ريشي سوناك يتجاوز الانقسامات بحكومة "توافقية"

25 أكتوبر 2022
سوناك خلال كلمته بعد توليه منصبه رئيساً للوزراء اليوم (Getty)
+ الخط -

بدأ رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك تشكيل حكومته، وهي الثالثة خلال أربعة أشهر. وكما كان متوقّعاً، حرص سوناك على منح الحقائب المفتاحية لشخصيات توافقية تجمع يمين حزب المحافظين بيساره، في محاولة لرأب الصدع، دون إغفال الكفاءة والمهنية.

وفي حين قال سوناك، في خطابه الأول، اليوم الثلاثاء، إنّ المملكة المتحدة تواجّه أزمة اقتصادية "عميقة"، قرّر الاحتفاظ بالمستشار ووزير المالية وحليفه جيريمي هانت المتهم بـ"تمزيق" الاستراتيجية الاقتصادية لليز تراس، بعد أن عيّنته خلفاً لصديقها وحليفها كواسي كوارتنغ، الذي اعتمد استراتيجية تخفيض الضرائب، لتكون أكبر جولة من التخفيضات في نصف قرن. الميزانية المصغّرة التي أعلن عنها كوارتنغ مهّدت الطريق أمام كثير من أعداء تراس وحلفائها، على حد سواء، للمطالبة بتنحّيها، بعد أن اهتزّت الأسواق وهبط الجنيه الإسترليني إلى مستويات "مهينة" وتضاعف التضخّم. 

واستعاد اثنان من أقرب حلفاء سوناك أدوارهما في الحكومة البريطانية؛ الأول هو دومينيك راب الذي عُيّن نائباً لرئيس الحكومة ووزيراً للعدل، وهي الوظيفة التي شغلها في حكومة بوريس جونسون (2019/2022). كما أنّ راب هو مهندس مشروع قانون جديد يلغي ارتهان وارتباط القانون البريطاني بأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ما يسهّل ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وكان من أكثر المؤيدين لسوناك خلال السباق الماضي.

أما الثاني، فهو أوليفر دودن الذي استقال في مايو/ أيار الماضي من منصب رئيس حزب المحافظين، احتجاجاً على الخسارة الموجعة التي مني بها الحزب في الانتخابات الفرعية، موجّهاً لجونسون رسالة صريحة: "يجب على شخص ما تحمّل المسؤولية".

ودودن هو أيضاً "شريك" سوناك في رسالة شهيرة نشرها الرجلان في مديح الزعيم السابق للحزب بوريس جونسون، قبل انتخابات عام 2019 بعنوان: "المحافظون في خطر.. فقط بوريس جونسون يمكنه إنقاذنا". حصل دودن على منصب وزير مكتب مجلس الوزراء في الحكومة الحالية.

وفي خطوة متوقّعة عيّن سوناك اثنين من أبرز حلفاء جونسون وتراس في مناصب مفتاحية، حيث أبقى على جيمس كليفرلي وزيراً للخارجية في مرحلة دقيقة من العلاقة مع الصين ومع الحرب الروسية على أوكرانيا. وكان كليفرلي من أوائل المؤيّدين لتراس والمطالبين لاحقاً بعودة جونسون إلى الزعامة. وفي آخر تصريح له كوزير في حكومة تراس، قال إنّ "أخطاء قد ارتكبت، لكن استبدال تراس لن يساهم بتهدئة الأسواق"، مدافعاً عنها ومنتقداً "هؤلاء الذين يحاولون استبدالها الآن وهم أنفسهم الذين تخلّصوا من جونسون قبلها دون أن يمتلكوا أي خطة للغد". 

كما عيّن سوناك حليفاً ثانياً لجونسون ولتراس، هو ناظم زهاوي الذي أيّد جونسون في السباق الأخير، ومنحه سوناك منصب رئيس حزب المحافظين، كما عين في منصب وزير البيئة حليفة تراس وصديقتها المقربة تيريز كوفي، التي شغلت حقيبة الصحة في الحكومة السابقة. بينما حصل على منصب وزير الصحة ستيف باركلي، حليف جونسون ووزير الصحة في حكومته، والذي استبعدته تراس من العمل معها. 

أما بن والاس، فاحتفظ بمنصبه وزيراً للدفاع، هو الثابت الوحيد في حكومة تعيش تحوّلات بارزة، إذ احتفظ بمنصبه بعد تنحّي جونسون، واليوم بعد تنحّي تراس. وكان والاس قد هدّد بالاستقالة من حكومة جونسون إن لم يتعهد الأخير بالوفاء بالتزامه زيادة الإنفاق الدفاعي بمعدّل 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو التزام رفض سوناك، من موقعه ذلك الحين وزيراً للمالية، الالتزام به.

والاس هو من الشخصيات المحافظة النادرة التي تحظى بهذا القدر من الشعبية في صفوف الحزب والإجماع والتوافق، لكنه رفض مرّتين الترشّح إلى منصب رئيس الحكومة. 

واسترجع سوناك وزيرة الداخلية المستقيلة من حكومة تراس سويلا برافرمان، التي خرقت القواعد عبر إرسال ملف سرّي من بريدها الإلكتروني الخاص إلى أحد النوّاب المحافظين. وكانت برافرمان قد رشّحت نفسها لزعامة الحزب بعد تنحّي جونسون، لكنها خرجت من السباق في أسبوعه الأول، وكانت من أوائل الداعمين لسوناك في السباق الحالي. برافرمان من أصول مهاجرة ومن أشدّ المدافعين عن خطة رواندا المثيرة للجدل، وصرّحت قبل أسابيع قليلة بأنها تحلم باللحظة التي تتّجه فيها الطائرة محمّلة باللاجئين إلى البلد الأفريقي.

أما غرانت تشابس الذي عيّنته تراس خلفاً لبرافرمان فقد منحه سوناك منصب وزير الأعمال. 

من جهتها، احتفظت بيني موردنت بمنصبها رئيسة لمجلس العموم، بعد أن "قاتلت" حتى اللحظة الأخيرة في السباق إلى الزعامة، على الرغم من الفارق الكبير في الأصوات بينها وبين منافسيها سوناك وجونسون، وكان الأخير قد اجتمع بموردنت بعد اجتماعه بسوناك، ليقنعها بالانسحاب، لكنها رفضت ولم تنسحب حتى اللحظات الأخيرة قبل الإعلان عن اسم الفائز، بعد ظهر أمس الاثنين.  

ومن المتوقع أن ينهي سوناك تشكيل حكومته، يوم غد الأربعاء، إلا أنّ التعيينات التي أجراها حتى اللحظة، تنمّ عن رغبة في التغيير، أو على الأقل في السيطرة على حجم الخسائر التي مني بها حزب المحافظين، خلال الأشهر الماضية، بسبب فضائح متكررة، خيّمت على حكومة جونسون، وأخطاء هيمنت على حكومة تراس. وينتظر ملايين البريطانيين أن تتحول هذه الرغبة بالتغيير إلى خطوات ملموسة في مواجهة الملف الأصعب، ممثلاً بغلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الطاقة.

المساهمون