية، إذ تقطنها قبائل عربية في جنوب النهر، أو ما يُعرف محلياً بـ"الشامية"، أو شمال النهر المعروف بـ"الجزيرة". ويضم ريف دير الزور الخاضع لسيطرة "قسد"، عدة بلدات، أبرزها الباغوز والسوسة وهجين والشعثة، والجرذي، والسويدان، والطيّانة، والشحيل، والبصيرة، والهرموشية، وجزرة بو حميّد، والكشكية، وأبو حمام والغرانيج.