استمع إلى الملخص
- شكل سقوط الأسد صدمة لروسيا، التي منحت اللجوء للأسد وعائلته، وتعتمد العلاقات المستقبلية بين موسكو ودمشق على مواقف الداعمين الخارجيين، مع مخاوف من تأثير غربي قد يطالب روسيا بمغادرة سورية.
- سقوط الأسد يفتح جبهة جديدة ضد روسيا، مع تعزيز تركيا لنفوذها في سورية، وتنسيق بين روسيا وتركيا وإيران لضمان مصالحهم، مما يعكس تعقيدات المشهد الإقليمي.
لم تتأخر المعارضة السورية في بدء مرحلة تسلّم المقرات الرسمية للنظام السوري بعد سقوط رئيسه بشار الأسد، بدءاً من السفارة السورية في موسكو، وذلك في ظل تساؤلات عن مستقبل العلاقات بين سورية وروسيا بعد سقوط الأسد وتحولاتها المرتقبة، فضلاً عن مستقبل القواعد الروسية في سورية، وإعلان الكرملين، أمس الاثنين، أنه "بعد استقرار الأوضاع في سورية، نخطط لبحث مستقبل وجود القواعد الروسية هناك مع السلطات الجديدة"، مشدداً في بيان على أن "العسكريين الروس يقومون بكل ما هو ضروري لضمان أمن القواعد".. وأمس الاثنين، رُفع علم المعارضة السورية فوق السفارة السورية في موسكو، حسبما أفاد صحافي في وكالة فرانس برس، بعد يوم على سقوط الأسد في دمشق، أول من أمس الأحد. وقال صحافي في "فرانس برس"، إن مجموعة من الرجال وقفوا على شرفة السفارة وهم يهتفون ويصفقون فيما رفعوا علم المعارضة الذي يحمل ثلاث نجوم حمراء.
روسيا بعد سقوط الأسد
مع سقوط الأسد ومغادرته العاصمة السورية الى موسكو حيث منح اللجوء، تابعت موسكو عن كثب تطورات الوضع الراهن على الأرض، وسط تساؤلات عدة فرضت نفسها فيما يتعلق بمستقبل أدوار روسيا وتركيا وإيران في سورية ما بعد الأسد، وعلاقة موسكو مع من سيتولى زمام السلطة في دمشق، ولعل الأهم مصير القواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري التي أسس الكرملين من خلالها موطن قدم في المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط. وبموازاة إحجام الكرملين عن التعليق على سقوط الأسد حتى يوم أمس، أقرت وزارة الخارجية الروسية في بيان مقتضب، مساء أول من أمس الأحد، بفرار الأسد من سورية مع التأكيد على تواصلها مع كافة فصائل المعارضة واستمرار وجود العسكريين الروس في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية في الساحل السوري مع رفع جاهزيتهما القتالية. وفي وقت لاحق من مساء الأحد، نقلت وكالات إعلام روسية عن مصادر في الكرملين قولها إن الأسد وصل إلى موسكو وحصل على حق اللجوء له ولأفراد عائلته لـ"دواع إنسانية"، مؤكدة في الوقت نفسه على إجراء اتصالات مع ممثلي فصائل المعارضة المسلحة الذين وعدوا بسلامة القواعد العسكرية والمباني الدبلوماسية الروسية على أراضي الجمهورية، وفق البيان.
أندريه مورتازين: سقوط الأسد بهذه السرعة شكل صدمة لروسيا وبوتين
في السياق، جزم المستعرب، المترجم العسكري الروسي السابق، أندريه مورتازين، بأن سقوط الأسد بهذه السرعة شكل صدمة لروسيا، معتبراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن استمرار الوجود العسكري الروسي في الساحل السوري بات مرهوناً بوصول سياسيين موالين لتركيا لسدة الحكم وقدرة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على الضغط عليهم في إطار اتفاقاته المحتملة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وقال مورتازين الذي خدم في سورية في ثمانينيات القرن الماضي وزارها بضع مرات بعد اندلاع الأزمة السورية بصفته مراسلاً حربياً: "لا شك أن سقوط الأسد بهذه السرعة شكل صدمة لروسيا وبوتين نفسه الذي لم يكن يتوقع انهيار النظام من دون مقاومة في ظرف أسبوع ونيف، ويمكن مقارنة هذا الحدث نطاقاً مع سقوط نظامي صدام حسين في العراق في عام 2003، وأشرف غني في أفغانستان عام 2021".
وأقر مورتازين بمسؤولية الأسد عن تعطيل الحل السياسي في السنوات الأخيرة، مضيفاً: "تعثر مسارا جنيف وأستانة على وجه السرعة، وأعتقد أن ذلك يرجع إلى انعدام رغبة الأسد في تقاسم السلطة وإدراكه أنه سيفقدها حتماً في هذه الحالة، فاختار أن يحذو حذو أبيه، حافظ الأسد، في مواجهة المعارضة بالحديد والنار، ولكنه لم ينجح على عكس والده في ذلك". واعتبر أن مستقبل العلاقات بين موسكو ودمشق ومصير القواعد العسكرية الروسية يعتمد على مواقف الداعمين الخارجيين للسلطة الجديدة، قائلاً: "في حال كانت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) تخضع لنفوذ المخابرات التركية، ففي هذه الحالة سيتم الإبقاء على قاعدتي طرطوس وحميميم، إذ إن أردوغان تربطه علاقة وطيدة مع بوتين ولا يريد إفسادها. لكن في حال أصبحت دمشق تتلقى تعليمات من لندن وواشنطن، فستُطالَب روسيا بالمغادرة على وجه السرعة مع السماح بالخروج الآمن للأفراد والمعدات من دون أعمال قتال في أحسن الأحوال".
العلاقات بين موسكو و"هيئة تحرير الشام"
وحول رؤيته لواقعية سيناريو تطبيع العلاقات بين موسكو و"هيئة تحرير الشام" وفق سيناريو المصالحة مع حركة طالبان الأفغانية، رأى مورتازين أنه "استغرقت عملية اعتراف روسيا بطالبان وتطبيع العلاقات معها عقوداً طويلة، وأستبعد تأسيس العلاقات مع هيئة تحرير الشام على وجه السرعة ما لم تتراجع عن أيديولوجيا إقامة دولة إسلامية، ولا أتصور أن يقبل زعيمها، أبو محمد الجولاني، الذي أصبح يعرف نفسه باسمه الحقيقي، أحمد الشرع، بنموذج الدولة على مبادئ العلمانية والمواطنة في حال توليه الحكم". وخلص مورتازين إلى أن "الكارثة الكبرى تكمن في أن الكرملين لم يناقش، في العلن على الأقل، الشخصيات البديلة لضمان المصالح الروسية في سورية غير الأسد الذي أنقذته موسكو من السقوط في عام 2015 من دون أن تتمكن من تكرار هذا النجاح هذه المرة".
قدمت موسكو "لجوءاً إنسانياً" إلى الأسد وعائلته
بدوره، رأى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية ومعهد دراسات الشرق الأوسط، سيرغي بالماسوف، أن سورية لا تزال تشكل أهمية كبرى لروسيا نظراً لاستمرار وجود قاعدتي حميميم وطرطوس، معتبراً أن تركيا اتبعت في سورية نفس أسلوب موسكو في الشرق الأوكراني بين عامي 2014 و2022 من جهة دعم فصائل المعارضة من دون الضلوع المباشر في النزاع.
وقال بالماسوف الذي زار سورية مرات عدة، في حديث لـ"العربي الجديد": "سورية هي حالة نادرة لدولة تترابط فيها قاعدتان روسيتان في آن معاً وتقعان بالقرب من قناة السويس، التي تشكل شرياناً تجارياً عالمياً يستخدم لتوريد النفط والغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن موسكو باستطاعتها أن تهدد استمرارية الإمدادات الحيوية إلى الغرب بواسطتهما". ولخص دوافع موسكو إلى التمسك بدعم الأسد سواء أثناء وجوده على رأس السلطة أو منح اللجوء له، بعد سقوطه بانطلاقها من مبدأ مفاده "أنت مسؤول عمن استأنستَ"، المقتبس من رواية "الأمير الصغير" للكاتب الفرنسي، أنطوان دو سانت إكزوبيري، في القرن الـ19.
ومع ذلك، أقر بالماسوف بأن خصوم الأسد، وعلى رأسهم أنقرة، استطاعوا استثمار انشغال موسكو بالنزاع مع أوكرانيا لإسقاط الأسد، مضيفاً: "اعتمد الأتراك نفس استراتيجية روسيا في أوكرانيا، أي السيطرة على أراض بعينها بواسطة مجموعات مسلحة لا تمت رسميا إلى دولتهم بصلة مع الاكتفاء بالتنسيق مع الأجهزة الاستخباراتية التركية. سيطر العثمانيون على أرض سورية على مدى نحو 500 عام، وخسروها نتيجة للحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، ولكنهم ما زالوا يعتبرونها أرضهم تاريخياً".
مصالح اللاعبين الإقليميين
وفي مؤشر لوجود نوع من التنسيق بين اللاعبين الإقليميين يضمن مصالح كل طرف في سورية بعد سقوط الأسد، كان انعقاد اجتماع لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران على هامش منتدى الدوحة قبل سقوط النظام بساعات، والذي نفى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلاله مغادرة السفن الروسية قاعدة طرطوس، موضحاً أنها توجهت إلى حوض المتوسط للمشاركة في تدريبات. وذكر لافروف أن لروسيا قاعدتين في الساحل السوري، أولاهما بحرية في طرطوس كان تأسيسها بمثابة نقطة الدعم المادي - الفني للأسطول السوفييتي في عام 1971 وطورتها موسكو في السنوات الأخيرة إلى قاعدة بحرية متكاملة، وثانيتهما جوية بمطار حميميم في محافظة اللاذقية التي أسستها موسكو بالتزامن مع بدء تدخلها العسكري المباشر بغية تعويم الأسد في نهاية سبتمبر/أيلول 2015. وفي عام 2017، اتفقت موسكو مع الأسد على مرابطة القوات الروسية بهاتين القاعدتين لمدة 49 عاماً، وسط تشكيك في قبول أي سلطة سورية جديدة باستمرار الوجود العسكري الروسي لنصف قرن آخر.
سيرغي بالماسوف: سورية لا تزال تشكل أهمية كبرى لروسيا نظراً لاستمرار وجود قاعدتي حميميم وطرطوس
وهيمن سقوط الأسد في سورية على عناوين الصحافة الروسية الصادرة، أمس الاثنين، مع التركيز على العوامل التي أدت إلى انهيار النظام بهذه السرعة، ومستقبل الوجودين الروسي والتركي في المنطقة، ودلالات الأحداث في سورية في سياق أوسع مع تطورات الحرب الروسية الأوكرانية. وخصصت صحيفة كوميرسانت صفحتها الأولى لتقرير بعنوان "سورية خرجت بصدمة. روسيا تخسر أهم حلفائها في الشرق الأوسط"، تناول هشاشة النظام السوري الذي انهار وكأنه "بيت من الورق" تحت ضربات قوات المعارضة وهروب الأسد من دمشق بعد عزوف الجيش عن التصدي للفصائل المسلحة.
جبهة جديدة ضد روسيا
وحذرت الصحيفة من أن سقوط الأسد بالتزامن مع ذروة النزاع الأوكراني ينذر بفتح جبهة جديدة ضد روسيا، معتبرة في الوقت نفسه أن استمرار الوجود العسكري الروسي بقاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية في الساحل السوري يصبح في آن معاً، عامل قلق لروسيا وأداة بين يديها للمساومات المستقبلية مع المعارضة المسلحة. وخصصت صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا هي الأخرى مقالها الافتتاحي لتناول الأحداث في سورية تحت عنوان "سقوط دمشق الأسد"، لافتة فيها إلى أن "الحكومة السورية التي صمدت طوال 13 عاماً من الحرب الأهلية، انهارت تحت وطأة تقدم الفصائل المسلحة خلال أقل من أسبوعين".
واعتبرت الصحيفة أن "الضربة بالنظام السياسي القائم منذ انقلاب 1966 باتت ممكنة نتيجة لتعزيز القدرات العسكرية للمجموعات الموالية لتركيا في السنوات الأخيرة، والأزمة في تموين جيش الأسد جراء العقوبات، والعملية الإسرائيلية ضد حزب الله اللبناني الموالي لإيران"، واصفة إياه بأنه "أهم حلفاء الرئيس المخلوع". وأعربت الصحيفة عن "الدهشة" من السرعة التي انهارت بها سلطة حزب البعث العربي الاشتراكي، مذكرة بأن الأسد كان يعتبر نفسه منتصراً في الحرب الأهلية إلى حد أنه رفض التفاوض مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ما لم تغادر القوات التركية مناطق الشمال السوري.
أما صحيفة فزغلياد الإلكترونية الموالية للكرملين، فنشرت مقالاً بعنوان "شبح الإمبراطورية العثمانية يعود إلى سورية"، قالت فيه إن "المتمردين السوريين الذين اعتدنا على تسميتهم إرهابيين ومسلحين دخلوا إلى دمشق"، مقرة بأن دبلوماسيي كافة الأطراف المعنية سيضطرون للحديث معهم قريباً. واعتبرت الصحيفة أن "تركيا أتاتورك الذي وجد بعد الحرب العالمية الأولى مخرجاً في إقامة دولة قومية ونقل عاصمتها من إسطنبول إلى عمق آسيا الصغرى في أنقرة تصبح جزءاً من الماضي"، متسائلة: "هل تعود الإمبراطورية العثمانية؟". ووصف المقال سورية اليوم بأنها "نموذج لكيان ما بعد الاستعمار"، مذكراً بفرض الانتداب الفرنسي على سورية في عام 1920، إلى أن قرر الرئيس الفرنسي شارل ديغول، منح الاستقلال لسورية في عام 1941 مع تأجيل تفعيله لحين انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945).