عززت روسيا أخيراً قوتها في شرقي البحر المتوسط، في استعراض لقدرتها العسكرية، حيث هبطت أول من أمس الجمعة، في قاعدة "حميميم" الروسية على السواحل السورية، طائرات متطورة، في رسالة واضحة من موسكو للغرب بأن لها اليد العسكرية الطولى في شرقي البحر الأبيض المتوسط.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أول من أمس الجمعة عن وصول مقاتلتين عسكريتين حديثتين من طراز "ميغ 31 كا" قادرتين على حمل صواريخ "كينجال" فرط الصوتية (صواريخ باليستية تطلق من الجو وسرعتها تتجاوز سرعة الصوت)، إلى قاعدة "حميميم" الجوية شرق محافظة اللاذقية على الساحل السوري، وذلك للمشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة للسفن والطائرات التابعة للبحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط. وتشارك في هذه التدريبات التي بدأت الجمعة خمس سفن حربية، بما في ذلك طراد الصواريخ "موسكافا" والفرقاطتان "الأدميرال إيسن" و"الأدميرال ماكاروف"، والغواصتان "ستاري أوسكول" و"روستوف أون دون". ونشرت وزارة الدفاع الروسية الجمعة شريط فيديو يوثق وصول المقاتلتين من طراز "ميغ 31 كا" إلى قاعدة حميميم، وذلك للمرة الأولى منذ الانخراط الروسي في الصراع في سورية أواخر سبتمبر/ أيلول عام 2015.
وصول مقاتلتين من طراز "ميغ 31 كا" إلى قاعدة "حميميم"
وسُمعت صباح أمس السبت أصوات وُصفت بالقوية في محافظتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام إنها "ناتجة عن قيام قوات البحرية الروسية بإطلاق صواريخ في إطار تدريبات تجريها في البحر المتوسط".
في السياق، أوضح القيادي في فصائل المعارضة السورية العقيد الطيار مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "طائرات عدة من طراز ميغ 31 كا هبطت في قاعدة حميميم في ريف اللاذقية في الأيام القليلة الماضية". ولكن البكور عبر عن اعتقاده "بأن هذه الطائرات لم تأت في إطار تصعيد عسكري مقبل، وإنما في إطار رحلات تدريبية روتينية أو كاستراحة بعد المناورات التي نفذتها وزارة الدفاع الروسية في البحر الأبيض المتوسط أخيراً". وعن مواصفات وأهمية هذه المقاتلات، أوضح البكور أن "طائرة ميغ 31 كا هي طائرة مقاتلة تم بناؤها على أساس طراز مقاتلة ميغ 25، لذلك هي تشبهها كثيراً في الشكل وتختلف عنها بالإمكانات التقنية". وفصّل البكور بالقول: "ميغ 31 كا مخصصة للتعامل مع الأهداف الجوية بشكل رئيسي، بما فيها الصواريخ البالستية، وتحمل أنواعاً عدة من الصواريخ الموجهة جو جو، وتمتاز بقدرتها على حمل صاروخ واحد من طراز كينجال الموجه ذي السرعة الفرط صوتية والمدى البعيد والدقة العالية". وأوضح أنّ هذه الطائرة "يمكنها الطيران على ارتفاعات أكثر من 20 كيلومتراً، وبسرعة تصل إلى 2.5 ماخ (وحدة قياس سرعة الصوت)، وتمتلك وسائط حماية إلكترونية جيدة وراداراً بعيد المدى وهي قادرة على التعامل مع 4 أهداف جوية بوقت واحد"، مضيفاً: "باختصار هي أول طائرة تنتجها روسيا من الجيل الرابع للطيران".
وتأتي التدريبات في خضم حراك سياسي تقوده الولايات المتحدة الأميركية للضغط على روسيا لتمرير قرار في مجلس الأمن الدولي الشهر المقبل، يسمح بإدخال المساعدات الدولية إلى نحو 4 ملايين مدني في شمال سورية، عبر معبر باب الهوى مع تركيا والذي تسيطر عليه إدارة مدنية تابعة للمعارضة السورية. وحتى اللحظة، ترفض موسكو تمديد الآلية المعمول بها منذ عام 2014، لأنها "تنتهك سيادة البلاد"، وفق زعم الروس الباحثين عن مكاسب سياسية واقتصادية للنظام السوري مقابل هذا القرار. كذلك يأتي الاستعراض العسكري الروسي قبيل جولة جديدة من محادثات مسار أستانة العسكري والمنوط به الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد التي تضم أجزاء من محافظة إدلب ومحيطها.
ومنذ عام 2015، وقبيل تدخلها العسكري المباشر في الصراع لصالح النظام، حوّلت موسكو قاعدة حميميم إلى أهم قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، بل باتت قيادة هذه القاعدة هي المتحكمة بالقرار العسكري في سورية من جانب النظام. واستطاعت روسيا تغيير معادلات الصراع على الأرض بدءاً من أواخر عام 2015 من خلال استخدام قوة نارية غير مسبوقة سمحت لقوات النظام بالتقدم في العديد من المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية. وأجرت وزارة الدفاع الروسية خلال العامين الأخيرين تعديلات عديدة في مطار قاعدة حميميم، حيث تمت إطالة مدرجات الإقلاع والهبوط لاستقبال كل أنواع الطائرات الروسية. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد زار قاعدة حميميم أواخر عام 2017 للتأكيد على الدور الروسي المتعاظم في شرقي المتوسط.
عبد الواحد: موسكو بصدد مقارعة الأطلسي في البحر المتوسط
ولم يخفِ الجانب الروسي خلال الأعوام الفائتة أنه جرّب مختلف أنواع الأسلحة في سورية، وذلك على لسان كبار المسؤولين الروس. وقال بوتين في مايو/ أيار الفائت إن جيش بلاده "جرّب أحدث الأسلحة التي يمتلكها، وأثبت مواصفاتها الفريدة في عمليات نفذها في سورية". وكان قد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في عام 2019 أن روسيا جرّبت أكثر من 300 نموذج للأسلحة الروسية الجديدة في سورية. ووفق تقرير لـ"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" نهاية مايو/ أيار الماضي "ففي عام 2019 وفي جولة واحدة من الجولات التي جرى فيها تجريب واستخدام وسائل القتل التي تحدّث عنها بوتين، قامت طائرات الاحتلال الروسي في غضون 12 ساعة فقط بقصف أربعة مستشفيات في سورية"، مشيراً إلى أن "الجانب الروسي ارتكب منذ عام 2015 ما لا يقل عن 350 مجزرة واستهدف أكثر من 220 مدرسة و210 مستشفيات ومراكز طبية ومستوصفات".
من جانبه، رأى المحلل السياسي المختص في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ إعلان الجانب الروسي هبوط هذا النوع من الطائرات المتطورة في قاعدة حميميم في شرقي البحر الأبيض المتوسط "رسالة واضحة من موسكو إلى الغرب مفادها بأن سورية باتت اليوم خط مواجهة". وأشار عبد الواحد إلى أن موسكو "تؤكد من خلال وجود هذه الطائرات على السواحل السورية أنها بصدد مقارعة حلف شمال الأطلسي في البحر المتوسط"، لافتاً إلى أن التدريبات التي يجريها الروس في المتوسط "تتزامن مع دخول قوة ضاربة من الأسطول البريطاني على رأسها حاملة الطائرات إليزابيث إلى شرقي المتوسط".