أعلنت موسكو، الخميس، أنها بدأت الانسحاب من خيرسون جنوبي أوكرانيا، فيما أكدت كييف أنها استعادت نحو عشر قرى في المدينة الاستراتيجية المطلة على البحر الأسود.
وأشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن وحدات من القوات الروسية تجري إعادة تموضع في "موقع معد لها على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو، بما يتوافق بشكل صارم مع الخطة المقررة".
لكن السلطات الأوكرانية بدت مشككة بعد الإعلان الروسي الذي سيمثل في حال تأكده انتكاسة كبيرة لموسكو في المنطقة التي ضمتها إلى أراضيها.
وفي الأسابيع الأخيرة، استعادت القوات الأوكرانية قرى عدة في إطار زحفها إلى خيرسون، المدينة الرئيسية في المنطقة التي تحمل الاسم نفسه، بينما كان القادة الذين نصبهم الكرملين في خيرسون ينقلون المدنيين إلى خارجها في ما وصفته كييف بعمليات ترحيل غير قانونية.
قال الجنرال الأوكراني فاليري زالوجني على وسائل التواصل الاجتماعي، إن قواته استعادت ست قرى بعد معارك قرب جبهة بيتروبافليفكا-نوفورايسك.
وأضاف زالوجني أن الجيش الأوكراني استعاد ست قرى أخرى في اتجاه بيرفومايسكي-خيرسون، وسيطر على أراضٍ تتجاوز مساحتها 200 كيلومتر مربع.
في وقت متأخر الأربعاء، أعلن كبار مسؤولي الدفاع الروس المكلفين الملف الأوكراني في اجتماع متلفز، أنهم اتخذوا "القرار الصعب" بالانسحاب من خيرسون وإقامة خطوط دفاعية في مناطق أبعد.
وفي مدينة ميكولايف القريبة في الجنوب، والتي قصفتها القوات الروسية بالمدفعية والصواريخ لأشهر، لم يصدق السكان أن الروس سيقرنون أقوالهم بالأفعال.
في تصريح لوكالة "فرانس برس"، قالت سفيتلانا كيريشينكو (54 عاما)، وهي عاملة في متجر: "لا يمكن الوثوق بما يقولونه. لن يعيد لنا أحد أي شيء بهذه السهولة".
"لا أصدق"
وأضافت كيريشينكو أن أصدقاءها أخبروها أن هناك المزيد من القوات الروسية في خيرسون، وهي تعتقد أن قوات موسكو لن تغادر المدينة بدون قتال. وتابعت: "لا أصدق أنهم سيعيدون أي شيء".
من جهته، اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن روسيا يمكن أن تكون بصدد إجراء مناورة استراتيجية.
وتكرر الحذر على لسان مسؤولين عسكريين في كييف الخميس.
وقال أوليكسي غروموف، من هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية: "في هذه المرحلة، لا يمكننا تأكيد أو نفي المعلومات المتعلقة بانسحاب القوات الروسية من خيرسون".
"الناتو": نصر جديد لأوكرانيا
وفي سياق ردود الفعل الدولية على الخطوة الروسية، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، الخميس، أنه يراقب كيفية انسحاب الروس من منطقة خيرسون، معتبرًا أن الانسحاب، إذا تأكّد، سيشكّل "نصرًا جديدًا لأوكرانيا".
وقال ستولتنبرغ بعد محادثات أجراها مع رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني في روما: "علينا مراقبة تطور الوضع على الأرض في الأيام المقبلة. لكن من الواضح أن روسيا تحت ضغط كبير وإذا غادرت خيرسون، سيشكّل ذلك نصرًا جديدًا لأوكرانيا".
وقالت ميلوني إن إحدى أولوياتها تشمل العمل على تعزيز التحالف، لجعله "أكثر قدرة على الاستجابة للتهديدات الآتية من جميع الاتجاهات".
أما رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، فأكد الخميس ضرورة توخي الحذر تجاه انسحاب القوات الروسية من خيرسون خلال اتصال هاتفي أجراه مع زيلينسكي، حسب ما ذكرته شبكة "بي بي سي" البريطانية.
وأوضحت الشبكة أن مكتب رئيس الوزراء البريطاني قال، في بيان، إن سوناك وزيلينسكي اتفقا في اتصال هاتفي على أن "الانسحاب الروسي من مدينة خيرسون المحتلة سيظهر تقدما قويا للقوات الأوكرانية".
وأشارت الشبكة إلى أن متحدث رئيس الوزراء (لم تسمه) قال إن سوناك وزيلينسكي اتفقا أيضا على أنه "من الصواب إبداء الحذر بشأن الانسحاب، حتى رفع العلم الأوكراني فوق المدينة".
وأضاف: "أشاد رئيس الوزراء بشجاعة القوات المسلحة الأوكرانية وجدد التأكيد على دعم المملكة المتحدة الذي لا يتزعزع لأوكرانيا عسكريا واقتصاديا وسياسيا"، حسب الشبكة.
من جانبه، أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بقرار روسيا الانسحاب من خيرسون، واصفا القرار بأنه "إيجابي وهام".
وأكد أردوغان في تصريحات للصحافيين، أن بلاده تواصل مساعي الوساطة بين الجانبين دون توقف.
وأشار إلى أنه "من الصعب الحديث عن موعد محدد لاستمرار المفاوضات وانتهاء الحرب، لكن بالطبع قرار روسيا الانسحاب من مدينة خيرسون الأوكرانية يعد إيجابيا وهاما".
وأكد استمرار اللقاءات مع روسيا، معربا عن أمله في نجاح بلاده في مساعي الوساطة وضمان عالم يسوده السلام بدلا من الحرب.
وخسارة روسيا لمنطقة خيرسون تعني استعادة أوكرانيا لمنفذ مهم على بحر آزوف، وستضعف حصيلة بوتين في الحملة.
وسيؤدي الانسحاب إلى الضغط على القوات الروسية في الباقي من منطقة خيرسون التي تشكل جسرا بريا من روسيا إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014.
في الأسابيع التي سبقت إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قال مسؤولون نصبهم الكرملين إنهم "يجعلون" المدنيين ويجعلون المدينة "حصنا".
ومع تقدم القوات الأوكرانية جنوبا، أبلغ القائد الروسي في أوكرانيا سيرغي سوروفكين، الأربعاء، وزير الدفاع الروسي بأنه تم نقل حوالي 115 ألف شخص من الضفة الغربية لنهر دنيبرو حيث تقع مدينة خيرسون.
الوضع في باخموت
وكانت خيرسون واحدة من أربع مناطق أوكرانية أعلنت روسيا ضمها في سبتمبر/ أيلول بعيد إجبارها على الانسحاب من مساحات شاسعة من الأراضي في شمال شرقي منطقة خاركيف.
في موسكو، سارع أنصار الكرملين إلى تبرير القرار رغم الانتكاسات السابقة في أوكرانيا التي أججت الانقسامات بين حلفاء بوتين.
وقالت مارغريتا سيمونيان، رئيسة مجموعة "آر تي" الإعلامية الحكومية، إن الانسحاب ضروري لعدم ترك القوات الروسية مكشوفة على الضفة الغربية لنهر دنيبرو و"فتح الطريق إلى القرم".
وقال الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، إن القرار "صعب لكنه صائب".
وجاء إعلان الانسحاب في وقت قدرت الولايات المتحدة مقتل أو إصابة أكثر من 100 ألف عسكري روسي في أوكرانيا.
ومن المرجح أن قوات كييف تكبدت خسائر مماثلة، وفق رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي الذي أعلن الأرقام.
وكانت روسيا تضغط من أجل السيطرة على باخموت في شرق منطقة دونباس، وقد تعرضت البلدة لنيران مكثفة لأسابيع.
وصرح الجندي فيتالي (26 عاما) لوكالة "فرانس برس" في باخموت: "لقد أصبح الأمر أكثر صعوبة في الأيام الثلاثة الماضية. الروس يضغطون أكثر فأكثر، لكن شبابنا يحافظون على مواقعهم".
ورغم المعارك المتواصلة منذ أربعة أشهر، بقي حوالي نصف السكان البالغ عددهم 70 ألف شخص في المدينة ولاسيما في شرقها.
(فرانس برس، الأناضول، العربي الجديد)