روسيا تكافئ كوريا الشمالية... إنهاء الرقابة الأممية على العقوبات لتسريع صفقات التسليح

30 مارس 2024
كوري جنوبي يشاهد في سيول مناورة صاروخية كورية شمالية، مارس الحالي (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد لقاء تاريخي بين بوتين وكيم جونغ أون، تعززت العلاقات الروسية الكورية الشمالية، خاصةً في المجال العسكري، حيث قدمت كوريا الشمالية أسلحة لروسيا لاستخدامها ضد أوكرانيا، مما أثار توقعات بمكافأة موسكو لبيونغ يانغ.
- استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع تمديد عمل لجنة خبراء تراقب تطبيق العقوبات على كوريا الشمالية، يعكس خطوة نحو تعميق التعاون العسكري وتسهيل حصول روسيا على المزيد من الأسلحة دون مراقبة أممية.
- الفيتو الروسي وتعميق العلاقات العسكرية بين موسكو وبيونغ يانغ يشيران إلى مستقبل قاتم لتطبيق العقوبات الدولية ضد كوريا الشمالية، مما يعكس تحولاً في نظام العقوبات الدولية ويثير قلق العديد من الدول والكيانات الدولية.

بعد نحو 7 أشهر على اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، على الأراضي الروسية، وما أعقبه من انتقال موسكو إلى مرحلة جديدة من التعاون مع بيونغ يانغ، لا سيما عسكرياً عبر تقديم الأسلحة والذخيرة الكورية الشمالية لروسيا لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا، يبدو أن أوان مكافأة بيونغ يانغ قد حان بالنسبة لموسكو.

وقد تجلى هذا الأمر باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لإنهاء عمل لجنة خبراء أممية مكلفة، منذ العام 2009، مراقبة تطبيق العقوبات على كوريا الشمالية.

وهذه الخطوة الروسية، التي أغضبت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وحتى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنها لن تؤدي إلى وقف العقوبات إلا أنه ينتظر أن تتيح لروسيا الحصول على مزيد من الأسلحة من بيونغ يانغ بغياب أي مراقبة أممية.

وفرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على كوريا الشمالية بعد أول تجربة نووية أجرتها في العام 2006، وشدد العقوبات على مر السنين في إجمالي 10 قرارات تسعى إلى كبح البرامج النووية والصاروخية لبيونغ يانغ.

وتراقب لجنة الخبراء المستقلين، المؤلفة من 7 أعضاء، منذ 15 عاماً تنفيذ عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على كوريا الشمالية، وتقدم تقارير مرتين سنوياً إلى مجلس الأمن وتوصي بالقيام بعمل لتحسين تنفيذ الإجراءات. وينتهي تفويض لجنة الخبراء الحالية بعد شهر من الآن أي في 30 إبريل/ نيسان المقبل. ومنذ العام 2019، تحاول روسيا والصين إقناع المجلس بتخفيف العقوبات التي لم يحدد تاريخ نهايتها.

وفي تقريرها الأخير الصادر مطلع مارس/آذار الماضي أكدت لجنة الخبراء مرة أخرى أن كوريا الشمالية واصلت "الاستخفاف بعقوبات مجلس الأمن" لا سيما من خلال تطوير برنامجها النووي، وإطلاق الصواريخ البالستية وانتهاك العقوبات البحرية والقيود على واردات النفط. وأشارت إلى أنها بدأت التحقيق في "المعلومات الواردة من الدول الأعضاء بشأن قيام كوريا الشمالية بتزويد دول أخرى بأسلحة وذخائر تقليدية" في انتهاك للعقوبات، ولا سيما إلى روسيا بسبب حربها في أوكرانيا.

واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يمدد لعام تفويض لجنة خبراء مكلفة مراقبة تطبيق العقوبات على كوريا الشمالية. وحصل القرار على تأييد 13 صوتاً مع امتناع الصين عن التصويت. ومع ذلك، ما تزال العقوبات نفسها سارية.

اللجنة كانت بدأت التحقيق بتزويد كوريا الشمالية أسلحة لروسيا

وقبل التصويت مباشرة، أكدت 10 دول أعضاء في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية واليابان ومالطا وسيراليون وسلوفينيا والإكوادور وسويسرا، في إعلان مشترك أنه "في ضوء المحاولات المتكررة (من كوريا الشمالية) لتقويض السلام والأمن الدوليين فإن عمل اللجنة أهم من أي وقت مضى".

روسيا تدافع عن استخدام "الفيتو"

ودافعت روسيا عن قرارها استخدام الفيتو ضد التمديد للجنة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، في بيان أمس إنه "على مر السنين لم تساعد التدابير التقييدية الدولية على تحسين الوضع الأمني في المنطقة. بل بالعكس، ففي غياب آليات لمراجعة تدابير العقوبات بطريقة مخففة، تظل هذه الأداة مصدر إزعاج خطراً يعوق بناء الثقة والحوار السياسي".

وكان السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا اتهم، خلال جلسة مجلس الأمن، "اللجنة بأنها تواصل تركيز عملها على قضايا غير مهمة لا ترقى إلى مستوى المشكلات التي تواجهها شبه الجزيرة".

وأوضح أن "روسيا طلبت من المجلس تبني قرار بإجراء تقييم مفتوح وصادق للعقوبات"، مشدداً على أنه "إذا كان هناك اتفاق على تجديد العقوبات سنوياً، فإن مهمة لجنة الخبراء ستكون منطقية"، مندداً برفض الولايات المتحدة وحلفائها قبول هذا التعديل.

أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الصيني لين جيان، فأوضح في مؤتمر صحافي أمس الجمعة، أن بلاده تعارض "فرض عقوبات بشكل أعمى" على كوريا الشمالية. وقال إن "الوضع الراهن في شبه الجزيرة (الكورية) ما زال متوتراً، وفرض عقوبات بشكل أعمى لا يمكن أن يحل المشكلة". ورداً على سؤال بشأن سبب امتناع الصين عن التصويت، قال إن "الحل السياسي هو السبيل الوحيد". وأضاف: "نأمل أن يتمكن مجلس الأمن الدولي وجميع الأطراف ذات الصلة من القيام بجهود بناءة لتحقيق ذلك".

في المقابل، قالت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة باربرا وودوارد إن "هذا الفيتو ليس دليلاً على قلق على شعب كوريا الشمالية أو فعالية العقوبات، إنه يتعلق بروسيا من خلال الحصول على الحرية لانتهاك العقوبات بحثاً عن أسلحة لاستخدامها ضد أوكرانيا".

ورأت وودوارد أنّ الفيتو الروسي يأتي في أعقاب صفقات أسلحة بين روسيا وكوريا الشمالية، في انتهاك لعقوبات الأمم المتحدة، بما تضمن “نقل صواريخ بالستية، والتي استخدمتها روسيا فيما بعد في غزوها غير القانوني لأوكرانيا منذ مطلع العام الحالي".

وفي إطار التنديد بالفيتو الروسي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، في بيان، إن "أفعال روسيا قوضت بشكل ساخر السلام والأمن الدوليين، وكل ذلك من أجل دفع الصفقة الفاسدة التي أبرمتها موسكو مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية".

بدورها، قالت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، في بيان، إنّ سيول "تؤكّد بوضوح أنّ روسيا الاتّحادية، رغم وضعها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، اتّخذت قراراً غير مسؤول". ووصفت وزارة الوحدة الكورية الجنوبية، التي تتعامل مع العلاقات مع الشمال، التصويت الروسي بأنه "مؤسف للغاية".

كوريا الشمالية مورد رئيسي للأسلحة لروسيا

وجاء الفيتو الروسي في مجلس الأمن لمنع تمديد عمل اللجنة لمدة عام إضافي بعد ساعات من انتهاء زيارة رئيس المخابرات الروسية الخارجية سيرغي ناريشكين إلى بيونغ يانغ، حيث التقى بوزير أمن الدولة الكوري الشمالي ري تشانج داي.

وقال جهاز المخابرات الروسي، في بيان الخميس الماضي، إنهما "ناقشا القضايا الراهنة المتعلقة بتطور الوضع الدولي وضمان الأمن الإقليمي وتعزيز التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية في مواجهة محاولة تكثيف الضغوط من القوى الخارجية".

من جهتها، قالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية إن الجانبين بحثا تعزيز التعاون للتصدي "لتحركات التجسس والتآمر المتزايدة التي تقوم بها القوى المعادية".

وسعى بوتين لتعزيز العلاقات مع كوريا الشمالية منذ غزو أوكرانيا في العام 2022. ودانت الولايات المتحدة وحلفاؤها ما يقولون إنه وصول شحنات كبيرة من الصواريخ الكورية الشمالية إلى روسيا للمساعدة في جهودها الحربية.

وفي حين تحظر عقوبات الأمم المتحدة نقل الأسلحة من وإلى كوريا الشمالية، أصبح نظام الزعيم كيم جونغ أون مورداً كبيراً للأسلحة لجهود بوتين الحربية في أوكرانيا. وأعلنت أوكرانيا، مراراً في الآونة الأخيرة، أنها عثرت على حطام من صواريخ بالستية كورية شمالية الصنع بعد هجمات على أهداف في البلاد.

عارضت الصين "فرض عقوبات بشكل أعمى" على بيونغ يانغ

بدوره، قال وزير دفاع كوريا الجنوبية شين وون-سيك، في تصريح صحافي في فبراير/ شباط الماضي، إن مصانع الذخيرة في كوريا الشمالية تعمل بكامل طاقتها لإنتاج أسلحة لإرسالها إلى روسيا بما في ذلك ملايين الطلقات من قذائف المدفعية، مشيراً إلى أن بيونغ يانغ زودت موسكو بنحو 7 آلاف حاوية أسلحة منذ يوليو/تموز الماضي، لعملياتها العسكرية في أوكرانيا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أفاد البيت الأبيض، في بيان، بأن بيونغ يانغ سلّمت "أكثر من ألف حاوية" تحتوي على معدات عسكرية وذخيرة إلى روسيا. كما اتهمت سيول بيونغ يانغ بإرسال أكثر من مليون قذيفة مدفعية إلى موسكو. في المقابل يبدو أن بيونغ يانغ تلقت مشورة فنية من موسكو بشأن مشروعها لإطلاق قمر صناعي للاستطلاع العسكري.

"مستقبل قاتم" لتطبيق العقوبات

وقال ثلاثة أعضاء سابقين في اللجنة، لوكالة رويترز، إن تحرك روسيا لحل لجنة الخبراء التي تراقب عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية يشير إلى "مستقبل قاتم" لتطبيق العقوبات.

وقال دبلوماسيون إنه يبدو من غير المرجح إجراء تصويت آخر لمحاولة تجديد التفويض قبل انتهائه في 30 إبريل المقبل. ويؤكد الفيتو الروسي على تعمق العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ، التي شملت شحنات غير مسبوقة من الصواريخ البالستية والذخيرة لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى إمدادات وقود محتملة لكوريا الشمالية وفقاً لمسؤولين أميركيين وكوريين جنوبيين ومحللين مستقلين لوكالة رويترز. ونفت موسكو وبيونغ يانغ إبرام صفقات أسلحة بينهما، لكنهما تعهدتا بتعميق العلاقات العسكرية.

ويمثل الفيتو الروسي نقطة تحول رئيسية في نظام العقوبات الدولية ضد كوريا الشمالية، كما قال آرون أرنولد، العضو السابق في اللجنة الذي يعمل الآن كخبير عقوبات في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في بريطانيا.

وأضاف لـ"رويترز"، أن "تصويت روسيا، إلى جانب انتهاكها الصارخ للعقوبات من خلال شراء أسلحة تقليدية من كوريا الشمالية، وتاريخ طويل من تجاهل التزاماتها، والدعم الضمني على الأقل من الصين، يشير إلى أن المستقبل قاتم لنظام عقوبات كوريا الديمقراطية".

وقال عضو كبير سابق في اللجنة، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "التقرير الأخير (للجنة) مثير للاهتمام للغاية، لأنه على الرغم من أنه يدخل في بعض التفاصيل المفيدة حول التمويل والعمال في الخارج، إلا أنه بالكاد يتم ذكر الصين. إذا كنت تتحدث عن خرق العقوبات، ولا تذكر الصين، فهذا ليس انعكاساً دقيقاً للغاية لما يحدث بالفعل". واعتبر أنه في حين بدت تقارير اللجنة وكأنها ملخص شامل، إلا أنها كانت أشبه بجزء صغير من لغز أكبر، حيث لا يشار إلى القطع الكبيرة.

من جهته، قال الأستاذ في جامعة "إيهوا" في سيول، ليف إريك إيسلي، لـ"رويترز"، إن نهاية عمل اللجنة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التعاون الثلاثي بين واشنطن وسيول وطوكيو، ويمكن نشر مزيد من الأدلة على انتهاكات العقوبات للجمهور، لأن التأثير المُقيد لموسكو وبكين على التقارير سيختفي مع انتهاء عمل لجنة خبراء الأمم المتحدة.

بدوره، أشار الرئيس السابق للجنة هيو غريفيث إلى أن "البنوك العالمية وشركات التأمين، التي تعتمد على تقارير مستقلة لتجميد وإغلاق الحسابات المرتبطة بشبكات التهرب من العقوبات في الخارج لكوريا الشمالية، ستعثر على آليات جديدة" للقيام بهذا الأمر.

وقال غريفيث إن الفيتو يشير إلى أن روسيا لا تريد أن تبلغ هيئة تابعة لمجلس الأمن الدولي عن شرائها غير القانوني للصواريخ البالستية الكورية الشمالية وذخائر المدفعية التقليدية. وأضاف أن "الفيتو الروسي يشير إلى أن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين سيكثف تعاونه في مجال الصواريخ البالستية وخرق الحظر مع كوريا الشمالية".

وأعلنت جيني تاون، الخبيرة في "برنامج 38 نورث"، وهو برنامج مراقبة كوريا الشمالية ومقره واشنطن، أن الفيتو يكشف مدى قوة العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية.

وقالت، لوكالة رويترز، إنه "يؤكد أنه لا ينبغي توقع فرض عقوبات جديدة على مستوى مجلس الأمن الدولي في البيئة الجيوسياسية الحالية، والعبء الأكبر على الدول الآن للتعامل مع جهود مراقبة العقوبات".

وكانت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أطلقتا، أخيراً، فرقة عمل جديدة تهدف إلى منع كوريا الشمالية من شراء النفط غير المشروع، وخاصة من روسيا. كما فرض البلدان عقوبات أحادية الجانب على أفراد وكيانات مقرها في روسيا والصين والإمارات، بتهمة تحويل الأموال إلى برامج الأسلحة في بيونغ يانغ.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)

المساهمون