قال مسؤولون أميركيون وعرب ودبلوماسيون ومحللون إن إسرائيل تدخل في مخاطرة تنطوي على مواجهة ثورة شعبية طويلة إذا ألحقت الهزيمة بحركة حماس واحتلت قطاع غزة بدون خطة ذات مصداقية للانسحاب والمضي قدماً نحو إقامة دولة فلسطينية في فترة ما بعد الحرب.
وذكر مسؤولان أميركيان، وأربعة مسؤولين من المنطقة، وأربعة دبلوماسيين مطلعين على المناقشات، لوكالة رويترز، أن كل الأفكار التي طرحتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة، لم تحظ بتأييد على نطاق واسع، وسط مخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد يُستنزف في عملية أمنية طويلة الأمد.
ولطالما أكدت حركة حماس رفض كافة التصريحات التي تتحدث عن حكم غزة ما بعد الحرب، مشيرة إلى أنه "لا توجد قوّة في الأرض يمكن أن تفرض على الشعب الفلسطيني الوصاية".
كما أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن بلاده ترفض الحديث عن سيناريوهات ما بعد الحرب على غزة، معتبراً ما يطرح في هذا السياق "غير واقعي ومرفوض ولا يتعامل معه الأردن".
ويرى بعض المسؤولين في واشنطن والعواصم العربية أن إسرائيل تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان عندما أعقبت الانتصارات العسكرية السريعة سنوات من العنف والتطرف.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إنه إذا تمت الإطاحة بالحكومة التي تديرها حماس في غزة ودُمرت بنيتها التحتية واقتصادها، قد يُدفع السكان الغاضبون إلى انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في شوارع القطاع الضيقة.
وبحسب "رويترز"، فإن إسرائيل والولايات المتحدة ودولاً عربية تتفق على ضرورة الإطاحة بحماس، لكن لا يوجد إجماع على بديل يحلّ محلها.
وقالت دول عربية وحلفاؤها في الغرب إن السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية، هي المرشح الطبيعي للعب دور أكبر في غزة البالغ عدد سكانها حوالي 2.3 مليون نسمة.
لكن مصداقية السلطة، التي تديرها حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس (87 عاماً)، لحق بها الضرر الشديد بسبب السياسة الإسرائيلية التي طالما عمدت على إضعافها، عدا عن فشلها في وقف انتشار المستوطنات، واعتمادها النهج الدبلوماسي سبيلًا وحيدًا لمواجهة الاحتلال، إضافة إلى ملاحقتها بتهم الفساد.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطلع الأسبوع إن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي لا يجب أن تتولى مسؤولية غزة. وذكر أن الجيش الإسرائيلي هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على حماس وضمان عدم عودة "الإرهاب". وأصر مسؤولون إسرائيليون عقب تصريحات نتنياهو على أن إسرائيل لا تنوي احتلال قطاع غزة.
وحذر الرئيس الأميركي جو بايدن نتنياهو يوم الأربعاء من أن احتلال غزة سيكون "خطأ كبيراً". ويقول دبلوماسيون إن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يرون حتى الآن أي خريطة طريق واضحة المعالم من إسرائيل بشأن استراتيجية الخروج من غزة باستثناء الهدف المعلن المتمثل في القضاء على حماس. ويضغط المسؤولون الأميركيون على إسرائيل من أجل تقديم أهداف واقعية وعرض خطة لكيفية تحقيقها.
ولم ترد الحكومة الإسرائيلية على طلبات للتعليق على خطتها لما بعد الحرب في غزة. وأدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى استشهاد أكثر من 11 ألف شخص حتى الآن وتشريد أكثر من مليون، بحسب الأمم المتحدة والهلال الأحمر.
وبينما يصر بعض المسؤولين الأميركيين على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، فإنهم يشعرون بالقلق من أن ارتفاع عدد القتلى المدنيين قد يدفع مقاتلين جدداً إلى جانب حماس أو جماعات مسلحة ستظهر لتحل محلها في المستقبل، وفقاً لما قال مصدر مطلع على عملية صنع السياسات الأميركية لوكالة رويترز.
وقال أكثر من 12 من سكان غزة أجرت "رويترز" مقابلات معهم إن الغزو الإسرائيلي يولّد جيلاً جديداً من المسلحين.
وذكر أبو محمد (37 عاماً)، وهو موظف حكومي في مخيم جباليا للاجئين، أنه يفضل الموت على الاحتلال الإسرائيلي.
وقال لـ"رويترز" رافضاً الكشف عن اسمه بالكامل خوفاً من الانتقام "أنا لست عضواً في حماس لكن في أيام الحرب كلنا شعب واحد، وإذا قضوا على المقاتلين فسنحمل البنادق ونقاتل.. قد يحتل الإسرائيليون غزة، لكنهم لن يشعروا أبداً بالأمان، ولا ليوم واحد".
محادثات بقيادة الولايات المتحدة
إلى ذلك، قال مسؤولان أميركيان تحدثا شريطة عدم نشر اسميهما للوكالة، إن مناقشات الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف فلسطينية أخرى وحلفاء مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر عن خطة لما بعد الحرب في غزة لا تزال في مراحلها المبكرة.
وذكر مسؤول أميركي كبير "من المؤكد أننا لم نصل بعد إلى مرحلة بذل أي جهد لترويج هذه الرؤية لشركائنا الإقليميين الذين سيتعايشون معها في النهاية وينفذونها".
هناك خطوة قيد المناقشة وهي منح السلطة الفلسطينية دوراً رئيسياً في توزيع المساعدات في فترة ما بعد الحرب في غزة لإحياء شرعيتها
وبينما أصر بايدن على ضرورة أن تنتهي الحرب "برؤية" لحل الدولتين، الذي سيجعل من قطاع غزة والضفة الغربية دولة فلسطينية، لم يقدم هو أو كبار مساعديه أي تفاصيل عن طريقة تحقيق ذلك ولم يقترحوا حتى استئناف المحادثات.
ويرى بعض الخبراء أن أي جهد لإحياء المفاوضات هو أمر بعيد المنال، خاصة بسبب الحالة المعنوية السيئة للإسرائيليين في عملية طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وكذلك الحالة المعنوية للفلسطينيين بعد الانتقام الإسرائيلي في غزة.
وقال جوناثان بانيكوف، وهو مسؤول كبير سابق في المخابرات الأميركية متخصص في شؤون الشرق الأوسط ويعمل حالياً في مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية: "من المآسي العديدة لهجوم حماس أنه قوّض القضية الفلسطينية بشكل أساسي وتسبب في انتكاسة (فيما يتعلق بمسعى) إقامة دولة مستقلة ذات سيادة".
ووفقاً لمصدر مطلع، قد يتخذ بايدن قراراً بشأن مبادرة أكثر تواضعاً يمكن أن تشمل مساراً لاستئناف المفاوضات في نهاية المطاف. ويدرك مساعدو بايدن أن نتنياهو وحكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة، التي ترفض فكرة إقامة دولة فلسطينية، ليست لديهما رغبة كبيرة في استئناف المحادثات.
تقدم شركاء غربيون وبعض دول الشرق الأوسط باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في غزة لمدة عامين
وبينما يسعى بايدن لإعادة انتخابه رئيساً العام المقبل، قد يتردد في خسارة الناخبين المؤيدين لإسرائيل الذين سيرون أنه يضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
وأوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي، في طوكيو، خطوط واشنطن الحمراء في غزة، قائلاً إنّ الإدارة تعارض التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع، أو أي تقليص لمساحته، أو احتلاله أو فرض إسرائيل حصاراً عليه. وقال أيضاً إن غزة لا يمكن أن تصبح منصة للإرهاب.
وذكر بلينكن مراراً أنّ واشنطن ترغب في رؤية السلطة الفلسطينية "بعد تنشيطها" تدير قطاع غزة في نهاية المطاف بشكل موحد مع الضفة الغربية.
بقاء عباس في منصب شرفي
وتضاءلت مصداقية السلطة الفلسطينية في عهد عباس، الذي يديرها منذ عام 2005، مع انحسار الأمل في مسار يقود إلى تحقيق حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو للسلام عام 1993.
ويقول مسؤولون أميركيون إن هذه الآليات تحتاج إلى تغيير. وصرح بعض الدبلوماسيين بأن تغيير القيادة داخل السلطة الفلسطينية قد يكون ممكناً مع بقاء عباس في منصب شرفي. وقال دبلوماسي أوروبي كبير إنّ هناك خطوة أخرى قيد المناقشة وهي منح السلطة الفلسطينية دوراً رئيسياً في توزيع المساعدات في فترة ما بعد الحرب في غزة لإحياء شرعيتها.
ورداً على سؤال عن هذه المناقشات، قال مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية إن عودة السلطة إلى غزة هي السيناريو الوحيد المقبول وسيُناقَش مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى.
وقال بعض من كبار المسؤولين الفلسطينيين، ومن بينهم رئيس الوزراء محمد اشتية، إن السلطة الفلسطينية لن تعود إلى حكم غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية.
وذكر دبلوماسيون أن شركاء غربيين وبعض دول الشرق الأوسط تقدموا باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في غزة لمدة عامين تكون مدعومة من الأمم المتحدة وقوات عربية.
لكن الدبلوماسيين قالوا إن هناك مقاومة من حكومات عربية رئيسية، مثل الحكومة المصرية، خوفاً من الانجرار إلى ما تعتبره "مستنقع غزة".
وتخشى القوى الإقليمية من أن تضطر أي قوات عربية تنتشر في غزة إلى استخدام القوة ضد الفلسطينيين ولا ترغب أي دولة عربية في وضع جيشها في هذا الموقف.
لا اتفاق على القيادة
رغم أن عباس لا يحظى بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لا يوجد اتفاق على من سيحل محله في المستقبل.
وقال مسؤول إماراتي إن أبوظبي ستدعم أي ترتيبات لمرحلة ما بعد الحرب تتفق عليها جميع أطراف الصراع وتدعمها الأمم المتحدة لاستعادة الاستقرار وتحقيق حل الدولتين.
ويحظى مروان البرغوثي، وهو أحد قادة فتح المسجون في إسرائيل منذ عام 2002، بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لكن البعض في واشنطن يعتبره اقتراحاً غير عملي لأن الحكومة الإسرائيلية لن ترغب في إطلاق سراح شخص تتهمه بأن "يديه ملطختان بالدماء".
وقال مسؤول أميركي إن اختيار زعيم لغزة سيكون معقداً لأن كل لاعب إقليمي لديه شخصياته المفضلة ومصالحه الخاصة. وستدعم الولايات المتحدة في نهاية المطاف أي زعيم يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني والحلفاء في المنطقة بالإضافة إلى إسرائيل.
وذكر جوست آر.هلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية "من الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى تجديد شباب القيادة الفلسطينية، لكن الدخول في غمار ذلك مرة أخرى أمر صعب للغاية".
وقال إن الدول العربية يمكنها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مرشح لا يعجبهم، وستفوز حماس، التي تصور نفسها على أنها قائدة النضال من أجل الاستقلال الفلسطيني، في أي انتخابات على الأرجح.
وهناك مخاطر كبيرة من احتمال امتداد الصراع إلى الضفة الغربية المحتلة وإلى خارج إسرائيل.
ويقول مسؤولون ودبلوماسيون عرب، إنه لم يظهر مثل هذا القدر من القلق من انتشار العمل العسكري في أنحاء المنطقة منذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.
ومهما كانت قرارات بايدن الدبلوماسية، يقول مساعدوه إنه ليست لديه مصلحة في جرّ الولايات المتحدة إلى دور عسكري مباشر في الصراع، ما لم تهدد إيران أو وكلاؤها الإقليميون المصالح الأمنية الأمريكية.
وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للصحافيين هذا الشهر "لا توجد خطط أو نوايا لنشر قوات عسكرية أميركية على الأرض في غزة، سواء الآن أو في المستقبل".
(رويترز، العربي الجديد)